ألعاب نارية في العراق

زعيم الإطار التنسيقي إي زعيم المقاومة العراقية ضد التواجد الأميركي، لا غيره، هو من وقع اتفاقية الإطار الاستراتيجي مع الولايات المتحدة.

في كل مرة يقتل فيها الأميركان زعيم ميليشيا موالية لإيران في العراق تصدر الحكومة العراقية بيانا شديد اللهجة تندد فيه بالفعل الأميركي الذي تعتبره خرقا للسيادة الوطنية. طبعا علينا أن لا نتساءل "إين تقع تلك السيادة؟" فتلك مسألة تدعو إلى الكثير من المزاج المرح.

عمليا فإن العراق غير قادر على الدفاع عن سيادته لا برا ولا جوا ولا بحرا. هذا في الحالة التي تكون فيها السيادة قائمة. ما تقوله الوقائع أن العراق لا يحتاج إلى الدفاع عن سيادة هي غير متحققة واقعيا. فلا إيران ولا الولايات المتحدة وهما الطرفان الراعيان والحاميان للنظام السياسي العراقي والوصيان عليه يعترفان بتلك السيادة.

ما تفعله تركيا بين حين وآخر شمالي العراق هو دليل دامغ على أنها تعرف جيدا أن العراق عاجز تماما عن التصدي لحروبها التي تشنها ضد قواعد حزب العمال الكردي هناك، بالرغم من أنه يمتلك جيشا كبيرا بمعدات أميركية حديثة جدا غير أنه جيش لم يُعد للقتال. أصغر ميليشيا يمكن أن تهزمه وهو ما حدث عام 2014 يوم هُزمت القوات العراقية أمام مئات من أفراد التنظيم الإرهابي "داعش" والذين دخلوا الأراضي العراقية من سوريا بعربات مدنية.

من جهة أخرى فإن الحكومة العراقية لم تتوقف عن إصدار بيانات تؤكد على ضرورة أن تتوقف الميليشيات عن قصف السفارات الأجنبية وقواعد قوات الدول الصديقة والمقصود هنا سفارة الولايات المتحدة في بغداد وقواعد القوات الأميركية المنتشرة في مختلف أنحاء العراق وبالأخص قاعدتا "عين الأسد" في الغرب و"حرير" في الشمال، غير أن الميليشيات التي تمول من ميزانية الدولة العراقية لا تجد ضرورة للإستجابة لطلب حكومة، لا يمكن أن تتخذ إجراء ضدها من غير أن تستشير الولي الفقيه في طهران.

لا غموض ولا إلتباس في تلك المسألة. ما تفعله الحكومة العراقية حين تصدر بيانات في الاتجاهين انما يعبر عن واجبها الوظيفي ليس إلا. وليست السيادة الوطنية وهي الموضوع التي تحاول أن تضعه في مقدمة هواجسها موضوعا جوهريا في سياستها وهي تتعامل مع طرفين لا يؤهلها وضعها لأن تفرض شروطها عليهما. فلا الميليشيات التي تتلقى أوامرها من الحرس الثوري الإيراني يمكن أن تصغي لما تقوله الحكومة ولا الولايات المتحدة تنظر بشكل جاد إلى تلك الحكومة وهي تعرف جيدا أنها ما كان لها أن ترى النور إلا من خلال التسوية الإيرانية ــ الأميركية التي أقرت بانفراد تحالف الإطار التنسيقي بالحكم.

ولكن السؤال الجوهري بعيدا عن الدور التمثيلي الساذج والرث الذي تقوم بأدائه الحكومة العراقية التي هي واقعيا ليست طرفا مسؤولا في ما يحدث هو "هل الحرب بين الولايات المتحدة وما يُسمى بالمقاومة الإسلامية في العراق هي حرب حقيقية؟" في الوقت الذي تزعم فيه ميليشيات تلك المقاومة أنها تسعى إلى تحرير العراق من بقايا القوات الأجنبية علينا أن نتذكر أن العراق كان قد وقع عام 2008 ومن خلال حكومة نوري المالكي اتفاقية الإطار الإستراتيجي مع الولايات المتحدة. وهي إتفاقية لا تضع العراق تحت الوصاية الأميركية بشكل مباشر غير أنها في الوقت نفسه تسمح لها بالتدخل في شؤونه في أي وقت تشعر فيه أن مصالحها معرضة للخطر.

ليس علينا أن نصدق أن نوري المالكي هو زعيم تلك المقاومة كما كان يدعي يوم كان يشعر بخطر ملاحقته قانونيا بسبب مسؤوليته عن هزيمة الجيش العراقي أمام داعش. ولكن الرجل هو الآن زعيم تحالف الإطار التنسيقي وهو كتلة الأحزاب الشيعية التي لا تشاركها كتلة حزبية أخرى في حكم العراق. بمعنى أنها تحكم العراق بشكل مطلق. ألا يملك المالكي قدرة على ضبط الميليشيات بما يمكن أن يؤدي إلى استغناء القوات الأميركية عن القيام بعمليات انتقامية؟ ذلك ما لا يمكن توقع حدوثه. بدليل أن الولايات المتحدة لم توجه استفسارا إلى الحكومة العراقية أو إلى النظام السياسي، بل ركزت اهتمامها على توجيه ضربات مميتة إلى الميليشيات هي بمثابة تحذير ليس إلا.

قتلت الولايات المتحدة قاسم سليماني ومساعده العراقي أبو مهدي المهندس داخل الأراضي العراقية وكان ذلك الحدث واحدا من أهم ما فعله الرئيس الأميركي دونالد ترامب في دورته الرئاسية. ولو كان التاريخ منصفا لذكره بطريقة جيدة لأنه قام بذلك. والولايات المتحدة قادرة على قتل جميع زعماء الميليشيات الإيرانية في العراق، بل هي قادرة على إنقاذ العراق من تلك الميليشيات، غير أنها لن تفعل. لا لشيء إلا لأن الحرب التي نراها بين الطرفين هي عبارة عن ألعاب نارية، يسقط فيها عدد من القتلى "الشهداء" غير أنها لا تُطفئ شعلة المقاومة التي تبقي إيران مهيمنة على العراق.