الصهيونية العربية: التغلغل والتمكين

مبعث الحوار الدائر عن الموقف مما يحدث في غزة طائفي عبر الربط بينه وبين الخلاف المذهبي لعزل المكون الشيعي ومعه إيران.

ما هي الظروف التي مكنت العدو الصهيوني من انزال هذه الاطنان من المتفجرات على اهالي غزة وبهذا التواصل دون توقف؟ بينما بقيت ردة فعل العالم العربي تتحرك في حدود انشودة "انا دمي فلسطيني" و"الشعب العربي وين.. الغضب العربي وين"؟

الاجابة باختصار، أنه تم خلال السنوات الماضية تهيئة الرأي العام العربي والاسلامي لتقبل مشروع تفريغ غزة من اهلها، وتركهم يواجهون مصيرهم بأنفسهم، وتم التحرك وفق ثلاث اتجاهات محددة لتحقيق هذا المطلب:

الاول: تغذية الساحة بالنزاعات المذهبية، عبر تحريك وسائل الاعلام بالحوارات الدينية الشائكة بين المسلمين، وزرع الخلافات العقائدية، وقد اشترك في انجاح هذا المشروع شخصيات دينية من كلا الطرفين، وقنوات رسمية واهلية مدعومة من الخارج، ومنابر اسلامية عريقة، اتفقت جميعها على تأجيج نار الفتنة ونشر الكراهية.

وكان القصد من ذلك تحقيق هدفين: احداث شرخ بين الدول العربية ذات الاغلبية السنية وايران ذات الاغلبية الشيعية، وعزل المكون الشيعي في العالم العربي عن نظرائه السنة، بحيث يتم تخفيف التعاطف حول القضايا المشتركة، وتشتيت العرب والمسلمين في خلافات وهمية، وتمكين اسرائيل من العبث بالمنطقة دون حسيب او رقيب.

ويمكن القول ان هذا المشروع فشل في جانب ونجح في اخر، ونلحظ ذلك الفشل من بقاء تفاعل الساحة الشيعية مع نظيرتها السنية في قضية غزة، والتنسيق بين فصائل المقاومة في الحرب الدائرة متجاوزة السواتر المذهبية، وما اعلنه قادة المقاومة الفلسطينية من وجود تنسيق مع محور المقاومة خير برهان.

اما النجاح فنلاحظه في استمرار التغذية المذهبية المقيتة، وتخاذل بعض الجهات عن ابداء مواقف واضحة تليق بحجم المواجهة العسكرية في غزة لاعتبارات مذهبية، ولا تزال العديد من القنوات العربية متورطة في تشتيت الجهود بحجة الدفاع عن الهوية الدينية والمذهبية.

اما الاتجاه الثاني فهو ربط اي فعل مقاوم بالإرهاب، وتحميل ايران مسؤولية اي اعمال تحرر تنطلق في العالم، وهذا الربط هدفه محاصرة اي مقاومة للمحتل الصهيوني، واتهامهم بالعمالة للخارج، والحق ان هذه المحاولات نجحت الى حد ما، ووجدت ارضية خصبة للتفاعل في العالم العربي.

وقد انساقت النخبة السياسية والدينية مع مشروع شيطنة ايران ولبنان، ومن مظاهر نجاح هذا المشروع فوبيا ايران التي انتشرت على نطاق واسع في الاعلام، وبين الاوساط السياسية والدينية العربية، والتشكيك في كل الجهود التي تقدمها لنصرة الحق الفلسطيني، او العمليات العسكرية المساندة التي تقوم بها المقاومة اللبنانية.

اما الاتجاه الثالث: الاختراق الثقافي وهو مشروع ممتد منذ سنوات يستهدف خلق فجوة بين الامة وعمقها الديني والتاريخي، وقد ابتدأ هذا المشروع من مؤتمر كوبنهاغن الذي شاركت فيه وفود من إسرائيل ومصر والأردن وفلسطين والاتحاد الأوروبي، وتلا هذا المؤتمر لقاءات على مستوى كبير من الاهمية والتأثير.   

واشهرها لقاء شيخ الأزهر السابق محمد سيد طنطاوي في 12 أكتوبر عام 1997، مع السفير الإسرائيلي في مصر تسيفي ميزئيل في مشيخة الأزهر، ثم التقى مع كبير حاخامات الطائفة الأشكنازية الإسرائيلية في 15 ديسمبر بالقاهرة من العام نفسه.

وكانت الاهداف المعلنة لهذا اللقاء هو الحوار بين الاديان السماوية الثلاثة، اما الاهداف الفعلية فكانت تستهدف تحقيق ثلاث مهام، الاولى: الغاء الفتوى الخاصة بإباحة العمليات الفدائية في فلسطين، والثانية: ادانة اعمال المقاومة ضد المحتل، والثالث: الترويج لسياسات الحكومة الإسرائيلية في المنطقة.

ومنذ ذلك الحين بدأ يتشكل تيار يحمل طابع الثقافة الصهيونية في الوسط العربي، وبدأ نشاطه المكشوف اثناء الانتفاضة الفلسطينية الثانية وحرب 2006 على لبنان، ومن سمات هذا الخطاب انه انهزامي، يحاول ان يقلل من قيمة الانتصارات الفلسطينية واللبنانية، ويثبت خطأ خيار المقاومة.

وتصاعدت نبرة هذا الخطاب خلال الحرب الأخيرة، ولم يعد خافيا اسماء الشخصيات الاعلامية والدينية والسياسية المتصهينة، ولم يعد لغزا اكتشافهم من لحن القول، حيث تنصب جهودهم في تبرير الحرب على غزة، وادانة حق الفلسطينيين بحماية أنفسهم من العنف الإسرائيلي الوحشي، والسعي لخلق الفتنة بين محاور المقاومة.