أعياد مصر القديمة للملوك وللشعب وللأموات أيضا!

مصطفى وزيري: احتفالات مصر القديمة بالأعياد الكبرى كانت تمتد لعدة أسابيع
من أهم الأعياد الدينية عند المصري القديم عيد "الأوبت" و"عيد الوادي الجميل" اللذان كانا يشغلان الناس لفترة طويلة
ملك مصر يقود الموكب المهيب والذي بدوره تنتقل إليه حيوية وقوة الإله لتساعده على إقامة "الماعت" أي العدالة

يقول الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار المصرية، الدكتور مصطفى وزيري، إن احتفالات مصر القديمة بالأعياد الكبرى كانت تمتد لعدة أسابيع، وأن المؤرخ الإغريقي هيرودوت روى في كتاباته أن الأعياد التي كانت تقام في "بوباسطة" كانت تجرى بمشاركة 700000 حاج من الرجال والنساء.
ويشير وزيري في دراسة له بمناسبة حلول عيد الفطر المبارك، أن من أهم الأعياد الدينية عند المصري القديم عيد "الأوبت" و"عيد الوادي الجميل" اللذان كانا يشغلان الناس لفترة طويلة.
وتضيف دراسة الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار المصرية، بأن معبد الأقصر الأثري، المطل على نهر النيل الخالد، احتفظ  بمناظر احتفالات عيد "الأوبت الجميل" الذي عرفه المصري القديم باسم "حب- نِفِر- إن- إبت" حيث كان يستمر لفترة 27 يوماً، وفيه يزور الإله "آمون- رع" رب طيبة ومقره معابد الكرنك زوجته الإلهة "موت" في الجنوب بمعبد الأقصر، ليجدد قوته وحيويته ويعود مرة أخري.
ويقود ملك مصر هذا الموكب المهيب والذي بدوره تنتقل إليه حيوية وقوة الإله لتساعده على إقامة "الماعت" أي العدالة، ومن ثم استمرار الحياة ورخاء البلاد، الأمر الذي يوثق صِلة الملك بالإله ويمنحه القوه الملكية إلى الأبد.
وفي بعض الأحيان كانت تتضمن هذه الاحتفالية إعادة تتويج الملك إذ كان له قارب ملكي يبحر مع زوارق الآلهة.

لكل مدينة مهمة في مصر القديمة احتفالاتها الخاصة، فكانت مدينة "سايس" شمال مصر ومدينة "أبيدوس" جنوب مصر يقيمان احتفالات بمواكب كبيرة كل عام لـ إله العالم الآخر "أوزير"

ومن الطقوس المهمة في هذا العيد أن يخرج الزورق المقدس للإله "آمون- رع" من معابد الكرنك محمولاً علي أكتاف الكهنة إلى مرسي المعبد متجهاً إلى مرسي معبد الأقصر في رحلة نيلية يقودها الملك بعد أن يقدم بعض القرابين للزورق المقدس، يصحبه الكهنة حليقي الرأس ومرتدين جلود الفهود، وراقصين وحاملي الإعلام ورجال الشرطة حافظي النظام، وعُرف الزورق المقدس باسم "وسر- حات" وكان يُصنع من الخشب ويغطي بطبقة من الذهب أو الفضة، وله مقدمة مرتفعة بشكل رأس كبش ويتوسطه مقصورة بها تمثال الإله "آمون"، وبينما يتحرك الموكب في النيل يشاهده أهل طيبة على جانبي النيل، وما أن يصل الموكب إلى مَرسَى معبد الأقصر يبدأ موكب بري آخر حتى دخول الزورق إلى أماكن استراحته داخل معبد الأقصر. ويزين جانبي الموكب الكباش التي ترمز للإله "آمون". وتُقام الطقوس نفسها عند عودة الزورق إلى مقره الأصلي بمعبد الكرنك.
وأما "عيد الوادي الجميل" فكان عيدا شهيراً يُقام تكريماً للموتى، في رحلة نيلية تشبه كثيرا رحلة "عيد الأوبت الجميل" يخرج إله طيبة "الإله آمون" في قاربه المعروف "وسر- حات"، وخلفه قارب زوجته "موت" وقارب ابنهما "خونسو" في موكب كبير يمثل ثالوث طيبة متجهاً إلى الغرب لزيارة المعابد الجنائزية للملوك الموتى ومقابرهم في جبانة طيبة.
ومع اتجاه الموكب إلى المعابد يقدم أهالي البلدة القرابين والأضاحي والزهور إلى قوارب الثالوث المقدس. كانت تُقدَم كميات كبيرة من الزهور خلال الاحتفال للثالوث حيث اعتقد المصري القديم أن الرائحة الطيبة التي تفوح بها الزهور تمثل روح الإله. ثم يأخذ الأهالي هذه الزهور المملوءة بعطر الآلهة ويضعوها على قبور أقاربهم تعبيراً عن احترامهم لهم واعتقاداً منهم ان ذلك يجعلهم أقرب إلى الإله. عُرف هذا العيد منذ الدولة الوسطي واندمج بعد ذلك مع "عيد الأوبت الجميل" ليكون مهرجانا واحداً. يذكر انه خلال فترة حكم الملكة حتشبسوت تم الاحتفال بالعيدين معاً. 
وبحسب الدراسة فقد عرف المصري القديم أن السنة تحتوي على 360 يوماً، وقسمها على ثلاثة فصول هي: فصل الفيضان، وفصل البذر، وفصل الحصاد، ويتكون كل فصل من أربعة شهور، وكل شهر 30 يوما، ثم أضيف عليها خمسة أيام التي تُعرف بـ "أيام النسيء" تزيد لستة كل أربع سنوات.
وفي بداية كل عام - في الأول من شهر "توت"، فصل الفيضان "آخت" -  يحتفل المصريون القدماء بعيد رأس السنة الذي يتزامن مع "وفاء النيل" الذي تتجد فيه الحقول ويفيض فيه النيل ويسبب رخاء البلاد.
وكما يتجدد النيل كل عام تتجدد القوى الكامنة في قرين الإله المتقمص في تمثاله ويتم ذلك عن طريق ملامسته لقرص الشمس ولذا عرف المصريون القدماء هذا العيد بعيد "الإتحاد مع قرص الشمس". تٌقام الطقوس في غرفتين داخل المعبد ثم ينتقل الموكب إلى سطح المعبد، وتوضع التماثيل في جوسق يسمي "حايت" على سطح المعبد، وداخل الجوسق يتم الاتحاد مع قرص الشمس.
ويقول وزيري في دراسته، إن طقوس هذا العيد كانت تبدأ في الفجر، حيث تُحضر قرابين الأطعمة (كميات لا تُحصي من قطع اللحم، والجعة، والنبيذ، واللبن، والفطير، والتيوس، والثيران، والطير المشوي) ويتقدم موكب حاملي الأطعمة نحو حجرة القرابين، ثم يتم نقلها إلى غرفة تجميع القرابين. في الوقت نفسه كان الملك أو من ينوب عنه والكاهن الأكبر للمعبد يدخلون غرفة تسمي "مسن"، وبعد صلاة قصيرة يخرج الموكب حاملاً تمثال "حورس" وكذلك تمثال "حتحور" كلٌّ في محرابه، ويحمل المحاريب 8 كهنة ويسير الموكب في الممر المحيط بقٌدس الأقداس. والكهنة التسعة (حاملي المحاريب والكاهن الأكبر للمعبد) يسمون أيضاً "سمرو" أي "أصدقاء الملك التسعة".
وينقسم الموكب إلى قسمين الأول يحمل محفَة "حتحور" في محرابها والآخر يحمل محفة الإله "حورس". وكان الغناء جزءاً أساسياً من طقوس هذا العيد. عند عبور الموكب يُرتل "الكاهن المُقرئ" القصائد ويرتل معه كل الكهنة المشاركين في الموكب. بعد ذلك يمر الموكب ويدخل إلى غرفة تجميع القرابين، وعندما تصل الآلهة إلى غرفة تجميع القرابين، تصطف حول التمثال الرئيسي للإله "حورس" و"حتحور"، وتُقدَم القرابين، ثم تنتقل التماثيل إلى غرفة المكان الطاهر "وعبت" وتُرص بحيث تكون وجوه التماثيل نحو الجنوب. وتُطهر التماثيل وتُعطَر وتُكسي بالملابس والتيجان. كما جاء في نص من معبد إدفو: يُقدم الزيت العطر "مدجت"، والأقمشة "منخت"، والتمائم الحارسة "وداو-ن-ساو" كي يتحلى بها الإله، ويُطهر الإله بحبات النطرون، وبأواني الـ "نمست" لكي تتحد روحه "با.اف " مع صورته "سخم. اف"...الخ.

وبعد ذلك – وبحسب الدراسة - يبدأ الموكب في الصعود إلى سطح المعبد وتُحمل القرابين أيضاً إلى سطح المعبد لكي توضع هناك علي المواقد وتُحرق قرباناً للإله. كان الموكب يبدأ بالملك نفسه - كما صُور علي معبد ادفو- ويسير خلفه المراتب العليا من الكهنة ويحمل كل واحد منهم أحد الآلهة، ثم يعد ذلك موكب من حملة القرابين، وبعدهم مجموعة من الكهنة أولهم الكاهن المُرتل وبعده كاتمي الأسرار وكبير المطهرين، وبعدهم أربعة من الكهنة يحركون الصلاصل، ثم مجموعة من الشخصيات الكبرى، وأخيرا نرى محراب "حورس" يتبعه محراب "حتحور" يحملهما الكهنة، وعند الوصول إلى الجوسق تبدأ الأغاني والأناشيد تحية للشمس المشرقة مثل "ها قد أشرقت الشمس، لقد أزاح الغيوم وطرد الظلمات، وقد صفت السماء، وتطهرت من كل شر..." وتوضع التماثيل في الجوسق وجوهها نحو الجنوب، وفي مقدمة هذه التماثيل تمثالا "حورس" و"حتحور" ويتم الاحتفال بالكشف عن وجوه التماثيل فتلامس أشعة الشمس وجه التمثال وكان هذا هو الغرض الذي من أجله يقام الاحتفال.
وفي احتفالية كبرى أخرى كانت تُعرف بـ "عيد اللقاء الجميل" أو "عيد الزواج المقدس" أو كما عرفه المصري القديم "حب – سخن – نفر"، تنتقل فيها تمثال إلهة الحب والأمومة والجمال والموسيقي، الربة "حتحور" كل عام من معبدها بـ "دندرة" في موكب عظيم يقوده حاكم المدينة، لقضاء 15 يوماً في "إدفو" مع زوجها الإله "حورس". يبدأ هذا الاحتفال بظهور هلال شهر "أبيب"، الشهر الثالث من فصل الصيف "شمو" وينتهي الاحتفال باكتمال القمر بدراً. تُبحر "حتحور" في مركب يُسمي " نب – مروت " أي "سيدة الحب" وأثناء رحلتها كانت يتوقف موكب "حتحور" لزيارة الإلهة "موت" سيدة الـ "شرو" بالكرنك، وقدم حاكم مدينة "إسنا" الطعام والشراب  للحجاج الذين كان يزداد عددهم كلما توقف الموكب، حيث يشترك أهل الصعيد جميعا في هذا الاحتفال وتزدحم مدينة الأقصر، وقبل "إدفو" كان يقابلها زوجها الإله "حورس بحدتي" بصحبته حاكم "ادفو" ومعه بعض الكهنة لاستقبال موكب "حتحور" حيث تقدم له "حتحور" القرابين ثم تطلق "الأربع أوزات" اللاتي يرمزن للجهات الأصلية الأربعة، ثم يصحبها متجهاً إلى "إدفو" وبعدها إلى داخل المعبد، وفي الصباح تبدأ طقوس الاحتفالات التي تستمر حتى اليوم الثالث عشر، ثم تعود مرة أخرى إلى دندرة حيث مقرها الأصلي.
وصُورت مناظر هذا الاحتفال على جدران معبد إدفو، وكان بقاء الربة حتحور في إدفو يمثل فرحاً طويلاً، وكانت تقام احتفالات في كل مدينة تمر بها علي طول الطريق.
ويُعد هذا اللقاء الجميل أحد أهم الأعياد الدينية عند المصري القديم، وارتبطت أغلب الطقوس الدينية باستجلاب الفيضان ليعم الرخاء والنماء، وإلتقاء الزوجين "هذا اللقاء الذي يتجدد كل عام بين حتحور وحورس بحدتي" هو إيذان بالخصب والفيضان، واتصال الزوجين يرمز إلى الخصوبة، وكذلك الفيضان يمثل الإله "أوزير" عندما يغطي حقول مصر التي ترمز للإلهة "ايزيس" يحدث الخصب وتنتج الوفرة.
وبحسب دراسة الدكتور مصطفى وزيري، فقد كان لكل مدينة مهمة في مصر القديمة احتفالاتها الخاصة، فكانت مدينة "سايس" شمال مصر ومدينة "أبيدوس" جنوب مصر يقيمان احتفالات بمواكب كبيرة كل عام لـ إله العالم الآخر "أوزير" والتي كانت تشهد موت "أوزير" ثم إعادة بعثة حياً، والتي كانت تشهد أحياناً بعض المعارك التمثيلية. فكان الناس جميعاً يترقبون بعث "أوزير" وإعلان ميلاده من جديد ليقيموا الأفراح والاحتفالات. وأقيمت الأعياد في منف للإله الخالق "بتاح"، وفي هليوبوليس للإله "رع"، وغيرها في كثير من المدن المصرية. وأعياد ارتبطت بالزراعة، وأخرى يقيمها الملوك احتفالاً بانتهاء بناء المقابر الملكية أو مشاريعهم الكبرى، أو احتفالاً بنصر على الأعداء، وإلى جانب هذه الأعياد كانت هناك أعياد خاصة بالموتى واحتفلت العائلات بها العائلات المصرية بالذهاب إلى الجبانات ويأخذون الطعام إلى موتاهم. وكانت أعياد الموتى شائعة في مختلف أرجاء مصر.