كيف يُبرر المؤمنون سلوكهم المُشين؟

ضرورة التمييز بين الدين الشكلي المتمثل بالمظاهر الاجتماعية، والدين الحقيقي كما يريده الله.

تخيل انك أثناء القيادة، تعرّضت لمضايقة رجل مسنّ، مال بسيارته عليّك وشتمك دون سبب، وازدادت دهشتك عندما اكتشفت أنه أحد أقربائك الملتزمين، والذي يقضي أيامه بالعبادة والتنقل بين المساجد.

من المؤكد انه سيُثير علامات الاستفهام عن التناقض الحاد بين سلوكه المشين على الطريق ومظهره المُلتزم في حياته اليومية. ليقفز السؤال الاهم: كيف يُمكن لشخص مُؤمن أن يُمارس سلوك مُشين؟

هذا السلوك غير الاخلاقي في نظري ونظر الاخرين يناقض الالتزام الديني، ولذا سنبحث عن مبرر تصرفاته، مثل الاضطرابات النفسية، او الامراض الذهانية.

 لكن للعلم، فان هذا الفعل لا يقارن مع جرائم بحجم التعدي بالظلم على الاخرين، أو أكل حقوق الناس بالباطل او التعسف باستخدام السلطة السياسية او الابوية.

ونحن ندرك أن الكثير من الذين تعلوا وجوههم سيماء الصالحين، ومرتادي المساجد والزيارات، يقعون في ارتكاب هذه الرذائل الاخلاقية دون شعور بالذنب، ويكملون حياتهم بشكل طبيعي جدا، وينزعجون اذا قلتا ذلك.

نواجه اليوم تكرارًا مقلقًا لتجليات الشرّ على المستويين الفردي والاجتماعي. تتخذ هذه التجليات أشكالًا متعددة، من ممارسات غير أخلاقية إلى جرائم تُقترف باسم الدين او تحت غطائه.

وتُثير هذه الظاهرة تساؤلاتٍ جوهريةً حول ماهية الشرّ وارتباطه بالدين، وكيف يمكن لبعض الأشخاص الذين يدعون التدين والالتزام أن يُقدموا على أفعالٍ تناقضُ مبادئ الدين وأخلاقه؟ ونعلم يقينا ان كل مظاهر التدين لم تمنع يوما المجرم من ايقاع الجريمة.

يحثنا ذلك الى ضرورة التمييز بين الدين الشكلي المتمثل بالمظاهر الاجتماعية، والدين الحقيقي كما يريده الله، فالمجتمعات التقليدية تميل إلى مظاهر التدين لكونه يحقق مكاسب اجتماعية، وفي نظم الشافعي:

"أحبُ الصالحين ولستُ منهم

‏لعلِّي أن أنال بهم شفاعة

‏وأكرهُ من تجارته المعاصي

‏ولو كنا سواء في البضاعة".

ويبدو واضحا ان الخلل يكمن في المعرفة، وفي فهم الدين وتطبيقِهِ. فبينما تُشرقُ آياتُهُ بِنورِ الهدايةِ، يُغرقُ بعضُ المتدينين أنفسهم في بحر النصوصِ، تاركينَ جوهرَ الدينِ يُضيعُ في غياهبِ التفسيراتِ.

لنأخذ على سبيل المثال جملة الآيات التي تتحدث عن العدل بوصفه جوهر الإيمان، كما أكد الله تعالى في قوله: "ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا". مع ذلك، يتعثر أغلب المؤمنين عند الاختبار، ويقعون في الظلم الفادح حتى مع أقرب الناس إليهم

وبينما تُصدح الآيات القرآنية بأهميةِ سرعة إرجاعِ الحقوقِ إلى أصحابِها، كما في قولهِ تعالى: "ويا قوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين". نرى العشراتِ يستلذون بأكل حقوقِ الآخرينَ بالباطلِ، مُتّخذينَ من التأويلاتِ الشرعيةِ الخاطئةِ ستارًا لِجرائِمِهم.

في رحابِ المعرفةِ، نُدركُ أنّ مراجعةَ النفسِ وتقييمَ السلوكِ هما بوابةُ الارتقاءِ من العبادةِ الشكليةِ إلى العبادةِ السلوكيةِ، ومن التدينِ الظاهريِ إلى التدينِ الأخلاقيِ، وهي المدخل الى كشف الذات، والتوقف عن تبرير الافعال المشينة.