أحلام شباب فلسطين ترفرف في 'علم' داخل أسوار الهوية وروح المقاومة
الرباط - يتناول سيناريو فيلم "علم" للمخرج فراس خوري قضية حساسة وهامة، وهي تجربة الشباب الفلسطينيين الذين يعيشون في إسرائيل ويسعون لاكتشاف هويتهم الثقافية والوطنية. يعكس الفيلم كيف يجد هؤلاء الشبان أنفسهم في مواجهة تحديات كبيرة وتوترات معقدة، وكيف يسعون للتوازن بين العوامل السياسية والثقافية في حياتهم.
لقطات "علم" تشهد على تنوع كبير في آراء وأوجه نظر الشخصيات الرئيسية، مما يشجع المشاهدين على التفكير في وجهات نظر متعددة والتعاطف معها. يتعامل الشبان مع توترات بين الهوية الفلسطينية والإسرائيلية، مما يجعلهم يتساءلون عن هويتهم وتعلقاتهم مع الوطن والواجب السياسي.
العقدة الدرامية للعمل تبرز فيها الأحداث السياسية الواقعية تأثيرها في الشخصيات الرئيسية وتطورهم الشخصي، حيث يجدون أنفسهم في موقف صعب يتطلب منهم التفكير بعمق في هذه القضية. يُسلط الضوء أيضًا على الصراعات الشخصية التي تنشأ نتيجة هذا التوتر وكيف يؤثر ذلك على تصميم مسارات حياتهم.
في معظم المشاهد تتداخل الأحداث السياسية مع الحبكة الروائية للفيلم، مما يعزز من التأثير الشخصي والعاطفي للقصة. يظهر الفيلم كيف يتعين على الشبان التعامل مع هذا الواقع السياسي المعقد وكيف يؤثر ذلك على حياتهم اليومية ومستقبلهم.
إطار مشاهد الصورة السينمائية الذي يعتمد في أغلبه لقطات بين القريبة والبعيدة تُظهر العلاقات الإنسانية والتصميم والقوة، حيث تتأثر بالتوتر السياسي والتحديات المحيطة. يجد الشبان طرقًا للتعامل مع هذه العلاقات وتطور الشخصيات على مر الزمن، مما تمثل متتالية المشاهد رحلة الشباب نحو النضج والتوازن بين مختلف جوانب حياتهم. يستخدم الفيلم أيضًا تصوير لقطات من بين الأعلى والأسفل تبرز العناصر الرمزية مثل جدار الجرافيتي وعلم فلسطين للتعبير عن مشاعر وأفكار الشخصيات والمواضيع التي يتناولها، مما يضيف عمقًا إلى رسالة الفيلم ويجعله أكثر إلهامًا وتأملًا.
في حديثنا عن الحبكة الدرامية، تُعتبر تربية الأطفال في القرية مثالًا على التفاني الجماعي، حيث يتحد الجميع للمساهمة في نموهم وتطورهم. يتجلى هذا التفاني في المشهد اليومي حيث يقدم أفراد المجتمع القروي العديد من الجهود لضمان رعاية وتعليم الأطفال وتوجيههم نحو مستقبل أفضل. يتشارك الأهل والأجداد والمعلمون في هذا الجهد المشترك مما يمنح الأطفال الفرصة لتطوير مهاراتهم وشخصياتهم على نحو صحي ومستدام.
تكمن جمالية السينما العالمية في تعاون متعدد الجوانب بين دول متعددة لإخراج أعمال سينمائية استثنائية. يتضح هذا التعاون في الأفلام التي تجمع بين مخرجين وفنانين من مختلف الجنسيات والثقافات لإنتاج أعمال تجمع بين الأفكار والمواضيع العالمية والمحلية.
في هذا السياق، يمكن استعراض بعض الأفلام الدولية الرائعة التي أُنتجت مؤخرًا كأمثلة على هذا التعاون. على سبيل المثال، فيلم "علم" للمخرج فراس خوري يعد واحدًا من هذه الأمثلة. اذ إنتاج هذا العمل السينمائي الرائع بجهود مشتركة من عدة دول، بما في ذلك فرنسا، تونس، فلسطين، قطر، والمملكة العربية السعودية.
وعرض فيلم "علم" لأول مرة في قسم "السينما العالمية المعاصرة" في مهرجان تورونتو السينمائي الدولي، حيث نال جائزة أفضل فيلم هناك. كما نال استحسان الجمهور وحاز جائزة الجمهور في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، وأصبح من بين الأفلام المحبوبة لدى الجماهير في مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي في جدة، حيث أثرى التجربة السينمائية وأثرى أوقات الحضور بتصفيق حار.
هذه الأعمال توضح كيف يمكن للسينما أن تكون وسيلة للتعبير عن التعاون الثقافي والفني بين مختلف الدول، مما يخلق أعمالًا سينمائية مميزة وملهمة تتجاوز الحدود الوطنية وتجمع الثقافات.
ويتعامل "علم" مع موضوع نضوج الشباب وبحثهم عن هدف واضح في حياتهم، وكيف يكتشفون أنفسهم من خلال تجربة الحب. هذا الموضوع الزمني القديم يتصل بالشباب في جميع أنحاء العالم ويظل قائمًا في أي زمان.
والأداء الممتاز للبطل تامر (محمود بكري) وميساء (سيرين خس)، الذي جمع بين الخفة والعمق على نحو استثنائي، يضيف لجاذبية الفيلم.
إضافة إلى ذلك، يعزز محمود بكري الممثل الشاب ومعه مجموعة من الممثلين الموهوبين بما في ذلك صالح بكري، محمد كراكي أحمد زغموري، ومعز التومي. وتعكس أداءات الممثلين الموهوبين الشغف والإثارة في مواجهة التحديات واستكشاف الغموض الذي يحيط بحياة تامر وأصدقائه.
وصول ميساء الجميلة، التي تؤدي دورها سيرين خس، إلى المدرسة يثير الكثير من الضجة وليس ذلك فقط فيما يتعلق بمشاعر الحب والجاذبية. فالجاذبية المتزايدة لميساء ورغبة الشبان في الوجود بجوارها تدفع تامر إلى مغامرة غير متوقعة، وهي السياسة.
في هذا المشهد، يتم استعراض دور ميساء كشخصية جميلة وجذابة في المدرسة، وكيف أن وجودها يؤثر في الشبان الذين يتنافسون على انتباهها. إلا أن القصة تأخذ منعطفًا غير متوقع عندما يقرر تامر، أحد الشبان، الانخراط في السياسة بهدف الفوز بقلب ميساء.
تثير ميساء تساؤلات حول التاريخ الذي تم تعليمهم إلى حد الآن والتاريخ الذي تم حذفه من ذاكرتهم. يمكن رؤية هذا كرمز لتفكير الشبان في الهوية والانتماء الوطني، حيث يبدأون في تساؤلات حول ماضيهم وتاريخ بلادهم.
بوجود ميساء، يتصاعد التوتر الأساسي في طريقهم نحو احتفال إسرائيل بيوم الاستقلال الذي يعتبره الفلسطينيون يومًا للطرد والنزوح ويسمونه "النكبة". هذا يعكس التوترات السياسية والثقافية المعقدة التي تحيط بالموضوع وكيف يؤثر ذلك على الشباب.
تأخذ "علم" أهمية جديدة تمامًا بينما يخططون للقيام بفعل رمزي للمقاومة، هذا يظهر كيف يمكن استخدام العلم والتعليم كأدوات للتغيير الاجتماعي والسياسي.
الإخراج السينمائي الذي قدمه فراس خوري يتعامل بمهارة مع هذه المواضيع ويقدم رؤية مشوقة ومسلية لكيفية تأثير الشباب بوعي على الأحداث السياسية والاجتماعية وكيف يمكن للأفراد الشبان أن يكتشفوا هويتهم ويتصالحوا مع التحديات والتوترات التي تحيط بمجتمعهم وتاريخهم.