إزاحة الحجب عن شعر الخليفة إبراهيم بن المهدي

إبراهيم بن المهدي لم تشغل شاعريته كثيرا من المصنفين القدماء، ولم تلفت غالبية الباحثين المعاصرين.
الباحث يقسم دراسته التوثيقية في شعر إبراهيم بن المهدي إلى أربعة أقسام
مَنْ قالَ في النَّاسِ .. قالوا فيهِ ما فيهِ ** وحسبُهُ ذاكَ مِنْ خِزْيٍ ويَكْفيهِ

هل الخلافة أو الإمارة السياسية والشعر لا يجتمعان؟ وهل إذا اجتمعا لا يصدق الناس أن هذا الخليفة أو ذاك الأمير هو الذي يكتب هذ الشعر الجيد؟ وقد يزعم البعض أن هناك من يكتب شعرا للخليفة أو الأمير، فيعطيه من عطاياه ليتنازل له عن شعره، ويصبح من تأليف الخليفة أو الأمير. وعلى هذا لا يلتفت النقاد والباحثون الجادون إلى هذا الشعر على أساس أنه ليس لصاحبه، أو على الأقل أنه مشكوك في نسبته إليه.
وقد أضير الشاعر الخليفة إبراهيم بن المهدي (162 ـ 224 هـ) ـ الذي ولِّي الخلافة في بغداد لمدة عامين ـ من هذا الأمر، فلم تشغل شاعريته كثيرا من المصنفين القدماء، ولم تلفت غالبية الباحثين المعاصرين، كما يذهب إلى ذلك د. محمد مصطفى أبوشوارب في كتابه "شعر إبراهيم بن المهدي .. وأخباره ونثره" الصادر عن مركز البابطين لتحقيق المخطوطات الشعرية (سلسلة "من تراثنا الشعري") التابع لمؤسسة جائزة عبدالعزيز سعود البابطين للإبداع الشعري.
ويرى الباحث أن ثمة أسبابا عديدة دفعت الأقدمين والمحدثين إلى عدم العناية بشعره، يأتي في مقدمتها بروز بعض ملامح شخصيته دون بعض، وظهور بعض وجوهه دون بعض.
وإذا كان البعض ينفي صفة الشاعر عن إبراهيم بن المهدي، فإنه لم يستطع أن ينفي صفة المغني عنه، فقد بلغت شهرته في الغناء حدَّ أن صار واحدا من أعلام هذا الفن، ومنافسا لأهم أقطابه، وصاحب طريق جديد فيه.
لقد انتُخِبَ الأمير العباسي إبراهيم بن المهدي، خليفة من البيت العباسي حتى فراره بعد مسير المأمون إلى بغداد سنة 202 هـ، فكانت دراسة حياته أمرا مغريا للباحثين عن دراسة شعره، بما فيهم أبوشوارب الذي قسم دراسته عن بن المهدي إلى قسمين: حياة إبراهيم بن المهدي وأهم أحداثها، وشعر إبراهيم بن المهدي .. دراسة توثيقية. فأبوه محمد المهدي كان ثالث خلفاء بني العباس، وكان إبراهيم شديد الشبه به حتى أن أخاه الرشيد يناديه بقوله: "يا بقية أبي" لشدة شبهه بالمهدي.
يقول الباحث: "تصور المصادر لنا إبراهيم ضخمة الجثة، حسن المنظر، بديع المرأى، أسود شديد السواد، براق اللون، بالغ التأنق في ملبسه وهيئته". ولعل سواده هذا ما جعل د. عبده بدوي يكتب عنه في دراسته "الشعراء السود وخصائصهم في الشعر العربي"، وفيها يقدم ترجمة موجزة لإبراهيم مع بعض الإشارات الفنية والتعليقات النقدية على جوانب من تجربته الإبداعية.

وإذا كان البعض ينفي صفة الشاعر عن إبراهيم بن المهدي، فإنه لم يستطع أن ينفي صفة المغني عنه

وتكشف الدراسة عن دور إبراهيم بن المهدي في الصراع الدائر بين الأمين والمأمون، وانحيازه للأمين ووفائه له. 
قال له يسترضيه ويستعطفه:
ذَنْبِي إليكَ عظيمٌ ** وأنتَ أعظمُ منْهُ
فخُذْ بحقِّكَ أَوْ لا ** فاصفحْ بعفوِكَ عنْهُ
إنْ لم أكُنْ في فِعَالي ** من الكرَامِ فَكُنْهُ
لقد قسم الباحث أبوشوارب دراسته التوثيقية في شعر إبراهيم بن المهدي إلى أربعة أقسام هي: ما تحققت نسبته إلى إبراهيم بن المهدي، ويشتمل على 393 بيتا، وما نسب إليه وإلى غيره من الشعراء، ويشتمل على 58 بيتا، وما غنى فيه إبراهيم بن المهدي ونسب إليه، ولم يقف الباحث على نسبته إلى غيره ويشتمل على 16 بيتا، وما غنى فيه إبراهيم بن المهدي، أو استشهد به، أو تمثله، ونسب إليه وتحققت نسبته إلى غيره، ويشتمل على 42 بيتا.
يقول إبراهيم بن المهدي في أبيات تفيض عظة وحكمة:
مَنْ قالَ في النَّاسِ .. قالوا فيهِ ما فيهِ ** وحسبُهُ ذاكَ مِنْ خِزْيٍ ويَكْفيهِ
مَنْ نمَّ في النَّاسِ لمْ تُؤمَنْ عَقَارِبُهُ ** عن الصَّديقِ وَلَمْ تُؤمَنْ أفاعيهِ
كالسَّيْلِ يَجْرِي ولا يَدْرِي بهِ أحَدٌ ** مِنْ أينَ جَاءَ ولا مِنْ أينَ يَأتيهِ
(فالويْلُ للعهدِ منهُ كيفَ يَنْقُضُهُ ** والويلُ لِلوُدِّ مِنْهُ كَيفَ يُفْنيِهِ)
لو فَرَّ مِنْ رِزْقِهِ عَبْدٌ إلى جَبَلٍ ** دُونَ السَّماءِ لألفَى رِزْقَهُ فيهِ
لقد حاول الباحث د. محمد مصطفى أبوشوارب أن يزيح عن الشاعر إبراهيم بن المهدي ما أسدلت عليه صروف الزمن وعوادي الإهمال جميعا من حجب تحول بينه وبين قارئ الشعر العربي، بأن يوفر نصوص هذا الشاعر مجموعة موثقة، وأن يكشف بعضا من أحداث حياته وأبعاد شخصيته، على نحو يسهم بقدر ما في محاولة تصوره، فكان له ما أراد في هذا الكتاب (452 صفحة) الصادر عن سلسلة "من تراثنا الشعري" التي تهدف إلى "إتاحة الفرصة للأجيال الجديدة من العرب للاطلاع على جهود أسلافهم"، على حد قول الشاعر عبدالعزيز سعود البابطين في كلمته عن تلك السلسلة التراثية.