إبراهيم علي يستجيب لحواريات دواخله الأثيرة

الفنان التشكيلي يستند ضمنيا على مفردات ذي طبيعة بصرية هي في الواقع إدراكية لهذا علينا التحقق من الواقعة الفعلية التي تدل على هذا المعنى أو ذاك، فالأمر عنده يتعلق بتجليات بصرية مختلفة منها يمكننا التعرف على أشيائه.

"الشعر متعة، ومهمة النقد زيادة المتعة" حسب ما يقوله ت.س إليوت ، أو ليست اللوحة الفنية متعة أيضاً ومهمة قراءتنا أقلها زيادة هذه المتعة، فلنبحث عن هذه المتعة أولاً ونحن نقف أمام أعمال إبراهيم علي، ومن ثم العمل على زيادتها وتفعيلها ونحن نبدأ بقراءتها.

والقراءة ليست قراءة كلية ولا نهائية، فالقراءات كثيرة لا حدود لها، ولا يمكن حصرها، كما لا يمكن في جميع الأحوال اعتبارها شكلا منسجما بذاتها وإن كانت مكونات عناصرها أشبه باستنطاق خلاصاتها الدلالية كلحظات تأويلية وفق فرضية جمع الحالات الزمكانية بالإنسجام مع المعطيات التي يذهب إليها إبراهيم علي بعمله دون أن يربطه بنمط ما، وهذا ما يجعله قادراً منذ البدء على تحديد كنهه داخل آليات البعد التشكيلي بالبحث عن المضامين الدلالية لعناصره غير المعزولة عن بعضها البعض، والحاملة لقيمها الدلالية.

وبعبارة أخرى فإن إبراهيم علي يستند ضمنياً على مفردات ذي طبيعة بصرية وهي في الواقع إدراكية، لهذا عليه ونحن معه كمتلقين التحقق من الواقعة الفعلية التي تدل على هذا المعنى أو ذاك، فالأمر عنده يتعلق بتجليات بصرية متعددة ومختلفة ومنها أي من خلال هذه التجليات يمكننا التعرف على أشيائه التي لا تبدو إلا ببعض سماتها كإقامة علاقة دلالية في حصيلتها والتي تشي بهذه القيمة أو تلك والتي تسربت إلى الذاكرة أقصد ذاكرة عمله لا ذاكرته وهذا بحد ذاته تقارب للزمن الميتافيزيقي قبل تقييمه كتركيب فني بصري حامل لشروط تولده في أوسع إغترابه بما فيها تحوله إلى ظاهرة من الصعب إثبات إخفاقها، وإن كانت الثغرة إليها ملائمة وهذا لا يتنافى مع منطق الغرق في اللامعنى المتصل باللاوعي، فإبراهيم يسعى جاهداً لإيجاد شروط ملائمة لتفعيل العمل المنتج والعمل على إنتشاره مهما كانت سيرورة التحولات مختلفة، فهو لا يخاطر لا بزمن الداخل ولا بزمن الخارج لأنه يدرك بأن المخاطرة بأحدهما يعني أن العمل سيرتد عليه أو قد يولد هجيناً.

فهذا التناظر بينهما هي من مستلزمات نتاجات حقول إبراهيم الفنية لا كاستجابة لمقتضيات نشأتها بل فاعلاً في تحولاتها دون أن يعيقها أي حركة إندفاعية وصولاً إلى تحديد ثنائية الداخل/الخارج كمسعى للتحرر من تأثير الوافد و إن بنسب قليلة، أعني أنه محكوم بما يشبع أطيافه ورغباته بأشكال فيها من التباين والتنوع الشيء الكثير وهذه إشارة بأنه أقرب إلى توقعات متلقيه وقراءاته منها إلى رغباته في إعادة إنتاج مقرونة باستطرادات قد لا تستجيب إلى التقاط الأنغام المتجاورة لتحولات الزمن الجديد والمنسربة من مدى إستفزاز عوائق تحريره لوعي العمل المنتج، و لذلك فإن أعمال إبراهيم هي أبعد من التوصيف الإنشائي على نحو ضمني بل تلح على الحديث مع ذاتها لإزالة كل أشكال القيود لتبدأ بالتكسير حيناً أو القفز عليها كنوع من المغامرة المكسية بالمخاطرة، فهو يسهم على نحو غير مباشر بل ومباشر أيضاً بتحويل الأذهان من الغرق في موضوع ما إلى المتعة به خصوصاً في أفقه الجمالي، الأمر الذي يجعل إبراهيم يحرص على بوصلته تماماً والإتجاه الذي تشير إليه فهو يستجيب لتلك الحواريات الأثيرة والمتصلة بعلاقات إنتاج معرفته و إبداعه، كما يستجيب للاختلاف في مبنى سردياته حيث يفتح النوافذ في كل تنقلاتها ويلحق بها وعلى نحو منتظم تلك المجموعة من العناصر التي ستشكل فيما بعد مقولته الجمالية  التي سيطرحها بجهد يخضع لمشروعية الإختيار والمرهون بالعثور على المتعة الصالحة كأنموذج يمشي إليه ببوصلته الخاصة، وهذا ما ينطوي عليها حضوره المكثف في ترحاله الجميل.