إبراهيم ملحم يغوص في التراث الشعبي الإماراتي

ملحم: الإمارات بذلت جهودا متميزة عربيًّـا وعالميًّـا في رعاية تراثها الشعبي وتنميته
الكتاب يعطي تصورًا عامًّـا عن التراث الشعبي الإماراتي، وراصدًا أصالة هذا التراث وتجذره في مجتمع الإمارات المعاصر
الكتابة في التراث الشعبي ليست على قدر من السهولة؛ إذ تواجه الباحث صعوبات جمّة

يشكل التراث الشعبي في الإمارات محورا مهما من محاور اهتمام الدولة الإماراتية التي دعمت وساندت كل ما يوثق هذا التراث ويرسخ حضوره من جيل إلى جيل. ويقدم د.إبراهيم أحمد ملحم في كتابه "الفلكلور في مجتمع الإمارات.. الأصالة والتنمية" ثقافة عامة حول التراث الشعبي في مجتمع الإمارات في العصر الشفوي حيث كانت الأمية سائدة، وكانت المعرفة بالكتابة على نطاق ضيِّق من الناس، ويتتبع امتداداته في الفترة التي تخطت الأمية إلى التقليدية حين اتسع نطاق الكتابة. ويلتفت إلى تجليات هذا التراث بصورة عامة في الحياة المعاصرة. وهكذا يعطي تصورًا عامًّـا عن التراث الشعبي الإماراتي، وراصدًا أصالة هذا التراث وتجذره في مجتمع الإمارات المعاصر.
وتأتي أهمية الكتاب الصادر عن نادي تراث الإمارات وفقا للباحث د.ملحم في قوله: ليست الكتابة في التراث الشعبي على قدر من السهولة؛ إذ تواجه الباحث صعوبات جمّة، أهمها: تشعُّب قنوات التراث وتداخلها بحيث يصعب تجميعها في دفة كتاب واحد ينتظمها كما ينتظم العقد حبَّـات اللؤلؤ، والتنقيب في الذاكرة الشفوية الحية للذين عاصروا إحدى الفترتين السابقتين وامتد بهم العمر، وذلك للعثور عمَّـا لا تسعفنا به الكتب، وإعطاء هذا التراث المنزلة الرفيعة التي ينبغي أن يحظى بها؛ بوصفه حاملاً لفكر وقيم السابقين، وفي الوقت نفسه، يشكل جزءًا كبيرًا من مكونات تفكيرنا وسلوكنا الذي ارتكزت عليه الثقافة عبر الانتقال الحيوي ما بين الأجيال. وهذا الأمر فرض تحديًـا آخر، وهو رصد بصمات الماضي في حاضرنا، هذه البصمات التي أسميتها "الأصالة" الجديرة دائمًـا بالبقاء، في مقابل الاستمرارية بما يناسب العصر التي أسميتها "التنمية". 
وأكد د.ملحم أن دولة الإمارات العربية المتحدة بذلت الجهودَ المتميزة عربيًّـا وعالميًّـا في رعاية تراثها الشعبي وتنميته، وبخاصة تلك التي بذلها الرحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان. وأكد هذا الباب عراقة قيم الإنسان الإماراتي القديم كالتعاون والتماسك الاجتماعي، إضافة إلى التفوق المعرفي والعلمي في المرحلة التاريخية التي كان يعيش فيها؛ حتى يقف الإنسان الإماراتي المعاصر على أرض صلبة وهو يتحدث عن تراثه الموغل في القدم، والذي استمر متناميًّـا بصورة تتجلى فيها الأصالة والمعاصرة.
وقال "كانت القيم الاجتماعية السامية متجسِّدة في العادات والتقاليد، وما يتصل بهما من علاقات اجتماعية كبرى راسخة. وقد جرى تربية الطفل الإماراتي داخل الأسرة، وفي المجالس على الانخراط في مجتمعه الكبير من خلال المناسبات الاجتماعية والدينية، والألعاب. وساعدت الرياضات المختلفة كسباقات الهجن، والصيد بالصقور على تنمية الإحساس بالمسؤولية تجاه المجتمع، وتحقيق الألفة والمودة من أجل تحقيق أهداف مشتركة، إضافة إلى الترويح عن النفس، وتحقيق صفاء الذهن. وأسهمت المرأة الإماراتية في تحقيق سعادة زوجها وأبنائها بكل ما أوتيت من عزيمة وذوق رفيع، وهو ما يبدو في أمور كثيرة تقف على رأسها المأكولات الشعبية والحلويات التي تعدها ببراعة وتفنن.
وأكد د.ملحم أن المطوِّع قام بجهود ريادية في مجتمع الإمارات، وذلك من خلال التعليم التقليدي، والعلاج الشعبي، إضافة إلى واجبه الديني في المسجد. وكذلك قام العاملون في الطب الشعبي رجالاً ونساءً بجهود ريادية في تشخيص الأمراض وعلاجها بطرائق مختلفة، أهمها: الأعشاب الطبية. وقد تحوَّل الكثير من الأشياء التي عرفها التراث الشعبي إلى رموز مرتبطة بقيم سامية كدلة القهوة، والخنجر، والصقر، واستطاعت كلمات وتعبيرات شعبية تجري على الألسنة أن تحقق نمطًـا فعَّالاً من التواصل الاجتماعي؛ لكونها تؤدي وظائف اجتماعية يستوحي قسم كبير منها الثقافة الدينية. 
أما الأمثال والألغاز والحكايات والأساطير، فقد أدت جميعها أدوارًا مهمة تتصل بالقيم التي يمجدها المجتمع؛ فالأمثال تقوِّي الرأي، والألغاز تنشِّط مهارات التفكير، والحكايات والأساطير تنتصران لقيمة الخير، وتنفران من قيمة الشر فتجعلان عواقبها وخيمة. وأدت الأغنية الشعبية والرقصات ـ التي غالبًـا ما تصاحبها ـ دورهما في جذب الفرد للمشاركة في المناسبات الاجتماعية، والتعبير عن تأثره بما يحدث في الحياة اليومية كالاحتفال بالأعياد، والزواج، والاحتفاء باستقبال الحاكم. وكان الشعر النبطي محتوىً للغناء، إضافة إلى كون قصائده تحظى بالتداول بقوة، وتُنشد شفويًّـا باللهجة الإماراتية، وتمجِّد قيم البطولة، مما جعله يُدرج ضمن الأدب الشعبي على الرغم من بقاء اسم قائل النص.

الجهود التي تبذلها الدولة الإماراتية للحفاظ على الأصالة، وكذلك الجهود التي تبذلها لتنمية هذا التراث بما يواكب روح العصر، تؤكد جميعها هذه المنزلة الرفيعة التي يحظى بها تراث الإمارات

ورأى أن عبقرية الإنسان الإماراتي في مجال الاقتصاد؛ فقد استطاع تنويع مصادر الدخل؛ إذ عمل الرجل في الغوص بحثًـا عن اللؤلؤ، وفي تصنيع الفخار، وغيرهما من الحرف والصناعات التقليدية. وعملت المرأة في السدو، مما يؤكد الشراكة الحضارية بينهما في تقديم كل ما يمكن أن يضمن العيش الكريم مهما كان مستوى المشقة المبذولة في سبيل هذا الأمر.
وأضاف د.ملحم أن الثقافة المادية قامت على الحفاظ على الحياة فوق هذه الأرض؛ فاخترع الإماراتيون أنظمة الأفلاج للتغلب على شح الماء، والإيفاء بحاجة الإنسان ومتطلبات حياته القائمة عليها. وصمَّموا العمران التقليدي بما يتوافق مع الطبيعة الجغرافية للمنطقة، وبما يتوافق أيضًـا مع العادات والتقاليد، وبما يحقق للأفراد مزيدًا من التماسك الاجتماعي.
وانتهى د.ملحم إلى إن الجهود التي تبذلها الدولة الإماراتية للحفاظ على الأصالة، وكذلك الجهود التي تبذلها لتنمية هذا التراث بما يواكب روح العصر، تؤكد جميعها هذه المنزلة الرفيعة التي يحظى بها تراث الإمارات، وإن القراءات المعمَّقة لهذا التراث، وتمظهره في ثقافتنا ليست إلاَّ دلائل على جدارته في البقاء، والحفاظ على الهوية بوصفه بصمة واضحة المعالم لهذا الشعب العريق الذي أسهم في بناء الحضارة الإنسانية لكونه جزءًا أصيلاً منها.
الكتاب تألف من خمسة أبواب، تندرج تحت كلٍّ منها فصول تشكِّل في مجملها المفاصل الرئيسة لهذا التراث. يقوم الباب الأول (مداخل جوهرية) على: التراث الشعبي، والأدب الشعبي، والاهتمام بالتراث الشعبي، والإنسان الإماراتي القديم. 
ويضم الباب الثاني (الحياة الاجتماعية): العادات والتقاليد، العلاقات الاجتماعية الكبرى، تربية الطفل الإماراتي، العيد في الذاكرة الإماراتية، الحلي والأزياء والحناء، المأكولات الشعبية، الألعاب الشعبية، الصيد بالصقور، وسباق الهجن. 
ويدرس الباب الثالث (الحياة الثقافية) ـ الذي يمثل أكبر فصول الكتاب عددًا ـ كلاًّ من: التعليم التقليدي، الطب الشعبي، رموز من التراث الشعبي، كلمات وتعبيرات شعبية، الأمثال الشعبية، الألغاز الشعبية، الحكاية الشعبية، الأسطورة الشعبيـة، الأغنيـة الشعبية، الرقصات الشعبية، والشعر النبطي. 
أما الباب الرابع (الحياة الاقتصادية)، فيتناول كلاً من: الغوص على اللؤلؤ، والسدو، وتصنيع الفخار، وحرف وصناعات تقليدية. 
وأما الباب الخامس (الثقافة المادية) فيضم فصلين، هما: العمران التقليدي، والأفلاج. وقد انتهى الكتاب بخاتمة تجمل أهم النتائج التي خرج بها.
وقد سار د.ملحم على منهجُ البحثِ الوصفي في الأبواب السابقة على النحو الآتي: عرض الظاهرة، وتحليلها، وضرب الأمثلة المناسبة عليها، إضافة إلى ربط هذه الظاهرة بالحياة المعاصرة، وبخاصة فيما تنهض الدولة بتقديمه لهذا التراث، وما يقدمه الإعلام من أنشطة وفعاليات مختلفة.
يذكر أن د.ملحم حصل على الدكتوراه في الأدب والنقد في جامعة اليرموك بالأردن عام 1998، ويعمل في التدريس بجامعة الإمارات العربية المتحدة في العين منذ 1998. وله ما يزيد على 25 كتابًـا في الأدب والنقد، وبخاصة الأدب الإماراتي، ومنها: منزلات الرؤيا: الشاعر العربي المعاصر وعالمه، والتفكير النقدي وتحولات الثقافة: تشكل الرؤية في ظل حوار الحضارات، وشعرية المكان: قراءة في شعر الدكتور مانع سعيد العتيبة، وتمرد الأنثى: قراءة في شعر الدكتور مانع سعيد العتيبة، وبنائية المعنى في النص: قراءة في الشعر الإماراتي، وشعر الشباب في دولة الإمارات: جيل ما بعد الحداثة.