الدولة الرخوة؟!

معايير للدولة التي تضع القوانين ولا تطبقها تنطبق على دول الشرق الأوسط.

اكتشفنا متأخرين مصطلح "الدولة الرخوة" رغم أن صاحب هذا المصطلح والنظرية الاقتصادية قد توفي عام 1978. أول من استخدم مصطلح الدولة الرخوة هو الاقتصادي السويدي غونار ميردال الحاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد لعام 1974 وتقاسمها مع الاقتصادي النمساوي فريدريك هايك الذي كان المرجع الاقتصادي الرئيسة الوزراء البريطانية مارغريت تاتشر. ويعتبر ميردال من أهم الاقتصاديين في القرن العشرين. في كتابه "الدراما الآسيوية – بحث في فقر الأمم" والذي نشر عام 1968، تحدث عن الدولة الرخوة، وهي الدولة التي تضع القوانين ولا تطبقها، ليس فقط لما فيها من ثغرات، ولكن لأن لا أحد يحترم القانون. الكبار لا يبالون به لأن لديهم من المال والسلطة ما يحميهم منه، والصغار يتلقون الرشاوي لغض البصر عنه. رخاوة الدولة تشجع على الفساد، وانتشار الفساد يزيدها رخاوة. الفساد ينتشر في السلطتين التشريعية والتنفيذية حتى يصل إلى القضاء والجامعات، ويصبح الفساد في ظل الدولة الرخوة اسلوب حياة.

يحدد ميردال أهم سمات الدولة الرخوة:

1- تراجع مكانة وهيبة الدولة داخلياً وخارجياً.

2- عدم إحترام القانون، وضعف ثقة المواطنين بالقوانين، فمع وجود منظومة قانونية متقدمة إلا أنها تبقى من دون تطبيق، إلا في حالات محددة، حيث يمكن استعمالها لمعاقبة مناهضي الفساد أو المطالبين بحقوقهم أو المجرمين واللصوص من الطبقات المسحوقة.

3- وجود مؤسسات حكومية أكثر من اللازم بدون دور واضح إلى درجة تتداخل وتتشابه معها صلاحيات المؤسسات، وهدفها خلق مناصب للمحاسيب.

4- وجود نخبة فاسدة لتحقيق مصالحها الشخصية أولاً.

5- تفشي الفقر والتخلف لغياب العدالة الاجتماعية، وضعف التنمية أوغيابها.

6- نسيج اجتماعي منقسم.

7- استشراء الفساد بكافة أشكاله ونهب المال العام، والتهرب الضريبي والجمركي.

8- التبعية للخارج وفقدان الدولة سيطرتها على جزء كبير من قرارها الداخلي (دولة تعيش عالة على الخارج).

9- ارتباط مصالح النخب السياسية بالمؤسسات الدولية.

10- إنهيار البنية التعليمية المدرسية والجامعية.

11- الاستبداد السياسي.

12- الاعتماد على الخارج، وعدم الاعتماد على القدرات الذاتية.

13- الانحياز إلى الأغنياء، وإفقار الفقراء وتحميلهم فواتير الفساد والقرارات الخاطئة.

14- عدم إحترام حقوق الإنسان وكرامات الناس.

15- غياب الشفافية وعدم الفصل بين المصلحة العامة والمصلحة الخاصة، وخاصة بين المال العام والمال الخاص.

هذه المواصفات القياسية للدولة الرخوة تنطبق الى حد كبير على العديد من دول الشرق الأوسط وافريقيا. وفي سبيل ضمان استقرار هذه الدول الرخوة تلجأ السلطات السياسية فيها في ظل عجزها عن القيام بأدوارها التي وجدت من أجلها، وانتخبت من أجلها -بالرغم من أن أسلوب الانتخابات غير معترف به من طرف فئات واسعة من أفراد المجتمع، نظرا لما يطاله من تزوير- إلى استعراض عضلاتها القمعية واستخدامها خصوصاً أمام تزايد مطالب الشعب وغياب الاستجابة بشكل مطلق، لكون الفساد لم يترك للفئات الإجتماعية أي محاولة للعيش الكريم. وفي هذا السياق تستخدم القوة لفض الاحتجاجات الشعبية في كثير من الأحيان، وعلى نحو مبرمج بهدف يتجاوز إنهاء احتجاج أو فض تظاهرة، إذا المقصود من هذه الأساليب الردع النفسي الذي يقلص فرص الاحتجاج مستقبلياً، ويبرز استخدام مفهوم أمن الدولة كحجة للنيل من المطالبين بحقوقهم حيث يتم استخدامه بشكل مفرط إعلامياً.

في معادلة الدولة الرخوة يبدو جلياً أن المواطن هو الحلقة الأضعف فيها، وأن أخطاءها وخطاياها تصب على رأس المواطن القابض على الجمر. لذا فإن الدولة الرخوة ليست قدراً ومصيراً محتوماً، بل هي إضاءة لتغيير قادم يحفظ كرامة المواطن وإنسانيته وحقوقه ورفاهيته.