أضعاف مضاعفة من الرواتب لإقناع السوريين بالقتال في قره باغ

آلاف المرتزقة يستعدون للتوجه إلى أذربيجان بأوامر من أنقرة مقابل رواتب مغرية، فيما أرسلت تركيا حتى الآن 800 مقاتل لدعم أذربيجان في حربها ضد أرمينيا.
الحرب في قره باغ تستعر على وقع التدخل التركي
تركيا تستغل خصاصة السوريين لإغرائهم بالقتال في قره باغ
تركيا تغذي الحرب في قره باغ رغم دعوات التهدئة الدولية
حصيلة القتلى بالحرب الأذرية الأرمينية ترتفع إلى 242 مقاتلا
شركات تركية تدير عمليات تجنيد آلاف السوريين بينهم أطفال

بيروت - كشفت مصادر إعلامية مؤخرا أن تركيا أرسلت قبل نحو شهر مقاتلين سوريين إلى باكو قبل اندلاع الحرب في ناغورني قره باغ، فيما يستعد آلاف المرتزقة الآخرين للتوجه في الأيام المقبلة إلى أذربيجان طمعا برواتب مغرية وعدت بها أنقرة.

وينتظر أبو أحمد المنضوي في صفوف فصيل سوري موال لأنقرة، شارة الانطلاق إلى أذربيجان للقتال مع قواتها، مقابل راتب يعادل ثمانين ضعف ما يجنيه في شمال غرب سوريا، آملاً أن يتمكن من تأمين قوت أسرته التي شرّدتها الحرب.

وبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، يستعد المئات من المقاتلين السوريين للتوجّه إلى أذربيجان، في الأيام المقبلة، عبر شركات أمن تركية خاصة تتولى نقلهم، بعد وصول أكثر من 800 مقاتل من شمال وشمال غرب سوريا خلال الأيام العشرة الأخيرة.

ويستغل الجيش التركي سكان المناطق الواقعة تحت سيطرته شمال سوريا، خصاصة السوريين لإغرائهم برواتب مغرية لإرسالهم إلى أذربيجان لدعم باكو في حربها ضد أرمينيا، في سيناريو يستنسخ التدخل التركي في ليبيا عبر الدفع بآلاف السوريين إلى ساحات الحرب الضارية.

وكانت تركيا قد أرسلت إلى ليبيا أكثر من 17 آلف مرتزق بين سوريين وجهاديين من جنسيات مختلفة لدعم حكومة الوفاق، فيما تستمر منذ أشهر في تدريب آلاف المرتزقة في معسكرات داخل سوريا وتركيا بينهم أطفال بهدف إرسالهم إلى جبهات قتال مختلفة، في خطوت تنطوي ضمن الاستراتيجية التركية لتغذية الصراعات والاستثمار في الفوضى لتوسيع نفوذها وتدخلاتها العسكرية المشبوهة.

ووفق تقارير إعلامية فإن المخابرات التركية فضلا عن إغراءاها بعض السوريين للتدرب على القتال مقابل وعود مالية واهية، فإنها تستقطب قسرا أطفالا ضمن عمليات التجنيد تلك.

ويقول الشاب أبو أحمد (26 عاماً) مستخدماً اسماً مستعاراً عبر تطبيق واتساب خشية من كشف هويته، "سجلت اسمي قبل أكثر من أسبوع للذهاب إلى أذربيجان... مقابل راتب قيمته ألفي دولار شهرياً لمدة ثلاثة أشهر".

وسجّل أبو أحمد المقاتل منذ خمس سنوات، اسمه على قائمة يعدّها قيادي في فصيل سوري موال لأنقرة، على غرار العديد من المقاتلين، بعد الإعلان عن الحاجة الى مقاتلين بهدف التوجه الى أذربيجان عبر تركيا.

وتدعم أنقرة الجيش الأذربيجاني في مواجهات دامية اندلعت منذ قرابة أسبوع في ناغورني قره باغ مع الانفصاليين الأرمن، وأثارت تنديداً دولياً واسع النطاق واتهامات لتركيا بإرسال مقاتلين سوريين موالين لها، الأمر الذي تنفيه باكو.

واستمرت السبت معارك عنيفة بين أرمينيا أذربيجان على معظم خط الجبهة في ناغورني قره باغ، مع تأكيد سلطات يريفان أن باكو أطلقت عملية هجومية كبيرة في اليوم السابع من بدء المواجهات.

وفي الأثناء أعلنت ارمينيا مقتل 51 مسلحاً انفصالياً أرمنياً إضافيين السبت، ما يرفع الحصيلة الرسمية للقتلى من كلا الجانبين إلى 242.

وتمكّنت وكالة فرانس برس الجمعة من التواصل عبر تطبيق واتساب مع أحد المقاتلين من مدينة الأتارب (شمال) الموجودين على جبهات القتال. وقال في تعليق مقتضب "نعم أنا موجود في أذربيجان"، معتذراً عن ذكر تفاصيل أخرى.

وعلمت الوكالة من مصدر محلي في المدينة أن هذا المقاتل كان في عداد مجموعة من أبناء البلدة ممن توجهوا إلى أذربيجان الشهر الماضي. وتم الاعلان قبل يومين عن مقتل القيادي فيها ويدعى محمّد الشعلان خلال المواجهات في ناغورني قره باغ.

وفي أحد مخيمات النازحين في شمال سوريا، حيث يقيم مع زوجته منذ أشهر عدة، يقول أبو أحمد "أنتظر دوري للتوجه إلى أذربيجان كي أوفر المال وأعود لفتح مصلحة ما هنا".

ويضيف "بعد التهجير، خسرنا قرانا وبيوتنا ولم يبق لدينا ما نأكله".

طيلة سنوات قاتل أبو أحمد في إدلب ومحيطها، التي تعدّ من آخر معاقل الفصائل المعارضة لقوات النظام السوري. وانتقل من جبهة إلى أخرى. إلا أن الأعمال القتالية توقفت منذ مارس/آذار، مع سريان وقف لإطلاق النار أعلنته أنقرة الداعمة للفصائل وموسكو حليفة دمشق، بعد هجوم واسع لقوات النظام تسبّب بنزوح نحو مليون سوري.

الحرب تحتدم في قره باغ
الحرب تحتدم في قره باغ

ليس بيدنا حيلة

مع توقّف المعارك وتراجع الدعم التركي للفصائل وسط ظروف معيشية صعبة، تضاءل دخل أبو أحمد تدريجياً حتى بلغ آخر راتب تقاضاه 25 دولاراً، فحسم قراره بالتوجه إلى أذربيجان رغم أنه لا يعلم شيئاً عن طبيعة القتال فيها، طمعاً بـ"الاغراءات المالية".

ويدرك أبو أحمد أن خياره محفوف بالمخاطر خصوصاً مع ورود أنباء عن مصرع مقاتلين، لكنه يقول "ليس بيدنا حيلة" إذ "أصبحنا مستعدين أن نضحي بأنفسنا لنؤمن مصروف أولادنا لأن ظروفنا سيئة جداً".

وأحصى المرصد السوري الجمعة مصرع 28 من المقاتلين السوريين على الأقل في أذربيجان منذ بدء المواجهات.

وتداول مستخدمون لمواقع التواصل الاجتماعي في شمال سوريا الجمعة صور أربعة مقاتلين قالوا إنهم قضوا في المعارك.

ويقول مدير المرصد رامي عبدالرحمن إن المقاتلين تلقوا وعوداً برواتب تتراوح بين 1500 وألفي دولار أميركي، وهم ينتمون بغالبيتهم إلى فصائل سورية موالية لأنقرة.

ويوضح أنه تمّ إبلاغ الدفعة الأولى منهم أنّ "دورهم سيقتصر على حماية حقول النفط والحدود في أذربيجان" قبل ان تندلع المواجهات.

الحرب الأذرية الأرمينية تلحق دمارا بمنشآت سكانية بالبلدين
الحرب الأذرية الأرمينية تلحق دمارا بمنشآت سكانية بالبلدين

نقف مع تركيا

واتهمت يريفان التي تنضوي في تحالف عسكري لجمهوريات سوفياتية سابقة بقيادة موسكو، تركيا بإرسال مرتزقة من شمال سوريا دعماً للقوات الأذربيجانية.

وأشارت موسكو الأربعاء إلى أنّ مقاتلين من سوريا ومن ليبيا، انتشروا في منطقة الصراع، الأمر الذي نفته وزارة الدفاع الأذربيجانية، متهمة أرمينيا بنشر مرتزقة بدورها. ولم يصدر أي تعليق رسمي من تركيا حتى الآن إزاء الاتهامات.

وبعدما كان أبو عدنان (38 عاماً) أبدى استعداده سابقاً للتوجه إلى ليبيا، ينتظر اليوم نقله إلى الحدود الأذربيجانية.

ويقول المقاتل الذي فضّل استخدام اسم مستعار خشية من كشف هويته، "لم يحن دورنا للذهاب إلى ليبيا، فأبلغونا بالاستعداد للتوجه إلى أذربيجان".

في العام 2017 وصل أبو عدنان إلى محافظة إدلب نازحاً، ثم شارك في القتال مع فصيل معارض تدعمه تركيا في إدلب وانتقل مع عائلته من بلدة إلى أخرى وصولاً إلى أحد المخيمات.

ويقول "هنا نرابط مقابل مئتي ليرة تركية (25 دولار تقريباً) وهو ما لا يكفيني لشراء الخبز. هناك سنرابط مقابل 1500 دولار".

إلا أن الحافز المادي ليس وحده المؤثر. ويوضح "نقف مع تركيا حليفتنا لأنها وقفت معنا ضد روسيا وتقاتل من أجل القضية السورية وعلينا أن نقف معها في كل الأوقات".