"أدب الأطفال .. علم وفن": كتاب رائد لرائد كبير

أحمد نجيب من الذين أخلصوا لقضية ثقافة الطفل وأوقف عليها نشاطاته وبذله المعرفي والإبداعي بعامة، طوال عقود طويلة من السنوات.
منجز الكاتب أحمد نجيب الإبداعي يضم طيفًا واسعًا في كافة الأشكال الفنية للكتابة للطفل
الديمومة والاستمرار في البحث والتنظير والنشر والمساهمة في حلقات التدريس والمؤتمرات العلمية

ساهم رائد أدب الأطفال أحمد محمود نجيب – مواليد 27/8/1928 - أطيب مساهمة وأرقاها في "ثقافة الطفل"، هذا اللون من الكتابة النوعية المهمة، سواء من ناحية الإبداع أو من ناحية التنظير والدرس الأدبي الجاد، أو من الناحية العملية بالتدريس والتدريب ووضع الخطط والإدارة لقطاعات متعددة في ثقافة الطفولة. 
فالرائد الكريم من الذين أخلصوا لقضية ثقافة الطفل وأوقف عليها نشاطاته وبذله المعرفي والإبداعي بعامة، طوال عقود طويلة من السنوات، وتخصص فيها، وصفه باحث: "الكاتب لم يترك موضوعًا من الموضوعات الصالحة لأن يكتب فيها للأطفال إلا وعالجها"، وقال أيضًا: "كتاب الأطفال في مصر وحدها خمسمائة كاتب وهم يتفاوتون تفاوتًا كبيرًا كمًا وكيفًا، بعضهم ألف مائة كتاب وكثيرين لم يقدموا سوى كتاب واحد أو كتابين، فعدد الذين نذروا أنفسهم للكتابة للأطفال قليل جدًا"، وهذا لم يكن عند أحمد نجيب إلا عن محبة صادقة للطفولة، ورؤية واعية لأثر حسن إعدادها، وتثمير دوافع القيم البناءة في ضمائر النشء الصغير، علي دفع مسيرة الأوطان العربية للتحضر والنماء.
وحتى نقف تفصيلًا علي تفسير سر هذا الحماس، والعطاء الخصب الحافل النمير علي أكثر من مستوي، للرائد أحمد نجيب، نستمع منه: 
•    يصف الطفولة: "البراعم الصغيرة التي تملأ السماء بالأريج المنعش والبراءة الملائكية الوضاءة".
•    لم يكن فقط محبة للطفولة وإبصار طهرها وبراءتها، ولكن لرعايته البعد الوطني في أهمية الاستثمار في ثقافة الطفل، يقول: "يلعب المضمون في أدب الأطفال دورًا خطيرًا في عمليات بناء الأجيال الجديدة التي ستحمل عبء تشكيل الحياة علي هذه الأرض في الغد القريب .. لأن ما يكتسبه الطفل في سنوات عمره الأولي من معلومات وعادات واتجاهات وقيم يؤثر في تكوين شخصيته وأفكاره وقيمه واتجاهاته في المستقبل بدرجة يصعب تغييرها أو تعديلها فيما بعد".
•    رؤيته أن الأطفال هم المستقبل، وأهمية دور أدب الأطفال، وأنه درب طويل يحتاج إلى بذل الجهد وإيقاد الشموع، وكان فؤاده يفور بهذه الفكرة، حتى أشرقت في إهداء كتابه "المضمون في كتب الأطفال"، يقول: "شمعة أخرى على الطريق الطويل .. / وهمسة متواضعة .. في عالم صاخب .. / وما أحوج ميدان أدب الأطفال / إلى مزيد من الشموع والدراسات / إن الحاجة ماسة .. وعاجلة .. / والأطفال هم المستقبل"، 
والإهداء كعلامة موازية لكتابه، هو إهداء لا ينفصم عن بنيه كتابه "المضمون .." بل كتبه جميعًا، فهو بناء عضوي يدل علي وعي واهتمام وتقدير وهمة.
كما ضم منجز الكاتب أحمد نجيب الإبداعي طيفًا واسعًا في كافة الأشكال الفنية للكتابة للطفل، في الشعر والقصة والمسرحية بأنواعها، وباللغتين العربية والإنجليزية، وأصدر دوائر من المعارف للأطفال، والقصص العالمية المترجمة، حتى قيل: "إنه قلما خلت مكتبة الطفل في العالم العربي من قصصه ومؤلفاته، حيث كثرت إبداعاته مع تنوعها الكبير وانتظامها لكل الموضوعات تقريبًا"، ووصل عدد كتبه إلى أكثر من ثلاثمائة كتاب للطفل، منها سلاسل ضمت عشرات القصص بقلمه، وبعضها  ُطبع بملايين النسخ، كما تم إقرار كتبه للقراءة الحرة والدراسة لتلامذ المرحلة الإبتدائية.
أما شأن التنظير والدرس الأدبي حول "أدب الأطفال"، فقد حقق ريادة غير مسبوقة في هذا المجال، بحيث يدخل باب علم الأوائل بكونه أول من أصدر كتبًا علمية أكاديمية عن أدب الأطفال بصفة خاصة، وكتب الأطفال في الوطن العربي بصفة عامة، فكان كتابه "فن الكتابه للأطفال" الذي صدر لأول مرة عام 1968، وُطبع كتابه العديد من المرات آخرها عام 1986.
الملاحظ أيضًا عمق تنظيراته وتنوعها الكبير، فتناول الشكل الفني والمضمون في أدب الطفل، واختص قصة الطفل بإصدار خاص، وأصدر حوالى اثني عشر كتابًا في هذه المجالات جميعًا ما زالت مرجعًا مهمًا لشداه الإبحار في الدرس الأدبي لهذه الألوان الأدبية المهمة.
وأيضًا حقق الديمومة والاستمرار في البحث والتنظير والنشر والمساهمة في حلقات التدريس والمؤتمرات العلمية، والتحديث أيضًا فأصدر كتابه "أدب الأطفال – علم وفن" وضم خلاصة ما جاء بكتابه الأول: "حيث استمر بإجراء إضافات جوهرية عديدة تقرب من حجم الكتاب الأصلي أو تزيد. ولهذا رؤي أن يتخذ في صورته الجديدة عنوانًا جديدًا تمييزًا له عن الكتاب الأصلي". 

children's literature
الديمومة والاستمرار في البحث والتنظير 

ومثال علي تأثيره في هذا المجال في اللاحقين من الباحثين، أن العدد الكبير من بحوث أدب الطفل وتنظيراته، تعزى إلى مفاهيمه الأولى التي صكها رائدًا في هذا المجال، يقول د. محمد عبدالمجيد البغدادي: "من المعروف أن أدب الطفل أو أدب الطفولة تعبير حديث ظهر في آواخر العشرينيات لأول مرة في الأدب العربي الحديث فوق صفحات الصحف، وفي عام 1968 خرجت إلى النور الطبعة الأولى من كتاب "فن الكتابة للأطفال" لمؤلفه الأستاذ/ أحمد نجيب الذي طرح أقدم وأول مفهوم في المؤلفات المعاصرة لأدب الطفل العربي. يقول عن أدب الأطفال هو الإنتاج الفكري الذي يتلاءم مع فئة من الجمهور هم فئة الأطفال، وله مفهومان رئيسان: أدب الأطفال بمعناه العام وهو يعني الإنتاج الفكري المدون في كتب موجهة لهؤلاء الأطفال في شتي فروع المعرفة، وأدب الأطفال بمفهومه الخاص وهو يعني الكلام الجيد الذي يحدث في نفوس الأطفال متعة سواء كان شعرًا أو نثرًا كان شفويًا بالكلام أو تحريريًا بالكتابة",
وكانت هذه الرعاية بالتنظير في مجال أدب الطفل، داخل وجدان الرائد الكبير، جعلته أول من سطر كتابًا علميًا حول هذا اللون من الدراسات عربيًا، وكان حول "فن الكتابة للأطفال"، ثم استمر ينقح مادته ويعتني بها ويضيف إليها، حتى تكونت إضافات جوهرية ماثلت أو زادت عن حجم الكتاب الأصيل، فأصدر كتابه الجديد "أدب الأطفال علم وفن" عام 1991، بالتالى هذا الكتاب يعد الوريث الشرعي لكتابه الأول. وهنا الملمح الذي ندركه حول عنايته الفائقة بفكرة تقعيد الكتابة للطفل، وما تستوجبه من عناصر وملكات ومهارات خاصة، ودور الموهبة في هذا المزيج الإبداعي، فإذا كان عنوان الكتاب الأول يشمل مفردة "قواعد"، فالعنوان للكتاب الأخير أرحب لأنه يضم عنصري المزيج معًا العلم والفن أو القواعد والموهبة.
يقول: "غني عن البيان أن وحدها لا تكفي في هذا الزمن .. وأنه لا بد معها من العلم والدراسة والتعمق .. كما أن العلم وحده لا يكفى لإبداع فن جيد أو أدب قيم .. وإن كان قد يتفاعل مع ألوان من الاستعدادات والقدرات، فيصبح ناقدًا خبيرًا يتذوق ويحكم ويقيم".
ويقول: "لكل عمل فني قواعد وأصول، ومقومات فنية"، وهذا صحيح علي مستوى الكتابة بصفة عامة، لكن تتسع وتتنوع وصفة الإبداع السحرية في أدب الطفل عن أدب الكبار في فكر أحمد نجيب، وتصبح لها خصوصية وملكات لا يستطيعها أي أحد حتى بعض من يكتب للكبار بسبب هذه الإضافات المهمة في تلك الوصفة، يقول: "ونحن في مجال أدب الأطفال، في حاجة إلى الموهبة الخلاقة، التي تستعين بالدراسة والعلم، وتلجأ إلى التأليف بين مجموعات متفرقة من الخبرات والنظريات في عدة مجالات لا تربط بينها صلة واضحة، ثم تضيف إلى كل هذا إضافات حقيقية جديدة متعلقة بهذا المجال الجديد، لتصل في النهاية إلى شيء متميز يمكن أن تكون له نظرياته وقواعده الخاصة التي تتفق مع أطفالنا وبيئاتهم وثقافاتهم، ومراحل نموهم النفسية واللغوية".
ونلاحظ رعاية الخصوصية والبيئة المحلية، وأن يكون المنتج الإبداعي للطفل العربي يوافقه هو ويؤكد اتجاهاته الأخلاقية وهويته الخاصة، وهى سمات جميعها وجدت بموسوعات الكاتب، حيث ضمت القصص والتوجيهات والتي تتفق مع قيمنا العربية بالأساس.