أمير الرواية العربية عصي على الخصخصة


الناقد الراحل طه وادي تمنى في كتابه أن يقوم المسئولون عن الثقافة في مصر بتقديم طبعة شعبية من أعمال نجيب محفوظ الخالدة وأن يكون سعرها في متناول الفقراء، كما تمنى أن يفك الحظر المفروض على روايته 'أولاد حارتنا'.

كان الناقد الراحل الدكتور طه وادي يتمنى – في تقدمة كتابه "نجيب محفوظ أمير الرواية العربية" (2006) أن يقوم المسئولون عن الثقافة في مصر بتقديم "طبعة شعبية" من أعمال نجيب محفوظ الخالدة، وأن يكون سعرها في متناول الفقراء الذي كتب عنهم ولهم. خاصة وقد احتكرت طبعات أعماله وترجمات نصوصه دور ومؤسسات تطمح إلى الربح والتجارة، وتحقيق نوع من الاحتكار الأدبي، فكأنهم يريدون (خصخصة) الثقافة بعد أن خصخصوا كل ما عداها.
وفي هذا الكتاب الصغير الذي صدر عن سلسلة "اقرأ" التي تصدرها دار المعارف بالقاهرة تمنى أيضا د. طه وادي أن يفك الحظر المفروض على رواية محفوظ الرائعة والمثيرة للجدل "أولاد حارتنا"، وقال: لا أظن أن أحدا من المثقفين في مصر أو غيرها، لم يقرأها، ولم يدر حوارا نقديا وأيديولوجيا حولها.
أما الأمنية الثالثة فهي أن يُطلق اسم الراحل العزيز على "ميدان سيفنكس" والذي أقيم فيه تمثاله المتواضع فنيا، وأن يُعاد تنسيق قاعدة التمثال وهندسة الميدان، حتى يصبح المكان على قدر قيمة الإنسان.
وقد تحققت الأمنيتان الثانية والثالثة اللتان تمناهما الناقد الراحل الدكتور طه وادي أستاذ الأدب العربي الحديث – كلية الآداب – جامعة القاهرة. أما الأمنية الأولى فلم تتحقق بعد، فلم نر طبعات شعبية لأعمال محفوظ، اللهم إلا عدد قليل من أعماله طبعت في مكتبة الأسرة بأسعار رمزية فعلا.
 أما أعماله الكاملة فهي يتصارع عليها الناشرون، ومن يملك حق طباعتها وإتاحتها بين أيدي القراء، وخاصة الشباب، سواء في طبعات ورقية أو إلكترونية.
في بداية كتابه تحدث وادي عند محفوظ والرواية ونوبل، مسلطا الضوء على الرجل في طفولته ونشأته في منطقة الجمّالية، ثم العباسية الشرقية، والإسكندرية التي تعود أن يقضي فيها الصيف في مرحلة متأخرة نسبيا من عمره، لذا فإنها لا تظهر كخلفية مكانية في أعماله الأولى.
ثم يتحدث وادي عن الكاتب نجيب محفوظ، ويقدم قائمة بأعماله الروائية ومجموعاته القصصية، ثم يتوقف عند حال الرواية قبل محفوظ، ثم محفوظ روائيا.
 ويقسم مراحله الروائية إلى عدة مراحل: المرحلة التاريخية (1939 – 1944) والتي قدم فيها الروايات: عبث الأقدار، ورادوبيس، وكفاح طيبة، ويلحق بها روايته "العائش في الحقيقة (1985). ثم مرحلة الواقعية النقدية (1945 – 1975) وقدم فيها: القاهرة الجديدة، وخان الخليلي، وزقاق المدق، والسراب، وبداية ونهاية، والثلاثية (بين القصرين وقصر الشوق والسكرية). ثم مرحلة الواقعية الفلسفية (1961 – 1967) وقدم فيها: اللص والكلاب، والسمان والخريف، والطريق، والشحاذ، وثرثرة فوق النيل. 
ونلاحظ أن المؤلف أغفل ذكر رواية "أولاد حارتنا" التي نشرت مسلسلة في جريدة الأهرام عام 1959.، ولكنه يعود فيذكرها بعد ذلك (ص 36) مشيرا إلى أنها بداية لسباعية فلسفية.
ثم تأتي مرحلة العودة إلى الواقعية النقدية (1972 – 1988) وفيها أصدر: المرايا، والكرنك، وحكايات حارتنا، وقلب الليل، وحضرة المحترم، وملحمة الحرافيش، وعصر الحب، وأفراح القبة، وليالي ألف ليلة، والباقي من الزمن ساعة، ورحلة ابن فطومة، ويوم قتل الزعيم، وحديث الصباح والمساء، وقشتمر.
ويؤكد د. طه وادي أن معظم أبطال روايات محفوظ دائما من الطبقة البرجوازية في الأحياء الشعبية من القاهرة، سواء أكانوا من التجار أم من المثقفين وصغار الموظفين وطلبة الجامعة. كما يلاحظ وادي أن البطل في معظم رواياته يتحرك في مرحلة زمنية قريبة من عمر كاتبنا نفسه.
وقبل أن يغادر ناقدنا هذا الفصل يتوقف عند جائزة نوبل التي حصدها محفوظ عام 1988، فيتحدث عن دلالة هذا الفوز بالنسبة لمحفوظ، ودلالة هذه الجائزة بالنسبة للأدب العربي عموما.
ثم يتحدث وادي عن المرأة في أعمال نجيب محفوظ، مؤكدا أن أهمية محفوظ ترجع إلى أنه كاتب له أكبر الأثر في تطوير الرواية العربية، بعدها يحلل صورة المرأة الفقيرة في أعماله، مثل إحسان شحاته في "القاهرة الجديدة"، وحميدة في "زقاق المدق"، ونفيسة في "بداية ونهاية".
أما عن صورة المرأة البرجوازية فقد رآها وادي تتمثل في: نوال في "خان الخليلي"، وبهية في "بداية ونهاية"، ويخلص إلى أن صورة المرأة البرجوازية في روايات محفوظ مسطحة لا عمق فيها.
وعن صورة المرأة الأرستقراطية، فنراها في تحية حمديس في "القاهرة الجديدة"، وكريمة أحمد بك يسري في "بداية ونهاية".
ثم يتوقف الناقد عند صورة الأم في روايات نجيب محفوظ، وخاصة في "خان الخليلي" و"بداية ونهاية"، مرجئا الحديث عنها في "الثلاثية" لفصل قادم.
ثم يوضح السمات العامة لصورة المرأة بين الرواية الرومانسية والواقعية، محللا صورة المرأة في الثلاثية التي أفرد لها صفحات كثيرة، موضحا أن "بين القصرين" تمثل مرحلة الإيمان المطلق والخضوع الكامل، و"قصر الشوق" تمثل مرحلة التردد بين الشك واليقين، والحيرة بين الدين والعلم، أما "السكرية" فتمثل الانتهاء لموقف لا يحيد عنه الإنسان بالنسبة لكل القيم والمبادئ. 
ويشير إلى أن صورة المرأة الأرستقراطية في "الثلاثية" تتمثل في عايدة شداد وعلوية صبري، وصورة المرأة الفقيرة تمثلها جماعة البغايا والعوالم اللائي زخرت بهن الرواية، ووصفتهن في سعة وعمق، واستشفت ما تحجبه أحيانا أجسادهن الآثمة من روح نبيلة تهفو إلى الحياة النظيفة المستقرة، كما تمثلها طائفة الخدم اللائي كن يعملن في البيوت. بينما تمثلت صورة المرأة في الطبقة الوسطى وتطور وضعها في المجتمع وعلاقتها بالرجل في ثلاثة أجيال في أمينة الأم، والأختين خديجة وعائشة، وسوسن حماد.
ويرى د. طه وادي أن مؤلف الثلاثية حمّلها كثيرا من الآراء التقدمية التي يؤمن بها في الفكر والفن والسياسة والاجتماع، والاشتراكية والثورة، لذلك فإنها تعد أخطر الروايات التي لها بُعد فكري، لا يقل روعة عن بنائها الفني.
ويخلص الناقد د. طه وادي إلى أن نجيب محفوظ – خلال مسيرته الإبداعية - ظل يواصل رحلة الكشف حوالي سبعة عقود، كما أن فكره الأدبي الإنساني المستنير، وجد صدى واسعا في التجمعات الإنسانية المختلفة والأنساق الثقافية المتنوعة، وأشرق ضؤوه الأدبي والفكري كما تنتشر أشعة الشمس وشهب النجوم.
لقد حقق محفوظ للرواية والأدب العربي ما لم نكن نتوقعه في الفترة الزمنية المحدودة التي عاشها بيننا في دنيا الناس (1911 – 2006)، لذا فإن أمير الرواية العربية عصي على "الخصخصة".