أحمد فتحي شاعر قصة الأمس والكرنك

هل اقتبس وحيد حامد سناريو فيلمه الإنسان يعيش مرة واحدة من سيرة حياة شاعر الكرنك؟
أنا لن أعود إليك / مهما استرحمت دقات قلبي / أنت الذي بدأ الملالة / والصدود وخان حبي.
شاعر "قصة الأمس" مات وحيدا فقيرا بطريقة تشبه حياة الإغريق
أحمد فتحي يكتب قصيدة جديدة لعبدالوهاب فلم يتحمس لها

لا أدري أن أحدا قد كتب عن هذا الشاعر، غير الكاتب والباحث محمد رضوان من خلال كتابه الذي أرخ فيه لحياة الشاعر من قبل مولده حيث إن والده الوفدي، والذي غضب من الوفد الذي لم يوافق على أن ينزل الانتخاباتـ فانشق عنه وهو غاضب، إلى لحظة وفاة شاعرنا، والتي مات فيها وحيدا فقيرا، بطريقة تشبه حياة الإغريق، فهو مثل سيزيف بالضبط، فكلما صعد إلى القمة بغناء إحدى قصائده، تلك التحفة التي لا يمكن نسيانها أو تلقيدها. إنها "الكرنك" التي لحنها وغناها محمد عبدالوهاب. 
ويستقر الشاعر بعض الوقت على قمة الشهرة أو الجبل، حتى يفقد توازنه ويقع إلى أسفل الجبل، فيحاول من جديد أن يصعد رغم متاعب الحياة، فهو بلا زوجة أو ونيس أو جليس غير إضاعة المال والوقت. وفي هذا الجو يبدع تحفتة التي ليس لها حل، والمعروفة باسم  "قصة الأمس" التي تغنت بها أم كلثوم.
ومع هذا فأن من يسعده الحظ ويسمع أغنية "قصة الأمس" فلن يقدر أن يتذكر اسم مبدعها، وإن ذكرت له اسمه فسوف يندهش من غرابة الاسم، وقد يتهمك بعدم الصدق لأنه لم يسمع مرة برنامجا عن الشاعر، أو ندوة عن تلك الأغنية وعن فضل الغناء على الشعر والشعراء. ونأخذ أمير الشعراء أحمد شوقي، والهادي آدم، وجورج جرداق، وعلي محمود طه، ونقف عند العقاد صاحب العشرة دواوين، ولا أحد يعرف أنه شاعر، لأنه لم تغن له قصيدة (ما)  كأحمد بك شوقي. وقد تكون تلك هي سبب عداء العقاد لشوقي. 
والآن نعود إلى شاعرنا للنظر سريعا إليه من خلال هذا الكتاب. وأجدنى مجبرا على إبداء المقال بهذا التحذير، الصادر من الشاعر والروائى الألمانى جوته "كن رجلا ولا تتبع خطواتي". وتلك المقولة هي التي قدم  بها سلامه موسى كتابه "هؤلاء علموني".
إن الشاعر أحمد فتحى ضحك له الحظ أكثر من مرة، لكنه لم يحسن استغلال هذا الضحك ويرفع نفسه إلى أعلى كما يفعل كل أو معظم الناس .
"الكرنك" تلك القصيدة التي غنها عبدالوهاب من تأليف الشاعر الشاب أحمد فتحي، كما ذكرنا أول المقال، حيث نظمها عندما نقل إلى مدينة الأقصر بعد أن أحدث مشكلة مع ناظر المدرسة التي عين بها، وتشابك معه بالأيدي ذات يوم، وقبل أن ينتهي اليوم، كان قرار نقله قد صدر.
هل اقتبس السيناريست وحيد حامد أحداث قصة فيلمه الإنسان "يعيش مرة واحدة" من سيرة الشاعر أحمد فتحي، لأن أحداث الفيلم تتشابه مع قصة حياة شاعرنا الفرق الوحيد بين القصتين أن بطل وحيد حامد نقل إلى مدرسة بمدينة السلوم عقابا على إهماله وتعديه على الناظر، أما شاعرنا فقد نقل إلى الاقصر بنفس المشكلة، وهي عدم الاهتمام بعمله، وقد أبدع قصيدة "الكرنك" وهو في مدينة الأقصر؟!
وسعد شاعرنا بغناء محمد عبدالوهاب لقصيدته "الكرنك"، وبدأ يحس أن الدنيا بدأت تضحك له، فكتب قصيدة جديدة وقدمها لعبدالوهاب لكن عبدالوهاب لم يتحمس لها. 

Biography
أنت الذي بدأ الملالة 

ومن هنا تمضى حياة الشاعرة من نجاح إلى إخفاق، وأي أموال يتحصل عليها يتخلص منها سريعا ما بين ملذاته، التي لم يقدر أن يتخلص منها، وفجأة يكتب قصيدة "قصة الأمس" ويقدمها إلى أم كلثوم، وما أن قرأتها الست حتى تحمست لها وقدمتها إلى ملحن القصائد العربية الأول في مصر والوطن العربي رياض السنباطي، الذي أبدع هو الاخر في وضع لحنا مميزا وشجيا للغاية، ومن هنا تأتي الست أم كلثوم وتشدو بالقصيدة أو بالأغنية أو في قول جامع تغني وتتغني باللحن الذي أسكرنا، ومازلنا نستمتع به إلى الآن.
ومن هنا يرتفع سهم أحمد فتحي في دنيا الشعر والطرب: 
"أنا لن أعود إليك / مهما استرحمت دقات قلبي / أنت الذي بدأ الملالة / والصدود وخان حبي / فإذا دعوت اليوم قلبي للتصافي / لن يلبي". 
ويسرع الشاعر إلى وضع قصيدة جديدة  ليقدمها إلى الست، التي لم تتحمس لها، فتملك اليأس من الشاعر، فعاد إلى ملذاته البعيدة كل البعد عن الإبداع والشعر وعالمه، وأنهى كل ما لديه من أموال حصل عليها من حقة في قصيدته "قصة الأمس"، وحاول كثيرا أن يكتب قصيدة على مستوى "قصة الأمس" فلم يقدر. وعرف الفقر فكتب رسالة إلى الأمير الشاب عبدالله الفصيل الذي تعرف عليه وهو يعمل في إذاعة bbc يشكو فيها حاله، وكيف ابتعد عنه الجميع وأغلقت الدنيا أبوابها في وجهه، ولم يعد يجد ثمن الأكل. فأرسل له الأمير ما يساعده على الحياة، لكن رغبته في تغني له أم كلثوم لم تتركه، فقد سيطرت علية، لكن أم كلثوم كما نعلم جميعا لا تعمل بالعاطفة، وإنما بالجدية والحزم، رفضت أن تغني أي شيء ليست مقتنعة به حتى لو كان لأحمد فتحي الذي تسرب اليأس إلى نفسه، هذا اليأس الذي قال عنه الأديب الإيطالى البرتو مورفيا في روايته (١٩٣٤) "كيف يكون الإنسان يائسا دون أن يتمنى الموت". وقد انطبقت تلك المقولة على شاعرنا اليائس، الذي صعد إلى غرفته رقم ١٤ في فندق كارلتون سنة ١٩٦٠وهو يحس بالتعب الذي يفضي إلى الموت، ويدخل فراشه متعبا يائسا، لكي يخرج منها في ظهيرة اليوم التالي جثةَ هامدة تبحث عن من يصلي عليها؟ 
ويبقى عنوان المقال يبحث عن إجابة وهي عند النقاد لأعمال السيناريست  وحيد حامد،
وبقى أن أقول إني لا أدرى ما هو مصير هذا الشاعر لو لم يؤرخ له كاتبنا الكبير محمد رضوان في كتابه المهم للغاية والذي نشرته دار الهلال في غير طبعة، وهنا تتجلى قيمة الكتابة والكتب وأهميتها القصوى والتي لا يمكن تخيلها أو تقديرها.