رواية سعيد شحاته وأهمية المحرر الأدبي

الروائي سعيد شحاتة يبتعد في روايته التي عنوانها الفرعي 'رواية غير مكتملة الأركان' عن الإسهاب ويقترب من التكثيف والاقتصاد في الكلمات والصفحات وتجربة الروائية الاولى تكشف عن أهمية وجود المحرر الأدبي.

"أي شخص يكتب رواية يجب أن تكون لدية فكرة واضحة وصارمة فيما يتعلق بما هو الجيد والرديء في الحياة" (جونيايلى)، لم أجد أفضل من هذا القول لكي أفتتح به مقالي عن رواية بها كل العناصر التي تحتاجها الرواية، كما سوف نرى بعد قليل.
ومن المقدمة التي كتبها المؤلف على غلاف روايته نستهل مقالنا فقد كتب على الغلاف: (رواية غير مكتملة الأركان).
حكي في المطلق عن يوميات غير عابرة لشخص توقف عن تدخين التبغ ورفض الركوب بجوار سائق الميكروباص الكهل  وأيضاً سوف نكتشف أهمية وجود المحرر الأدبي وأنا سوف أشير إلى تلك النقطة في أخر المقال.
هكذا قدم المؤلف روايته الأولى، والتي صدرت هذا العام عن دار نشر "ميتا بلوك"، ومن يبدأ في قراءة الرواية ولا يعرف انه المؤلف  شاعراً سوف يهتف لا محالة بأن المؤلف شاعر وبالثلث لأن اللغة وتركيب الجملة بعد الجملة، تؤكد على شاعرية المؤلف، الذي قدم لنا رواية من نوعية ما يطلق عليه ابداع ما بعد الحداثة، حيث تتداخل الأحداث في بعضها البعض، والمؤلف كما رجل المرور ينظم حركة سير الاحداث، أو هو كما اللاعب محمد صلاح الذي يتفنن باللعب بالكرة وتفننه هذا هو ما يعجب الجمهور.
وفي أوقات نجد صوت الراوي العليم بكل الأحداث التي حدثت وظروف حدوثها، ونحن من تلك الزاوية نعيش الحدث من كاميرا الراوي العليم بمجريات الأمور الخاص برفقاء الحارة والقرية، ثم نجد الراوي يشارك في الأحداث.. حيث نجده أحد أفراد صناع الحدث، وأيضا نرى الحدث من خلال كاميرته التي يسرد من خلالها أحدث وقعت وأخرى لم تقع بعد.
كل ذلك قدمه لنا الروائي سعيد شحاتة في باكورة انتاجه الروائي، الذي تعامل مع القارئ بحرفية عالية جداً، فهو لا يدع مجالاً للقارئ أن يشعر بالملل، أو يفقد تركيزه في تتبع الأحداث التي يعرضها الراوي لنا.
 ونحن لن نشغل نفسنا كثيراً ونحاول أن نبرهن على أن الراوي هو المؤلف لسبب بسيط وهو أن الكاتب قدم لنا ما يغنينا عن التفكير في هذا السؤال لأن الراوي كان بارعاً في عرض سيرته الغريبة ومن حلاوتها أحببناها بالضبط كما في ألف ليلة وليلة فنحن غير معنين بماهية (شهرزاد) ولا موقف شهريار أن يكون كما الطفل وهو يجلس في حضرة جدته وهي تحكي له حكايات تُحكى وهي سعيدة بالحكي، وشهريار سعيد بالحكي وهو غير معني بمنطقية الحكي، لأن المتعة التي أوجدها الحكي جعلته ينسى أن يفكر في هذا السؤال، الذي ليس له محل من الإعراب.
 وأخذ شهريار يستمتع بحكي شهرزاد، ويعيش جوها الأسطوري، وهو كما قلنا غير معنى بشيء غير ان يعيش جو الحكي الشهرزادي، وهذا بالضبط ما يحدث لقارئ تلك الرواية التي خطها الشاعر سعيد شحاته، الذي ضحك علينا بأن قال أن تلك اول محاولته لكتابة الرواية، فبناء الرواية، يؤكد على أن المؤلف متمرس في هذا المجال الساحر سحر لا يوصف ولا يثمن مهما حاول البعض منا تثمين كتابة الرواية.
وبمقدار المتعة التي يشعر بها القارئ للعمل الأدبي، هو نفس الشعور الذي يشعره المبدع وهو بيدع إبداعه قصيدة، قصة، رواية، مسرحية، لوحه، أغنية، قطعة موسيقية، مقال.
 والآن نقرأ ثلاث فقرات من الرواية (المهم أني كنت عمال أبص لهم واحد واحد وأنا عايز أقول لهم إن الموضوع لا يتعدى حباية ستربتوكين علشان صلاح بطنه وجعاه ..) وأيضاً نقرأ: (ظاهرة الستات اللي ماشية بكلاب واللي تقريبا نسبتهم فاقت نسبة الستات اللي ماشية بأطفال)، (ربنا يسترها معانا دنيا وآخرة يا رب ويكفينا شر القطارات ودخلتها وشر الكراكات وكبشتها وشر الحمامات وزنقتها) (صـ 179).
ونخرج من هذا الزخم الروائي الذي أبدعه الشاعر سعيد شحاتة . لكي نقول إنه لان يكرر تلك التجربة في الكتابة الروائية، أي سوف يعبد عن التجريب وما بعد الحداثة التي تفرض على المؤلف أن يقدم عملاً كبير الحجم من حيث عدد الكلمات والورقات وهي طريقة متعبة في الكتابة وإنما سوف نجده يكتب إبداعاً مشبع بالبيئة التي خرج منها الشاعر أو في قول اخر الروائي سعيد شحاته، ونجده يبعد عن الإسهاب ويقترب من التكثيف والاقتصاد في الكلمات والصفحات، وأجدني هنا اتذكر تحفة يحيى حقي (قنديل أم هاشم) التي لا تتعد صفحاتها الخمسين، ورغم قلة صفحتها تعد درة من درر يحيى حقي والأدب العربي كله لأن التكثيف والحذف كان منهج حقي ويوسف إدريس، الذي لم ينتج عملاً إبداعية كبير الحجم إلا رواية (البيضاء) وتعد أقل اعمال يوسف إدريس من الناحية الابداعية.
وأيضاً لدينا أصوات سليمان فياض ولدينا رواية قلب الليل لنجيب محفوظ، وحادث النصف متر لصبري موسى والحرام ليوسف ادريس وأيضاً لدينا رواية:  لحس العتب لخيري شلبي الذي قدم لنا إبداعاً مميزا للغاية، لدرجة لا يمكن لاحد أن يقلده أو يقترب من تلك المنطقة التي تفرد بها الراحل خيرى شلبي.. والذي من خلال هذا التفرد قدم إبداعاً لا مثيل له، أقول هذا لكي أوضح أن الأعمال العظيمة ليست بالحجم أو بعدد الصفحات.
وأخرج من هذا لكي أقول إن رواية الشاعر سعيد شحاته تعد تجربة روائية تستحق الدراسة والتحليل، لكي نظهر ما بها من تميز وما من عوارات حتى يتجنبها الكاتب في عملة القادم.
والذى أتمنى ان يكون ذو عنوان جذاب للقارئ، ويكون عملاً صغيراً، وليس بهذا الحجم، لأن الحجم ليس دليل التمكن، وإنما قد عكس ذلك.
وقد أوضحت تجربة سعيد شحاته الروائية الاولى عن أهمية وجود المحرر الأدبي، ما دام الروائي لم يعد يقوم بهذا الدور كما كان يقوم به الكبار عندنا كما أشرت آنفاً.
وسوف أذكر نموذج واحد عن أهمية المحرر الأدبي، فالروائية التركية آليف شفق التي تعد أشهر من نار على علم، بحسب التعبير  العامي، حيث دأبت على توجه بالشكر والثناء في نهاية أعمالها لمحررها الأدبي لما قام به مراجعة وحذف لما ليس له قيمه في النص فيخرج العمل الأدبي في الشكل الذي يرضي المؤلف والناشر والقارئ أن سعيد شحاته في طبعته الثانية من تلك الرواية الممتعة إلى أقصى درجه سوف يقوم بدور المحرر الأدبي.