أساتذة نجيب محفوظ

صاحب 'الثلاثية' يشبِّه طه حسين، بسعد زغلول ولكن في الأدب، فيقول: إنه سعد زغلول الأدب.

عاصر نجيب محفوظ جيل الرواد الذي كان يعد جيلا موسوعيا قدم التراث وقدم لنا الفكر الغربي، وأعطانا أمثلة إبداعية وأيضا كان له نشاطه السياسي، وحينما جاء توفيق الحكيم فقد أعطى للفن مكانته الحقيقية، وهو أيضا الذي بلغ به المستوى العالمي.

هكذا كان يرى نجيب محفوظ جيل أساتذته من الكتَّاب، ولم يتنكر لهم طوال عمره، حتى عندما فاز بجائزة نوبل في الآداب 1988 تمنى لو حاز عليها طه حسين وتوفيق الحكيم، وهو يخص الحكيم بالذكر فيقول: "تذكرت توفيق الحكيم فدمعت عيناي، هي حظوظ أن لا يحصل على الجائزة عملاق مثل الحكيم، ثم يجيء مِنْ بعده مَنْ لا يتوقع أن يحصل عليها، لينالها بالفعل. وأعتقد أن لو كان الحكيم حيا، عندما اتجهت الجائزة نحو العرب، لكانت أُعطيت له".

وهو دائم الذكر في حوارته لهذا الجيل من الأساتذة والرواد، فيقول لأحمد عباس صالح (صباح الخير 1956): كنت أقرأ لطه حسين والمازني والعقاد، ثم توفيق الحكيم وسلامة موسى.

ولكنه لا ينسى فضل المنفلوطي فيقول لفؤاد دوارة (الكاتب 1963) ما أدراك ما المنفلوطي وأثره الخطير في تهذيب النفوس. وبعد ذلك تأتي مرحلة اليقظة على أيدي طه حسين، والعقاد، وسلامة موسى، والمازني، وهيكل، وبعد فترة أسهم فيها تيمور، وتوفيق الحكيم، ويحيى حقي. وأنا أسمي هذه المرحلة مرحلة التحرر من طريقة التفكير السلفية، وطريقة التذوق السلفية، والتنبيه إلى الأدب العالمي، والنظر إلى الأدب العربي الكلاسيكي نظرة جديدة، مع الاطلاع على نماذج أشبه ما تكون بالأمثلة للقصة والأقصوصة، وتلخيصات لأشهر المسرحيات العالمية، ثم جاءت أمثلة المسرحية المؤلفة على يد توفيق الحكيم.

أعتقد أن لو كان الحكيم حيا، عندما اتجهت الجائزة نحو العرب، لكانت أُعطيت له

وعندما تسأله إحدى قارئات مجلة الاثنين (1960): من هو الكاتب الأول عندنا في نظرك؟ يجيب: هم ثلاثة كتاب عمالقة: طه حسين، العقاد، توفيق الحكيم. هم الذين صنعوا الثورة الأدبية الأولى ففتحوا النوافذ على أبواب عقولنا أدبا وعلما، وسرنا في ركابهم عن عمق وحب.

يقول عن العقاد مثلا: 'للعقاد فضل شخصي علي لا يدريه، لأنني لم أعرفه في حياتي، وفضله هو أنه الكاتب الذي رد اعتبار الأدب عندي. كنت في المدرسة الثانوية أتعلم أن الأدب يتقرب به الأدباء إلى الملوك والأمراء، ويدخلون القصور ويجلسون إلى الموائد، وظللت أحتقر الأدب إلى أن قرأت العقاد فأكسبه قدسية واحتراما جرّني إليه. والعقاد هو الذي أدخل الفكر في الأدب. ولكنني أعتبره من المحافظين، وهو مخلص لموقفه لأنه يوافق فرديته وأرستقراطيته الفكرية، ومن الممكن أن تقول إن العقاد نهاية الفرديين في مصر، كما كان نيشته في أوروبا'.

ويرى أن العقاد رائد كبير من رواد الشعر الحديث وأعظم كاتب سيرة. ويقول عنه: 'لقد خلق العقاد عندي قيما عزيزة أولها قيمة الأدب كفن سام لا وسيلة تكسب، وكان دائما يرتفع بالفن إلى مستوى الرسائل المقدسة، وثانيها أهمية الحرية في الفكر وفي حياة الإنسان عموما، ثم نظرياته النقدية في الشعر التي جعلتني أتذوق الشعر تذوقا جديدا'.

ويؤكد لحسن شمس (صوت أميركا/روزاليوسف 2012): 'العقاد أعطانا فكرة عن تعاون الفنون أو تشابهها، وعلمنا أن التخصص في فن يحتاج للإلمام بجميع الفنون، فهو قد كتب عن الفن التشكيلي العالمي والموسيقى، فكان طموحنا أن ندرس ونتعلم شيئا عن كل شيء'.

أما توفيق الحكيم فيراه نجيب محفوظ (صباح الخير 1956) أنه يحمل توقيعين؛ واحد يكتب للفن وحده، والآخر يكتب للفن في إطار الصحافة، والأول قريب لنفسه، أما الثاني فيدخل معه في التغيير ظروف الصحافة, ويعتقد محفوظ أن تقدير الأديب يكون بأحسن أعماله لا بأضعفها. ويضيف: 'من الممكن أن تقول إن توفيق الحكيم كان كالنهر الكبير خرجت منه روافد للقصة والمسرحية، ولا شك أن أعظم رواية قرأناها هي 'عودة الروح'، ولكنه مع ذلك كان مشوبا ببعض الرواسب الأفرنجية والتركية، وحاولنا أن نتخلص في أعمالنا منها، وربما نكون قد نجحنا".

إن توفيق الحكيم في نظر محفوظ أكبر من طوّر الأشكال الأدبية الحديثة في المسرح والرواية والقصة.

أما طه حسين فيرى محفوظ أنه أحدث ثورة تحرير فكرية بوقوفه موقف العالِم من جميع التراث، كانت توازي ثورة 1919 أو هي نتيجة لها. فقد كان، من النادر، قبل أن يقتحم طه حسين ميدان الأدب وجود بحث علمي موضوعي يناقش أي قضية. كانت العقيدة هي المنظار الوحيد الذي تطل به على الأشياء، ثم أنه خلق أسلوبا غنائيا لم يقلده فيه أحد لتعذر تقليده.

ويشبِّه نجيب محفوظ، طه حسين، بسعد زغلول ولكن في الأدب، فيقول: "إنه سعد زغلول الأدب".

لقد تأثر نجيب محفوظ بطه حسين لدرجة أنه عندما قرأ "الأيام"، ألّف كراسة أو كتابا - أسماه "الأعوام" روى فيها قصة حياته على طريقة طه حسين.

وعلى الرغم من أن سلامة موسى رفض نشر ثلاث روايات (قبل عبث الأقدار) لنجيب محفوظ، فإنه لم ينكر فضله عليه، بل يعترف بأنه تتلمذ عليه، ومنه تعلق بالعلم والاشتراكية، فضلا عن أنه كان ينشر مقالاته الفلسفية في مجلته "المجلة الجديدة" الشهرية والأسبوعية خلال السنوات الممتدة من 1932 إلى 1939.

يقول نجيب محفوظ لفؤاد دوارة (الكاتب 1963) "كان لسلامة موسى أثر قوي في تفكيري، فقد وجهني إلى شيئين مهمين هما العلم والاشتراكية، ومنذ دخلا مخي لم يخرجا منه إلى الآن. وكان الأديب الوحيد الذي قبل أن يقرأ رواياتي الأولى وهي مخطوطة، قرأ ثلاث روايات وقال لي إن عندي استعدادا ولكن الروايات غير صالحة للنشر، ثم قرأ الرواية الرابعة، وكانت 'عبث الأقدار' وأعجبته ونشرها كاملة في 'المجلة الجديدة'. كما قرأ أول أقاصيص كتبتها، ونشر بعضها قبل 'الرواية' و'مجلتي'".

ويؤكد لحسن شمس (صوت أميركا/روزاليوسف 2012) أن سلامة موسى واحد من أكبر الداعين لنمط الحياة العصرية في الصناعة والعلم والعدالة الاجتماعية والمروجين لها.