أزمة إرهاق، أزمة بطالة


نفس الأمراض المزمنة نعاني منها في عالمنا العربي لأننا لا نصاب بإرهاق العمل، بل بفقدان العمل، لذلك تتفاقم السلوكيات المتوترة والعنيفة المرتبطة به.
عندما يتعلق الأمر بالكرامة وعزة النفس فإن الإرهاق في العمل يعدّ وساما مشرفا

عندما يتعلق الأمر بالكرامة وعزة النفس فإن الإرهاق في العمل يعدّ وساما مشرفا للأشخاص الذين يرتفع لديهم مستوى الحساسية بالمسؤولية قياسا إلى الذين يلوكون الوقت ولا يفعلون شيئا أكثر من الكلام. هناك نصف مليار شخص ضحايا ضغوط العمل، لكن لا أحد يخبرنا كم نسبة العرب منهم!

لدينا إحصائيات متاحة لا تدعو إلى الخجل عن ملايين الأشخاص في العالم العربي يتفننون في الجلوس والكلام في المضايف والمجالس والمربوعة والديوانية والقهوة… لا يفعلون أكثر من الحديث المكرر غير المثمر، ومن حسن حظهم أنهم محصنون من المرض العالمي “إرهاق العمل”، توترهم وغضبهم ليس مثل أولئك الذين يموتون من أجل الراتب وفق جيفري فيفر مؤلف كتاب “الموت من أجل الراتب”.

بالطبع أنا لا أدعو بأن نكون عبيدا للراتب! مثلما لا أتعاطف مع من يعيش الفراغ والثرثرة بوصفها تميزا واسترخاء، فأن تكابر على الإرهاق من ضغوط العمل، أمر يدعو للعزة مقابل أن تلوك الفراغ مع ترهل الوقت.

صحيح هناك أزمة إرهاق من ضغوط العمل تكاد تكون عالمية يقابلها في عالمنا العربي أزمة كآبة من البطالة، في متراجحة مرضية متشابهة، أنهم متعبون من المسؤولية، وشبابنا مصابون بالخيبة حد رمي أنفسهم بالبحر للتخلص من وهن البؤس. لكن في كل الذي يحدث اليوم يبقى ما لا تعرفه أسوأ بكثير مما تعرفه.

في كتابه يفترض جيفري فيفر الأستاذ في جامعة ستانفورد، أن هذه الأزمة تزداد سوءا مع مرور الوقت، في ظل ركود نمو الأجور وزيادة الاعتماد على اقتصاد الوظائف المرنة.

ويرى “نحن على طريق غير مستدام نهائيا. مراكز السيطرة على الأمراض تقول لك إن الأمراض المزمنة تمثل 86 في المئة من إنفاق الولايات المتحدة على الرعاية الصحية البالغ 2.7 تريليون دولار”.

نفس الأمراض يمكن أن نعاني منها في عالمنا العربي لأننا لا نصاب بإرهاق العمل، بل بفقدان العمل، لذلك تتفاقم السلوكيات المتوترة والعنيفة المرتبطة به.

فمثلما ينظر إلى الصحة العقلية أنها نتاج الوحدة وضغوط العمل في الغرب، علينا أن نعيد تعريف مفهوم الصحة العقلية بفقدان فرص الحياة الكريمة، بما في ذلك التطرّف والعنف في مشرقنا.

الفكرة التاريخية عن “أعصابهم”! باردة، آن أوان دفعها إلى متحف التاريخ الطبيعي، يكفي أن نذكر أن هناك نصف مليار شخص يعيش بأعصاب تالفة وهو يفكر بوضع أسرته والقرض العقاري للمنزل والقلق على مصير عمله. و”أعصابنا”! حامية أيضا يحتاج إلى إعادة تفسير فإذا كنّا نثور على أتفه الأسباب، ها نحن ننصاع لحكومات فاشلة عاجزة إلا عن هدر الكرامات.