داعش في المكتبة العامة بالسويد

"إدارة التوحش" أشهر الكتب التي يمكن من خلالها معرفة استراتيجية التنظيم الإرهابي في إدارة المناطق المستولى عليها.

كشف راديو P4 السويدي أن كتاباً يحتوي على دعاية وترويج لأفكار داعش موجود ومتاح للاستعارة في المكتبة العامة بمدينة يوتبوري (غوتنبورغ) السويدية والتي تعتبر من المدن الكبيرة والرئيسية في السويد. بعد هذا الكشف أعلن المسؤول في المكتبة بأن الإدارة الثقافية تتفهم خطأها وأن الكتاب تم رفعه من رفوف الإعارة في المكتبة.

الكتاب بعنوان "إدارة التوحش" والذي يُسهب في الركائز الأيديولوجية التي قام عليها التنظيم ويشرح أفكاره ومبادءه المفرطة بالتطرف والتي لا تتناسب مع مقومات الدلولة الحديثة، ويمدح أفكار أبو الأعلى المودودي وسيد قطب ويعتمد أفكارهما المتطرفة والتكفيرية في بنائه الإرهابي. ويقدم ابو بكر ناجي (اسم مستعار) لمؤلف الكتاب قراءة متطرفة لحالات الفوضى والدمار ما جعل من هذا الكتاب من أشهر الكتب التي يمكن من خلالها معرفة استراتيجية التنظيم الإرهابي في إدارة المناطق المستولى عليها.

الكتاب قَرأتهُ من قبل وأقل ما يقال عنه أنه كتاب خطير جداً ورغم أنه متاح على شبكة الانترنت منذ سنوات وسط لامبالاة من غوغل لحظره ومنع الوصول اليه فإن أحداً ما تمكن من جعله يتسلل إلى المكتبة العامة في السويد. وبالطبع ليس صحيحاً ان وجوده في المكتبة في يوتبوري جاء محض صدفة أو ضمن إطار حرية التعبير، لأن عرض كتاب في مكتبة عامة في السويد وجعله متاحاً للإعارة على رفوفها مجاناً له آلية إدارية يمر بها، وهذا ما حصل معي شخصياً عندما قدمت كتبي لأكثر من مكتبة في السويد فتم عرضها على متخصصين لإقرار صلاحيتها الفكرية والمعرفية واستغرق قرار السماح باعتمادها الثلاثة أشهر. وهنا يحق لنا أن نتساءل كيف مَرَّ هذا الكتاب؟ وعلى أي لجنة تم عرضه ومن ثَم إقراره واعتماده؟  

مما لاشك فيه أن تعامل السويد مع المثقف العربي لا يزال قاصرا والرؤية شبه ضبابية، وأن الأبواب التي تُغلق في وجه الكثيرين من المتنورين هي ذاتها تُفتح على مصراعيها لمن يحملون أفكاراً متشددة. ولعل العودة لكتاب "الكذب الأبيض المقدس: قراءات فى نصوص الإخوان المسلمين وتطبيقها في الغرب السويد نموذجاً" للباحث سامح ايجيبسون الذي يقدم في كتابه اقتباسات هامة من كتابات أهم منظري جماعة الإخوان المسلمين لفهم أفكار وإستراتيجيات الحركة من المصادر الأولية وكيف يتم استخدام الكذب الأبيض للوصول إلى الأهداف الاستراتيجية. يقدم الكتاب أمثلة على تطبيق هذه الإستراتيجيات في الغرب مع دراسة موثقة في السويد حيث وصلت حركة الإخوان المسلمين فيها بنجاح إلى قوة إقتصادية وسياسية مؤثرة في المجتمع السويدي. وقد اعتمد مؤلف الكتاب على وثائق المؤسسات الحكومية السويدية وتصريحات مسؤولي الحركة وكتاباتهم.

بقي أن نقول أن كتاب "إدارة التوحش" تم الاستشهاد به وكان موضوعاً لثلاث اطروحات طلابية على الأقل في الجامعات السويدية منذ عام 2017 حيث تم اعتباره في الاطروحات نموذجاً لفكر وتاريخ السلفية الجهادية وخطتها للسيطرة على العالم، ومع ذلك يعلن البيان الصحفي لمكتبة يوتبوري بكل بساطة: "تمت مراجعة الكتاب وإزالته على الفور حيث رأت الإدارة أن المحتوى غير مناسب".

ما حدث مؤشر خطير على التغلغل السلفي والاخواني في السويد وربما وجود كتاب "إدارة التوحش" في مكتبة عامة سويدية ليس البداية، ولكنه بالتأكيد علقّ الجرس.