صلاح هلال يغزل نصوصا سهلة ممتعة في 'وجوه خارج الكادر'

عندما أخذت أقرأ في نصوص المجموعة اندهشت ورفعت حاجب وأرخيت الآخر وأنا أمصمص شفيفي وأقول كيف كتب صلاح هلال تلك النصوص.

مداخلة أولى:

عندما أخذت أقرأ في نصوص المجموعة اندهشت ورفعت حاجب وأرخيت الآخر وأنا أمصمص شفيفي وأقول كيف كتب صلاح هلال تلك النصوص.

مداخلة ثانية:

عند استغرقت في المجموعة ونصوصها تذكرت نور الشريف ومحمد خان وفيلم ضربة الشمس واللقطة التي صورها المصور شمس وكانت عبارة عن كلمة احترق نصفها، فكانت اللغز الذي عمل المصور على حله، كذلك اعتمد القاص صلاح هلال على أشياء صغيره وغير ومكتملة ليقوم بغزل نصوص قصيره تستحق أن تكون نصوصاً ممتعة.

  مداخلة ثالثة:

"كان لبعضهم ولد نحوي يتقعر في كلامه، فأعتل أبوه علة شديدة، أشرف فيها على الموت، فاجتمع أولاده وقالوا له: ندعو فلانا أخانا. فقال لا، إن جاءني قتلني. فقالوا له نحن نوصيه ألا يتكلم، فدعوه فلما دخل قال له: يا أبت قل لا إله إلا الله تدخل الجنة وتفر من النار.. يا أبت والله ما شغلني عنك إلا فلان فإنه دعاني بالأمس فأهرس واعنس واستيذج وسكبج وطهبج وأفرج ودجج وأبصل أمضر ولوزج وافلوذج، فصاح به أبوه: غمضوني، فقد سبق ابنى ملك الموت إلى قبض روحي" القيرواني جميع الجواهر في الملح والنوادر.

انتهت المداخلة التي لم أجد أفضل منها لكي أمهد الطريق لكي ندخل الى تلك المجموعة التي تشعر القارئ بمتعة لا يمكن ان يجدها في مجموعات أخرى موجودة في تلك الأيام حيث لم يسعى كتابها على ايجاد تلك المتعة التي هي هدف القارئ من عملية القارئ في أي مجال من المجالات.

وما ذكرته في أول المقال من خلال المداخلة اريد ان الفت نظر الكثير من الكتاب والشعراء الى قضية اللغة التي يعملوا جاهدين على جعلها صعبه وغير مستساغه في تلك الأيام وقد يكون هذا هو هدفهم من الكتابة ذاتها بتلك الصعوبة فتنفر القارئ من عملية القراءة إذن الخسارة هنا مزدوجة حيث خسر الكاتب القارئ، وخسرت عملية القراءة القارئ في مجملة، أي القارئ في جميع المجالات. وأيضا قد أشار إلى تلك القضية المخيفة مصطفي لطفي المنفلوطي في كتابه النظرات الجزء الثالث الفصل الأول (ص 5): لم يزل جماعة اللغويين وعبدة الألفاظ والصور يتشددون في اللغة ويتحذلقون، ويتشبثون بالأساليب القديمة والتراكيب الوحشة، يغالون في محاكاتها واحتذائها، ويأبون على الناس الا أن يجمدوا معهم حيث جمدوا وينزلوا على حكمهم فيما أرادوا، ويحاسبون الكاتبين والناطقين حسابا شديدا على الكلمة الغريبة والمعنى المبتكر، ويقيمون المناحات السوداء على كل تشبيه لم تعرفه العرب وكل خيال لم يمر بأذهانهم، حتى ملهم الناس..

ليست الأساليب اللغوية دينا يجب أن نتمسك به ونحرص عليه حرص النفس على الحياة، إنما هي أداة للفهم وطريق إليه، لا تزيد على ذلك ولا تنقص شيئاً، واكتفي بهذا القدر من رأى المنفلوطي في اللغة الأدبية التي قد أعود إليها في موضع آخر.

والأن نتوجه إلى مجموعة "وجوه خارج الكادر" للقاص صلاح هلال، الذي نجح في أن يغزل لنا نصوص سهلة بسيطة وتوجد قدراً لا بأس به من المتعة بالنسبة لقارئ النصوص والقارئ لا يريد غير ذلك من المبدع، بل هو لا يريد أي شيء من أي شيء غير المتعة فهو يشاهد الفيلم من أجل المتعة ويسمع الأغنية من أجل المتعة ويسمع الشيخ من أجل المتعة.

إذن المتعة أساس أي شيء يقوم به الإنسان في تلك الحياة، ومن هنا نتوجه الى مجموعة قصصية توجد المتعة الى القارئ.

ونبدأ بنص "وجه جدي الآخر" هذا النص الذي تشعر فيه بالقلق، حيث نجد أن القلق يسيطر على البطل، ويجعله لا يشعر باللحظة التي هو فيها، إنه القلق الذي جعله يحس ويشعر بأن جاره في الأرض قد نقل الحد الفاصل الذي بينهما، وكلما تمكن منه هذا الإحساس يذاد لدية القلق والخوف من هذا الفعل الجهنمي.

وتحت كل هذا القلق اتاه جده في الحلم وهو يصرخ فيه ويهز كيانه قائلاً: >انهض إلى أرضك وتأكد من حدودك، وحافظ عليها< فاق من حلمه وارتعدت فرائصه التي لا تساعده على التماسك، يقترب من أرضه وهو يرى أشباحاً كأقزام تحوم حوله الدائرة تضيق عليه فصرخ وهو يشق رؤوسهم بفأسه انشقت الأرض عن وجه جده، وابتسم وهو يتأكد مع ضحكات العصافير.

وهذا يعنى انه كان في حلم وليس في الواقع وما أكثر الاحلام التي يقابلها الإنسان في حياته، ونخرج من هذا الحلم لنقابل نص آخر اسمه: "نواح"، وهذا النص يمكن أن طلق عليه إنه نص صوفي من أعلى مراحل الصوفية تلك الصوفية التي يتحلى بها رواد الموالد ومجاذيب القرى.

نعم كان القاص بارعاً وهو يبنى لنا سيناريو لمجذوب لا يبدو أنه مجذوباً إلا في آخر كلمة في النص القصير جداً؛ حيث سأله أحد أفرد القرية عما لديه:

- من أين لك هذا؟!

فقال:

- هو من عند الله.

السؤال عن ماذا لا أحد يدري.

والإجابة ماذا تعنى أيضاً لا أحد يدري أيضاً أليس مجذوب والمجاذيب لا يعول على أفعالهم وأقوالهم كثيراً.

وفي نص وجوه خارج الكادر: نجد مشهد ووجوه أعيشها كل بعد صلاة الجمعة في مسجد الباز الذي أصلى فيه الكثير من جمعات الشهر. فبعد أن يسلم الإمام ويعتدل ويتربع في محرابه حتى تسرع إليه الأطفال الموجودة بالمسجد لتسلم عليه على الشيخ سامح المصري ذو الوجه البشوش، والفهم العميق للدين والأطفال سعيدة وهي تسلم على الشيخ كما في نص صلاح هلال والشيخ في النص وفي الواقع نجح بفهمه العميق للدين أن يكون محبوباً، وهذا يعنى انه فاهم طبيعة عمله والتي هي مثل رجل المرور الذي يوضح للناس الخطأ من الصواب.

أقول هذا لكي أوكد على نجاح القاص في اختزال لقطه بسيطة وسهله وهي خارج الكادر.