'أثر على أثر' في المتحف الوطني الأردني للفنون الجميلة

معرض التشكيلي الأردني غسان يضم 25عملاً تتوزع في توجهاتها المعاصرة بين فنون النحت والإنشاء والتركيب.

برعاية العين د. مصطفى حمارنة نظم "المتحف الوطني الأردني للفنون الجميلة" معرضا فنيا بعنوان: "أثر على أثر" للفنان التشكيلي الأردني غسان  مفاضلة، ويستمر المعرض إلى 25/7.

ويضم المعرض 25 عملاً تتوزع في توجهاتها المعاصرة بين فنون النحت والإنشاء والتركيب.

أعمال المعرض، بتكويناتها وتركيباتها ومساحاتها الكبيرة نسبيّاً، توزعت في الصالة الشاسعة التي تحتل الطابق الثالث من المبنى الأول للمتحف الوطني، وهو ما يجعل من مكان العرض نفسه، حاضناً للحوار الذي تتركه الأعمال الفنيّة مفتوحاّ مع متلقيها، ومشرعاً في أرجاء الصالة المطلّة على حديقة المتحف في جبل اللويبدة.

تتنوّع أعمال المعرض لجهة الخامات والمواد وطرائق التعبير، بين أعمال نحتيّة وإنشائية/ تركيبيّة بثلاثة أبعاد، وأعمال جداريّة ببعدين، وجميعها تتقاطع في توجهاتها الإنشائية والإختزالية. وعلى الرغم من التقاطع الشكلي لأعمال المعرض مع سياقات التشكيل المعاصر، إلا أنها تذهب من حيث الإنشاء والتعبير، باتجاه اختبار إمكانات تحويل الأثر بجانبيه المادي والمعنوي، إلى مساحاتٍ مفتوحةً على المدركات الحسيّة والتخيليّة.

مدير عام المتحف الوطني د. خالد خريس يشير في تقديمه للمعرض، إلى أن مفاضلة يمنح مواده بعداً جمالياً بعد أن ينزعها من سياقها ووظيفتها الأصلية، ليضعها منفردةً أو مع مواد أخرى، مستنطقاً فيها البُعد الجمالي البصري والفلسفي، ويضع أعماله أمام قراءات وتأويلات متعددة ومفتوحة.

ويذهب خريس إلى أن أعمال المعرض تبرز  شغف مفاضلة إلى حد الولع بمواده في محيطه البيئي، والتي "يعيد تشكيلها ويضيف عليها ألواناً وملامساً. أو هو يأخذها، كما هي، ليضعها ضمن تصور ورؤية خاصتين به.

 ويبيّن خريس إن مفاضلة يأخذنا من عالم البعدين الى الثلاثة أبعاد: "ذلك أنه نحّات ورسّام ملوّن، وظف كل إمكانياته، وقدراته، وتقنياته، في إبداع أعمال تنتمي للمحيط، لكنها في النهاية تنتمي لنفسها، لتثير حزمةٍ من التساؤلات حول مدى إمكانيات الفن اللامحدودة في ابتكار طرائقه في الإنشاء والتعبير".

من جانبه، الفنان مفاضلة قال: بأنه لا يسعى في أعماله وتوجهاته إلى تقليد الأثر في محيطه البيئي، أو محاكاة ارتساماته وترسباته على هذا النحو أو ذاك، بقدر ما يسعى إلى بناء أثرٍ على أثر. فالفن بالنسبة له "ليس سوى ذلك الإنشاء الذي لا يكفّ عن تشييد بنيانه من تراكمات الأثرٍ وتعيّناته، لينتج أثراً آخر متفرداً في حضوره وتعبيراته". مبيّنا أنه بناءً على الكيفيّة التي يتم من خلالها معاينة "الأثر" والتعامل معه بوصفه مرجعاً للتعبير في الواقع، ونتيجةً له في الفن "أخذت أعمالي الإنشائية والنحتيّة بالتشكّل وفق ترسبات الأثر وخصائصه التي تحتضنها المادة الخام، وضمن النِّسق الذي تستدعيه المقتضيات الإنشائيّة والجماليّة".

ويضيف مفاضلة في السياق نفسه، أنه بدأت تتكشّف لديه مع النِّسق الإنشائي ذاته، مساحات مفتوحة وإمكانات غير متناهية يحفلُ بها وجود المادة "الغفل" في محيطها البيئي: "بحيث يمكن إعادة انتاجها ضمن مقاربات بصريّة تتّسم بالفرادة والخصوصيّة. مقاربات  تُدْرج الفوضى في سياق المعنى، لتصبح معها المادة، بعد أن كان وجودها مبهماً و"غَفْلاً" في بيئتها الأولى، عنصراً أساسياً وفعّالاً في حضوره الفني". لافتاً

 إلى أن المادة في سياقها الجديد الذي أُدرجت فيه عبر العمل الفني، تتحول إلى محفّزٍ للحوار مع المرئي، وهو "حوارٌ يتيح الكشف عن مناخات جديدة في التفكير والتعبير البصريين، بحسب خواص المادة، وقابليتها للانتظام والتشكّل مع غيرها من المواد والعناصر الأخرى في بِنية العمل الفني، وفي منظومته الجماليّة والإنشائّية".

فنانون تشكيليون حول المعرض قالوا:

  الفنان أسامة الرحيمي: غسان مفاضلة.. وترميم العالم، أرى الحيرة في أعمال الفنان غسان مفاضلة المختلفة والمتنوّعة. كأنه يحاول إعادة صياغة الأشياء من زوايا مختلفة يظنها أجمل ضمن احتمالاته الفنّيّة. ولعلّ أجمل ما في تلك الزوايا، هي هذه الاحتمالية، سواءً أكانت تلك الحالات أو الأفكار أو القطع، امرأة أم أجزاء من سريرٍ قديم، أم ظهر ثلاجة أو حتى قطع موكيت متجاورة، أو لوحة أنشأها من عدم، لكنه صنع فيها فتوقاً وحاول رتقها. كأن العالم بحاجة لإعادة صياغة طوال الوقت، أو يعوزه ترميمٌ متجدّد.

الفنان محمد العامري: لم يتخل مفاضلة عن رؤيته الفنيّة التي ابتعدت عن غنائية السوق وظروفه المعقدة، فظلّ في محترفه في جبل اللويبدة يطرح أسئلة كبيرة تتعلق بالزمان والمكان. استند على ممكنات التركيب وتبدلاته الثابتة والمتحركة، فالهواء له فاعليّة كبيرة في كثير من تركيباته، لكنه في تجربته الجديدة ظلّ يتحاور مع ايقاعات زمانيّة ومكانيّة بصورة مختلفة تماماُ عما هو مألوف وسائد  في التشكيل الأردني المعاصر.

الفنان د. خالد الحمزة: يغلب على أعمال مفاضلة في معرضه "أثر على أثر" الأشكال الهندسية المسطحة أو شبه المجسمة، أي تلك التي تمتاز بسماكة تبرزها عن سطح العمل. ويشيع من هذه الأشكال المربع والمستطيل والدائرة، وهذه تفضيلات خاصة بالفنان، وقد تفرضها بعض المواد أو الأشياء المستعملة. وتظهر بعض الأشكال العضوية قليلا في هذه المجموعات وذلك عند استعمال بعض القطع الخشبية في حالتيها الخام والمصنعة على السواء.

الفنان الدكتور إياد كنعان: في معرضه الحاليّ المعنون "أثر على أثر"، يؤكد غسان مفاضلة (الفنّان والباحث التشكيليّ) على مساره الفنيّ الذي إختطه لنفسه، وخلق له بصمة تشكيليّة على المستويين التشكيليّين الأردنيّ

والعربيّ، خاصّة لجهة تميّزه في تقديم تجربة فنيّة تشكيليّة جديّة، مشفوعة بمشروع بحثيّ وجماليّ (تشكيليّ وبصريّ) أكدّ فيه على مدى أكثر من ثلاثة عقود من العمل الجاد، إنتماءه لأطروحات تشكيليّة تندرج ضمن مفاهيم ومؤثرات فنون "ما بعد الحداثة" والتي حجزت لنفسها مكاناً في المشهد التشكيليّ العربيّ منذ سبعينيّات القرن العشرين، وصولاً إلى القرن الحادي والعشرين.

الفنان الدكتور مازن عصفور:  في تجربته المتراكمة في تكويناتها وتشكيلاتها التي تتحرك في مدارات المادة وتحوّلاتها الجماليّة والتعبيريّة، يقدم الفنان غسان مفاضلة في أعماله فلسفةً تجمع بين الأيقونة المفتوحة ذات البعدين وبين البعد الثالث بوصفه عملاً نحتياً.

في أعماله تبرز فكرة الصيرورة في التشكيل باعتبار أن الصيرورة كما هي معروفة جمالياً ونقدياً، أشبه ما تكون بالتتبعات الذهنيّة لتحولات المادة وتشكّلاتها التي تستدعي مشاركة المتلقي في بناء مفهومها التصوّري ذهنيّاً، حتى من دون الوصول إلى سرديّة مكشوفة.

الناقد رفيق عنيني: هنا ملعب مفاضلة الفني، هنا مكمن تميّزه وخصوصيته التي تُدرج الفوضى في سياق النظام والمعنى، وتجمع ىبين الهدوء والضجيج: من خلال شخصية إنسانية تمتاز بالهدوء والسماحة الى درجة اللطف الزائد والصوت الخفيض، إلى أعمال فنية تضج بالمعنى صاخبة عنيفة تحرك شيئا في الأعماق وفي ما وراء الشعور، تستفز الأحاسيس وتحرّض على مئات الأسئلة؛ أسئلة المعنى والحقيقة والحياة والموت والجنس والحب، أسئلة تؤرق الواقع أحيانا ً، وأخرى تفسره "ليس العمل الفني تفسير للواقع ولكن يقودك نحو الرغبة بالتفسير، وهي رغبة مستعصية".

الفنان الدكتور عبدالله عبيدات:  تندرج في تجربة مفاضلة مديات الإحالة لخامات عديدة اشبعها بأنواع متنوعة من التوظيفات؛ فجاء التعبير الفني حضارياً منضبطا ً يجمع بين الأشياء ودوالها المفتوحة، والتي رسخت فيما بينها المعاني المستترة في جلّ أعماله، وجعلت من  سياقها الفني نصّاً زاخراً بالعوالم المتزامنة مع وجودنا؛ وذلك لجهة مفارقات المادة وخصائصها التي تلامس مشاعرنا المبعثرة. إنها معادلة تستتر في أعماقها تفاصيل الإحالة للمعدن والخشب والحجر والحبال وعوالم البحار الخفيّة.