إعادة الوعي بالقراءة في 'العاطلون عن الحياة'

الكاتب اليمني مهيب نصر يناقش في كتابه جملة من العناوين منها: ثقافة التخلص، هل تعلمون ما السؤال، نتف من تاريخ الأرهاب وعصر التوحد.
العطالة ليست عن العمل فقط

عمّان - "نفثات مصدور، وصيحات ثائر، وآهات مكلوم، غلب عليها الغضب والأسى، ورجح فيها الإنكار بالإقرار، ولا جرم، فهي بث الشباب بصدقه وحماسه، وبوح الأمل باندفاعه والتياعه".
بهذه الكلمات يقدم د.عدنان إبراهيم  كتاب "العاطلون عن الحياة" للكاتب اليمني مهيب نصر.
وفي تقديم موضوعات الكتاب الصادر عن "الآن ناشرون وموزعون" بعمّان، يقول المؤلف: إن "اقتصار العطالة على من لا يجد عملًا، عطالة في التفكير، وكزازة في الفهم، ورؤية مزورة، تراكم العجز على العجز، وتبين الحصرية على ما دونها من سعة".
يعرض المؤلف في 152 صفحة من القطع المتوسط مقالات تتناول جوانب من الحياة التي يقول فيها الشاعر: 
"مشيناها خطى كتبت علينا
ومن كتبت عليه خطى مشاها".
 الكاتب الحاصل على بكالوريوس في القانون له العديد من الأبحاث في الترف من وجهة نظر القانون يستهل تجربته مع القراءة التي توفرت له عقب إجازة من العمل، واكتشف خلالها متعة معرفة الحياة التي انتبه لها بعد أن كان غارقا في أتون العمل، ليخرج إلى أفق آخر.

العاطلون عن الحياة
مشيناها خطى كتبت علينا

يتحدث عن رفقته لجبران خليل جبران من خلال سيرته التي دونها الشاعر اللبناني  المغترب ميخائيل نعيمة، مضيئا على روحه المتوقدة بالشعر والرسم والموسيقى المشتعلة بالحنين لوطنه، وهو يرى في جبران نموذجا للناس الطامحين الذين يهتمون بجمرة الحرف والذين أحدثوا انقلابا في الكتابة.
ويتوقف عن الحال العربي الراهن الذي يتسم باليباس، لافتا أن تهميش الطاقات هي السمة التي أحاطت بالمصالح المتهافتة .
ويستعير لسان جبران وهو يتقلب بين الغربة والحنين وخيارته للعزة والحرية في قوله: "إنه صراع الكينونة، صراع البرد وسحابة الصيف، صراع النور والظلام، مساكين من اختاروا المجد في أمة أضاعت مجدها، ما أشد مصيرهم وما أقسى مصيرهم".
في رحلته التي مشاها في بلاد الكتب يقارب بين كتابين لأحد المؤلفين، ويتحدث الأول عن الحب بينما يتناول الثاني موضوع الفلسفة، وفي تلك الرحلة يقرأ كتابا عن الاستبداد والظلم، ويتساءل الكاتب ما الذي يخسره المضطهدون، ويستعيد مقولة دستويفسكي، "كيف نخاف البلل ونحن الغرقى"، مستدركا ومحرّضا على التعبير عن مشاعرنا كما دون العمالقة كلماتهم المضيئة التي بقيت خالدة، ويقول المؤلف: "اكتبوا من أجل مشاعركم حتى لا تتلبد، لا من أجل الأرواح الصاعدة إلى بارئها فحسب، بل من أجلكم أيها المثقفون".
ويوجّه خلال ذلك النقد للمثقفين الذين يتخلون عن أدوارهم كنماذج في المحبة والتسامح والعطاء والكمال والوعي لمصلحة المنافع الزائلة.
ويعرِض خلال الكتاب الكثير من العناوين والموضوعات والأفكار التي توقف عندها في عدد من الأعمال الأدبية والفكرية والروائية لكتاب عرب وأجانب، جبران، ماركس، دستويفسكي، نيتشه، ماركيز، ماركوزه، منتقيا من تلك الحدائق موضوعات يسقطها على الواقع الراهن.

كيف لشخص مثل أينشتاين ولم يتم الخامسة والعشرين من العمر أن يفجر بنظريته روح الفيزياء

ويلج في عتمة الغابات مضيئا على بعض العفن في التاريخ الذي حارب التنوير والحكمة والإبداع والجمال، مقاربا السمات النفسية والعوامل الاجتماعية والبيولوجية التي تصنع التطرّف في نفوس البعض، من خلال كتب تاريخ الأمم والملوك.
الكتاب يشتمل على جملة من العناوين التي ناقشها الكاتب، ومنها: ثقافة التخلص، هل تعلمون ما السؤال، داء الكلب السياسي والاجتماعي، نتف من تاريخ الأرهاب، عصر التوحد.
الكتاب الذي تمتاز لغته بالقوة والمفردات الجزلة التي شرحها الكاتب في ذيل الصفحات، هو ليس مجرد توصيف للكتب، أو مختارات ومصنفات، بل حوار يناقش ويستنتج ويقترح ويضيف ويستعيد من التاريخ ويقارب ويقارن الأحداث لوعي الحاضر.
داعيا في موضوعه الذي حمل عنوان "الثقافة التخلصية" إلى إعادة الوعي للإنسان بالعقل والعلم.
ويقول على غلاف الكتاب، كيف لشخص مثل أينشتاين ولم يتم الخامسة والعشرين من العمر أن يفجر بنظريته روح الفيزياء، وكيف لمناضل مثل عبدالقادر الجزائري أن يدوخ ثاني أكبر أمبراطورية في العالم.
ويختم: الروائي فيكتور هيغو الذي كتب ودوّن رواياته وملاحمه في الخامسة عشرة من عمره، لو كان بيننا لقيل له، لماذ تكتب، وما عساك أن تغير أيها الأحمق. 
يشار إلى أن الكاتب من مواليد الضالع باليمن، صدرت له مجموعة من الكتب، منها: الرحلة رقم 27، البحث عن المعنى، ثورة الوعي، والعواصف العقلية.