أحمد سويلم: مستقبل الشعر العربي بين أيدي الشعراء أنفسهم

الشاعر المصري لا يعتقد أن البساط انسحب من تحت أقدام الشعر فالأمر في رأيه يحتاج إلى العمل على تقريب الفن إلى الجمهور، وفي أي وقت يشعر الجمهور أن هناك عملا جيدا يقدم بأية وسيلة إعلامية فهو يقبل عليه.

الشاعر أحمد سويلم واحد من شعرائنا الجادين المخلصين لفن الشعر، رحلته الشعرية عمرها عشرات الدواوين للكبار والأطفال سواء القصيدة المفردة أو المسرح الشعري، بالإضافة إلى عدد من الدراسات الأدبية والنقدية مثل: "شعرنا القديم رؤية عصرية" 1980، و"المرأة في شعر البياتي" 1984، وغيرها.

وقد ارتاد أحمد سويلم عالم الكتابة للأطفال، فقدم قصصا من ألف ليلة وليلة 1981، وحكايات وأغاني كامل كيلاني 1982، ثم "أطفالنا في عيون الشعراء" الذي يعد من أجمل وأهم الدراسات التي كتبت في هذا الموضوع.

ولا ننسى ونحن نقدم الشاعر أحمد سويلم أنه مثَّل مصر وشعراءها في العديد من المؤتمرات والملتقيات الشعرية مثل مؤتمر الكتاب الدولي السادس عشر (بلغراد 1979)، ومهرجان الشعر الدولي الحادي عشر (روتردام – هولندا 1980) ومؤتمر استروجا الشعري يوغوسلافيا (1985) وغيرها الكثير والكثير.

سألنا أحمد سويلم: لماذا أدب الأطفال في عالم أحمد سويلم الشعري؟ يبتسم ويقول: لاحظت أنني أستطيع أن أحقق شيئا ما في هذا المجال، وأن أضيف شيئا ما إلى ثقافة الطفل عن طريق المسرح الشعري، وعن طريق تبسيط بعض الحكايات العربية القديمة للطفل باللغة الفصحى، وازداد الإلحاح في داخلي إلى أن أصدرت خمس حكايات من ألف ليلة وليلة عام 1980 ثم اتجهت إلى المسرح الشعري للأطفال محاولا أن أفتح أفقا آخر من آفاق استخدام الشعر، وأن أقرب الطفل إلى تراثه وفنه ولغته الفصحى المبسطة فكتبت مسرحية "حكايات وأغاني كامل كيلاني" 1982 وشاهدها أكثر من مائة ألف طفل مصري وعربي وأجنبي حيث عرضت في مهرجان بافاريا. ثم توالت الأعمال بعد ذلك، فكان الصندوق السابع، ثم عشر مسرحيات شعرية قدمها التلفزيون المصري في أعياد الطفولة، ثم صدرت في كتب مستقلة للأطفال بعد ذلك.

وعن مدى رضاء أحمد سويلم عن مسيرته الشعرية والأدبية يوضح أنه في مرحلة ما كان راضيا جزئيا عن عمل معين، لكنه قال: بصفة عامة لا يمكنني أن أقتنع بما كتبت، ودائما أشعر أن داخلي لا يزال يحمل الكثير الذي أود أن أعبر عنه، وليس الأمر، يا صديقي، بعدد الدواوين أو عدد المسرحيات، ولكني اعتقد أن أفضل ما كتبت لم أكتبه بعد.

وللأسف نحن لدينا كتّاب فرغوا تماما من أي إضافة وأي عطاء، لكنهم يصرون على الوجود الأدبي ولو بنصف وجود، وهذا في رأيي ضد إبداعهم ولو أنهم كانوا توقفوا حينما شعروا بهذا الفراغ لكان أفضل لأنفسهم ولأدبهم وللقارئ أيضا. وأعتقد أن صاحب القلم إذا كان لديه ما يريد أن يقوله فإنه من العبث أن يتوقف عن الإبداع.

ويرى الشاعر أحمد سويلم أن المسرح الشعري يمثل واحدا من الآفاق التي رادها الشاعر المعاصر لاستيعاب العصر بكل تناقضاته ومعطياته، من هنا جاءت ضرورته لكن ليس معنى ذلك أنه هو الوعاء الوحيد، أو أنه الرافد الوحيد الذي نبقي عليه دون غيره، فالمتلقي اليوم ليس واحدا، وليس له شعور مطلق يمكن حسابه عليه، لهذا فنحن لدينا شرائح متنوعة من المتلقين، منهم من يفضل القصيدة التقليدية، ومنهم من يفضل القصيدة الحديثة، ومنهم من يفضل الدراما الشعرية، ومنهم من يفضل الشعر الغنائي، تماما كما تعايشت المدارس الفنية في أوروبا من قبل دون أن تقضي أحدها على الأخرى، تعايشت لكي تشبع جميع أذواق المتلقين، وهذه رسالة الكاتب أن يصل إلى متلقيه من أقرب الطرق والوسائل.

لا يعتقد أحمد سويلم أن البساط انسحب من تحت أقدام الشعر، ولا يعتقد أن هذه صورة حقيقية للواقع العربي، فالأمر يحتاج إلى العمل على تقريب الفن إلى الجمهور، وفي أي وقت يشعر الجمهور أن هناك عملا جيدا يقدم بأية وسيلة إعلامية فهو يقبل عليه إقبالا خاصة بعكس ما هو مفترض أو متوهَّم لدى كثير من الراصدين، والدلالة على ذلك ما تفعله المهرجانات والمؤتمرات على مستوى الوطن العربي، وكيف يقبل عليها المتلقون باستمتاع وحرارة وقدرة على التذوق والحوار، والعيب هنا ليس عيب الشعر، ولا عيب المتلقي، ولكن أُرجع السبب في توهم قطع هذه الصلة إلى وسائل الإعلام المختلفة، لهذا فمستقبل الشعر العربي يرتبط بالشعراء أنفسهم، ومحاولاتهم كسر الحاجز الإعلامي الذي يحجب عنهم المتلقين والحاجز النقدي الصامت الذي يحول دون الوصول إلى المتلقي.

وبالنسبة له ولأعماله الشعرية يرى أنه في حدود إمكانيات النقاد من ناحية، وفي إطار ما قدمه إليهم من ناحية أخرى، يعتقد أنهم قدموا شيئا مفيدا في هذا المجال.

وعن المقولة التي رددها الناقد الراحل الدكتور عبدالقادر القط للخروج من أزمة النقد "على هذا الجيل من المبدعين أن يفرز نقاده" يوضح أحمد سويلم أن الدكتور القط كان محقًّا، وقد عاش مرحلة من الإبداع أفرزت نقادها، لكن الأمر في رأي سويلم قد يختلف كثيرا بالنسبة للأجيال الحاضرة لعدم وجود مناخ ثقافي ينتج هذا الفرز، ويرى أن الإبداع مهما شابته عوامل القصور أو التردد فهو معجزة عصرية حقيقية تتمثل في صمود المبدع أمام كثير من الأبواب الموصدة في وجهه وكثير من العوائق التي تحول دون هذا الإبداع، لهذا فمبدع اليوم أمامه تحديات خطيرة، ونحمد الله أن هذه التحديات نفسها هي التي تسم الإبداع بالجدية والواقعية الحقيقية سواء أفرز هذا الجيل ناقدا أم لم يفرز.

وعن المشاركة في المهرجانات العالمية أو الدولية يرى سويلم عن تجربة أنها فرصة واقعية ومواجهة حادة بين ما نكتبه نحن، وما يكتبه العالم، فمن يحضر هذه المهرجانات يمكنه أن يتعرف على موقعه وموقع أدبه من آداب العالم، وللأسف الشديد – يواصل سويلم – لقد آمنت أن لا كرامة لأديب في وطنه، فهناك أكثر من موقف جعلني أحلق في سماء الاعتزاز بما نكتب في هذه المهرجانات، لكنني كنت أُصاب دائما بإحباط شديد حينما أوازن بين هذا الموقف وبعض المواقف المحلية التي لا تعنى ولا تلتفت لما نقدمه من إبداعات.

ويلفت سويلم إلى أن هذه المهرجانات تؤكد بلا زهو ولا فخار أن ما نكتبه اليوم وقد استوعبنا فيه كثيرا من معطيات الثقافة العربية والعالمية، قد أصبح على المستوى العالمي إن لم يكن يضيف شيئا إليها. ويكفي أن أقول إن كتابا صدر في يوغسلافيا (قبل تفكيكها) لعشرين شاعرا عربيا من مصر قد نفد خلال شهرين فقط، وكانوا يفكرون في إعادة طبعه، وناقشوني فيه كثيرا عن وعي بما قدمه هذا الكتاب. وقس على هذا كل المهرجانات العالمية والدولية التي يُقابل فيها الشاعر المصري بتقدير خاص وبحرص على التعامل معه ومع شعره وإبداعه من خلال الترجمات التي تترجم، وأعتقد أن التوسع في تمثيل مصر في هذه المهرجانات يضيف الكثير إلى معطيات الإبداع المصري بصفة خاصة.

وعن قضية توزيع الكتاب الشعري وهل يتراجع الآن أمام المصنفات الأدبية الأخرى، يوضح سويلم أن توزيع أي كتاب يتوقف على اختبار الزمان والمكان المناسبين لطرح الكتاب، هذه هي القاعدة الذهبية في سياسة تسويق الكتب. وهو يعتقد أن الشعر مثل المصنفات الأدبية الأخرى قد يعاني من قلة الدعاية والتوزيع، وقد يفاجأ القارئ بصدور ديوان شعر أو قصة دون أن يعلم بها من قبل.

ويؤكد سويلم أن الستينيات قدمت مثلا لاهتمام إعلامي جاد لكل ما يصدر من الأعمال الأدبية لهذا فلا يمكن أن نصدر حكما مطلقا على الشعر فقط، لكنه يدخل في إطار المصنفات الأدبية كلها التي يقبل الإعلام بالنسبة إليها مما يؤثر على تسويقها التسويق المطلوب، ولقد كان هناك مبدأ تسويقي مهم في الستينيات يقول: "الكتاب يذهب إلى القارئ حيث يكون". هذا المبدأ في تصوري لم يعد كما كان، بل على القارئ أن يشق زحام الحياة إلى الكتاب، وفي هذا معاناة إضافية له.