أحمد عبد الملك يؤرخ لمراحل تطور الأغنية القطرية بـ 'اتجاهات مختارة'

الكتاب يشرح نصوص الأغاني المختارة واتجاهاتها بقصد حفظ تلك الاتجاهات للدارسين وتبيان قضايا ومواضيع تناولتها الأغنية.

يهدف هذا الكتاب "الأغنية القطرية اتجاهات مختارة" الذي أعده الباحث د.أحمد عبد الملك إلى توثيق اتجاهات مختارة للأغنية القطرية، وذلك عبر شرح نصوص الأغاني المختارة، واتجاهاتها بقصد حفظ تلك الاتجاهات للدارسين، وتبيان القضايا والمواضيع التي تناولتها الأغنية القطرية. وبهذا لن يكون تأريخا أو تحليلا للأغنية القطرية، ولا توثيقا للأشخاص الذين تعاملوا مع الأغنية القطرية؛ بقدر ما سيكون توثيقا للاتجاهات العامة للأغنية القطرية، والآراء الجدلية التي رآها معد الكتاب أنها بحاجة إلى حفظ وتوثيق، إضافة إلى بعض التفاسير للكلمات التي اكتنَفها الغموض، فيما يتعلق بالآراء السائدة، أو الطارئة التي جاورت الأغنية القطرية. وبهذه الصيغة العامة للكتاب؛ فإنه يصلح ليكون مادة للتدريس في كليات الآداب.

اعتمد معد الكتاب على تفريغ الأغاني المختارة من مصادرها المسجلة، وعلى لقاءات مع المتعاملين مع الأغنية، من فنانين ومسؤولين عن أجهزة الإعلام، بقصد تبيان بعض المواقف، ومناقشة الاتجاهات التي وردت في هذا الكتاب. وبذلك يكون التنصيص عند ذكر المصدر، نتاج تلك المقابلات التي أجراها معد الكتاب خلال النصف الأول من العام 2020.

ولاحظ عبد الملك أن بداية تشكل الأغنية القطرية كان على يد المطرب الراحل إسماعيل محمد كاظم الأنصاري، المولود في قطر عام 1908، والمشهور باسم "إسماعيل القطري"، ثم جاء بعده الفنان الراحل إسماعيل فرج العبيدان، المولود في قطر عام 1919، ومارس الفناء في "دار مجلي"، كما ذكر لي الناقد د. حسن رشيد في شهادته الواردة هنا في الكتاب. كما ذكر الفنان الراحل عبدالعزيز ناصر، في كتابه "إلى الحالمين معي بعالم أفضل أهدي هذه السيرة"، أن إسماعيل فرج العبيدان وإسماعيل الكاظم "القطري"، من رواد الغناء الشعبي في الخليج، وذ َكر أن الفنانين الكبيرين الراحلين: سالم فرج وإدريس خيري يعتبران إسماعيل العبيدان أستاذا لهما، وكان "نهاما" يؤدي فن النهمة جيدا، وذا صوت جميل. كما أنه كان عازفا ماهرا على العود، ولكن لم توجد له أية تسجيلات. وقد ذكر الباحث في التراث الشعبي محمد ناصر الصايغ في بحث لم ينشر بعنوان "الفنون الشعبية الرجالية في قطر" أن الفنان إسماعيل بن فرج عبيدان كان يعمل لدى السيد أحمد عبيدان في "دخان" وبعد اندلاع الحرب العالمية الثانية، وتوقف الشركة عن العمل، سافر إلى الكويت، وعمل في مجال البناء. وعندما عاد إلى الدوحة عمل مؤذنا في مسجد. وكان "عبيدان" قد تعلم "النهمة" مع ماجد بن عبد الله، ودخل الغوص وكان يتقاضى ثلاثة أجور بوصفه "بحارا ونهاما ومطربا".

ثم أتى عبدالملك إلى المرحلة الثانية وهي مرحلة الرعيل الأول، الذي ظهر في الخمسينيات من القرن الماضي، والذي تم تسجيل أغانيه في الإذاعة 1968 أو على أسطوانات، ومنهم: سالم فرج، عبدالكريم فرج، إبراهيم فرج، إدريس خيري، وغيرهم، وقد قامت إذاعة قطر بتسجيل أعمالهم، وقد تم توثيق بعضها في هذا الكتاب، وظهرت في هذه المرحلة: مرزوق سعد، ومرزوق العبدالله وإبراهيم علي.. وغيرهم. ثم جاءت المرحلة الثالثة، وهي التي ظهرت فيها الأغنية الحديثة، المعتمدة على الآلات الحديثة، والكلمة الجديدة، اعتبارا من العام 1967 تقريبا، وتناولت قضايا متعددة للحياة، وقاد هذه المرحلة الفنانون: عبدالعزيز ناصر، حامد النعمة، وحسن علي، وإبراهيم علي، وخليفة جمعان، سالم التركي كملحنين، وظهر العديد من المطربين في هذه المرحلة الفانون منهم: فرج عبد الكريم، محمد الساعي، محمد رشيد، محمد جولو، علي عبد الستار، جمال محمد، صقر صالح، عبد الرزاق ضاحي، وغيرهم ممن توقفوا عن الغناء.

وأضاف عبدالملك "كانت مرحلة التسعينيات انطلاقة جديدة للأغنية القطرية، وظهرت أسماء بارزة ومبدعة في المجال الموسيقي وصناعة الأغنية، حيث تطورت مفردة الأغنية، وكذلك إيقاعاتها. ونستطيع اعتبارها المرحلة الرابعة من مراحل تطور الأغنية القطرية؛ وظهر فيها الملحنان القديران مطر علي ومحمد المرزوقي، وفي هذا الصدد يقول الفنان محمد المرزوقي "فترة التسعينيات شكلت منعطفا جديدا للأغنية القطرية، ولقد عملت مع مع الملحن مطر علي والشاعر فالح العجلان في تقديم فترة خصبة من فترات الأغنية القطرية بالذات الوطنية منها، وكانت الأغنية تساير التحولات المهمة في السياسات الداخلية والدولية، فقامت الأغنية القطرية بتجسيد تلك التحولات، عبر جمل لحنية تحمل روح الحماس والشموخ، مثل عانقي هام السحايب والرعود، وياهل العليا، وأوبريت "خضر السنابل"، وأوبريت "وطن وقائد"، كما تم استنباط إيقاعات جديدة غير مطروقة في الأغنية القطرية، كما تجسد ذلك في أوبريت "قطر المجد" وأوبريت "بر وبحر" وأوبريت "وطن وقائد"".

ولفت إلى أن المرحلة الخامسة هي مرحلة الفنانين الشباب والذين اختلفوا عن سابقيهم في اختيار الكلمة واللحن، كما هو واضح في أحاديث الفنانين وشهاداتهم في هذا الكتاب، ومثّل هذه المرحلة من المطربين: ناصر صالح، فهد الكبيسي، عيسى الكبيسي، منصور المهندي، سعد حمد، سعد الفهد، نايف البشري، فهد الحجاجي، أحمد عبد الرحيم، أحمد عبد الله، غانم شاهين، سعود جاسم، بدر الريس، عايل، ناصر الكبيسي، ناصر سهيم، خالد التركي، خالد الدلوان، علي الراشد.. وغيرهم. كما قاد جانب التلحين في هذه المرحلة الفنانون: مطر علي، محمد المرزوقي، عبد الله المناعي، حسن حامد، الفيصل.. وغيرهم. كما ظهر جيل جديد من العنصر النسائي الذي أجاد في أجاد أداء الأغنية، مثل: سعاد لحدان، أنوار، عايشة الزياني، وغيرهن.

ويصف الفنان محمد المرزوقي في شهادته هذه المرحلة كالتالي "فنانو قطر لم يألو جهدا في تبني قضايا الوطن، شعرا ولحنا وصوتا، يقود الركب الملحن المتميز عبدالله المناعي، بما يقدمه من تجارب فنية، حققت نجاحات جيدة، وهو جهد يشكر عليه، ولقد استند إلى قصائد لكبار الشعراء القطريين، كما يجب ألا ننسى الجهود التي قام بها بها المبدعون: خليل الشبرمي، حسن حامد، فهد المرسل، وكذلك المطربون: فهد الكبيسي، عيسى الكبيسي، فهد الحجاجي، غانم شاهين، سعود جاسم، منصور المهندي، سعد الفهد، عايل، وناصر الكبيسي". وفي هذه المرحلة احتدم النقاش بين الفنانين حول قضية هوية الأغنية القطرية. حيث اختلفت تراكيب الكلمات تماما كما اختلف إيقاع الألحان، والتي كما وصفها ممن أدلوا بشهاداتهم في هذا الكتاب، بأنها رافدة وبعيدة عن الأذن القطرية، ومنها (الخبيتي)، الذي شاع في الأونة الأخيرة في الأغاني القطرية. وكانت وجهة نظر الفريق الذي يؤيد هذا الاتجاه الجديد أن المفردة الرومانسية التي ظهرت في السبعينيات مع لحن "الرمبا" ما عادا يصلحان للعصر، وأن الجمهور بدأ يطلب الكلمة الجزلة والإيقاع السريع والذي يمثله "الخبيتي". وهنالك من يعارض هذا الاتجاه، ويطالب بعدم المساس بالتراث الغنائي القطري، كما سيأتي في شهادات الفنانين. ولقد خصصنا فصلا في الباب الثاني للحديث عن جدلية إيقاع الأغنية القطرية.

وقال عبدالملك "إذا كان الشعر قد حفظ الأغنية القطرية، فإن "الدور" الفنية لعبت دورا مهما في هذا المجال، وقد حرصت على تسجيل شهادات لذلك، ضمن شهادات الفنانين القطريين، على الرغم من أن "الدور" تحتاج إلى دراسة منفصلة، للبحث عن تاريخها ونشاطاتها، أنماط الغناء الذي كانت تمارسه، الشخوص التي كانت منتمية لتلك "الدور".

الكتاب جاء في خمسة أبواب الأول عرض نماذج كل فئة من الفئات الممثلة للأغنية القطرية. وشرح لمجمل الاتجاهات التي وردت في كل باب، كما تم تقسيم اتجاهات الأغاني القطرية، التي ظهرت منذ الستينيات إلى خمسة أقسام هي: الأغاني الوطنية الأغاني الرومانسية الأغاني التراثية الأغاني الإنسانية الأغاني الرياضية. حيث تغطية نماذج من الجوانب التي شملتها الأغنية القطرية الحديثة، أو تلك التي تطويرها من الولكلور القطري؛ على الرغم من اتجاهات أخرى مثل: أغاني الأطفال، والأغاني الدينية، وتلك الخاصة بمناسبات ومؤتمرات ومؤسسات والتي لن تدخل في هذا الكتاب.

وفي الباب الثاني يتم التطرق إلى بعض الجدليات والآراء المتعلقة بالأغنية الخليجية والقطرية، مثل جدل الصوت الخليجي، لغة الأغنية القطرية، إيقاع الأغنية القطرية، والأغنية الإلكترونية. وعرض الباب الثالث للمؤسسات التي قامت بدعم الأغنية القطرية، مثل: إذاعة قطر، مراقبة الموسيقى، فرقة الأضواء، الفرق الشعبية، ومحطات إذاعات (F M) الخاصة. عرض الباب الرابع شهادات من الفنانين المعاصرين: المؤلفين، الملحنين، المطربين، مسؤولي أجهزة الإعلام، والذين كان لهم حضور واضح كل في مجاله. وأورد الباب الخامس مجموعة من الصِور للمؤلفين والملحنين والمطربين والفرق الشعبية، في مناسبات مختلفة.

وأشار عبدالملك إلى أنه ظهر جيل جديد من الفنانين القطريين الذين اتجهوا نحو الموسيقى الكالسيكية وحققوا شهرة وحضورا عالميا ولم يتم التطرق إلى أعمالهم، ومن بين هؤلاء الموسيقيين: حامد النعمة، وائل بن علي، دانة الفردان، ناصرسهيم، وقال أن هذا الجيل من الموسيقيين الذين نالوا شهرة عالمية وتفننوا في نقل اسم بلدهم إلى المحافل الموسيقية، قادر على مواصلة الدرب بكل التصميم ِ والارادة، ومد جسور الثقافة؛ عبر الموسيقى، ما يساهم في التناغم والمحبة بين الشعوب، وحفظ الأمن والسلام العالمي.