أحزاب العراق وارثة المحتل في انحطاطه

هناك حفلة تنكرية قرر المشاركون فيها إزالة الأقنعة عن وجوههم.

عام 2017 أظهر الأكراد رغبتهم في الاستقلال عن العراق واعلان دولتهم المستقلة في استفتاء عام دعا إليه زعيمهم مسعود البرزاني. ذلك الاستفتاء لم يفشل غير أن نتائجه لم تتحقق على الأرض.

يومها أصيب البرزاني بالخيبة وقرر الاختفاء مؤقتا عن الانظار.

في تشرين الأول/اكتوبر عام 2019 خرج الشباب العراقي في بغداد والمحافظات الجنوبية ذات الأغلبية الشيعية مطالبين برحيل النظام وانهاء العملية السياسية القائمة على المحاصصة الطائفية.

الجهة التي أجهزت على الاستفتاء الكردي هي نفسها التي تصدت للمحتجين الشيعة بالرصاص الحي وقنابل الغاز وبنادق الصيد مرورا بالأسلحة البيضاء التي انحصر استعمالها بين أتباع مقتدى الصدر.

الغريب أن الموقف الكردي الرسمي كان ضد الاحتجاجات السلمية التي سعت إلى قمعها الأحزاب نفسها التي قمعت الأكراد يوم أقدموا على إجراء استفتائهم.

وإذا ما رغبنا في التوسع في الملهاة السياسية العراقية فإن ممثلي السنة في العملية السياسية كانوا هم الآخرين منزعجين من الاحتجاجات، خشية أن تؤدي فعلا إلى إسقاط النظام الطائفي الذي كان سببا في تدمير مدن ذات غالبية سنية كالموصل والفلوجة والرمادي.

كانت هناك حفلة تنكرية قرر المشاركون فيها إزالة الأقنعة عن وجوههم.

تلك هي حقيقة ما يجري في العراق. 

فالأحزاب كلها، السنية والشيعية والكردية متضامنة في ما بينها إذا ما تعلق الأمر بتهديد مصالحها وهي تجتمع في اللحظة التي يشكل فيها الشعب العراقي خطرا عليها وعلى مصالحها. وهو ما يعني أنها تكذب حين تدعي أنها تمثل أحدا من العراقيين. فهي لا تمثل إلا مصالحها.

الأحزاب العراقية، وهي في معظمها دينية باستثناء الحزبين الكرديين اللذين يقومان على أساس عشائري، لا ترى من العراق إلا خزانة ماله. وهي من أجل الابقاء على تلك الخزانة تحت سيطرتها تسخر كل شيء ليظل الوضع تحت السيطرة بما يؤمن استمرار تدفق الأموال إلى حساباتها. 

فالأحزاب الكردية على سبيل المثال توظف أحلام وطموحات الشعب الكردي القومية في استثماراتها داخل وخارج كردستان. تلك استثمارات لم يكن عائدها على الشعب الكردي ليُرى بسبب تداخل مصالح الطبقة الحاكمة بمصالح شركات أجنبية يسرت لتلك الطبقة القيام بعمليات فسادها. 

اما الأحزاب الدينية، سنية كانت أم شيعية فإن ضبطت إيقاع حركة أتباعها على ما يمكن أن تدره مشاركتها في الحكم من أرباح. فهي من أهل الحكم إن كانت مصالحها مصانة وتنتقل إلى المعارضة في حال تعرضت تلك المصالح لأي ثلم مهما كان صغيرا. 

لقد وضعت تلك الأحزاب الطائفة قبل الدين وصنعت منها هدفا وهميا تستطيع من خلاله أن تشعل حربا أهلية متى تريد. ذلك مرتبط طبعا بمناقصات سرية وتسويات يجري اعدادها في الخفاء. اما العوام فإنهم مشغولون بمَن قتل مَن ومَن سبى مَن ومَن ظلم مَن ومَن له الحق في ولاية المسلمين بعد وفاة النبي محمد قبل اربعة عشر قرنا.

من المؤكد أن تلك الأحزاب كانت تعرف أصول اللعبة وقواعد الاشتباك. 

لذلك كان البعض يُصدم حين يرى الزعيم السني الذي ينادي برفع الظلم عن طائفته مجتمعا على العشاء مع الزعيم الشيعي الذي يعلن باستمرار أن أتباع المذهب السني هم أحفاد يزيد بن معاوية وهم قتلة الحسين.

أما الأحزاب الكردية فإن وجودهم فيه شيء من الغرابة. فكردستان التي يحكمونها لا تخضع للقوانين العراقية ومع ذلك فمنهم يتم اختيار رئيس الجمهورية العراقية وفي مجلس النواب العراقي لهم عشرات الممثلين ولهم حصة في الوزارات السيادية. ما هذه القسمة الغريبة؟

لا يعترف الأكراد بحق الشعب العراقي بواردات النفط المصدر من كردستان غير أنهم يستلمون حصتهم من واردات النفط العراقي. 

يمكن القول أمام تلك الوقائع وسواها إن الأحزاب الي استولت على السلطة بعد الغزو الأميركي للعراق إنما تعمل على الإبقاء على العراق خاضعا لاستلابه من قبل قوة وهمية كما لو أنه لا يزال محتلا.

في حقيقة الأمر فإن الأحزاب تتصرف بطريقة تعلن من خلالها اذعانها الدائم لمشروع الاحتلال باعتبارها وارثة انحطاطه.