بلال شرارة يكتب ما لا يسر أحدا

الكاتب اللبناني يطلقَ قلمه الحر ليغني عن ليلاه وليل الآخرين عبر صهيل جواده الداخلي ليقول لنا أشياءَ كثيرة مغموسة بلوعة الحياة.
أنا متعبٌ من حملِ كل عمري على كتفي
مقالات لها صدى واسع على قلبي وعقلي المغلف من عدة طبقات انكسارية

بقلم: قاسم ماضي 

الكتابة حرفة وموهبة وليست صناعة ولملمة، إنها جمع وليست تجميعا ًكل هذا في كتاب "كلام ليس يسرًكُم " للشاعر والكاتب اللبناني بلال شرارة صرخة ذاتية من واقع مؤلم.
إنتابتني موجة من الحزن والقلق، ورحت أقرأ هذه المقالات بتأمل، وتهتُ في إزدحام ِالرؤى الكثيرة التي يحملها هذا الكاتب والشاعر الوطني شرارة، والمتشبث بقضايا الأمة التي "انحدرت إلى الدرك الأسفل من هذا التاريخ المرير نحو مزيد من الانكسارات والانقلابات والحريات الأسيرة ". 
مقالات لها صدى واسع على قلبي وعقلي المغلف من عدة طبقات انكسارية، حتى لامستُ ما كنتُ أحلم به منذ نعومة أظافري، ويبدو أن شرارة قرأ كثيرا عن الفلاسفة والشعراء الذين سبقوه والذين عاصروه. 
"كم أود لو أني لا شيء"!" هل أنت.
حتى  أطلقَ قلمه الحر الشريف ليغني عن ليلاه وليل الآخرين في هذا الكتاب، عبر صهيل جواده الداخلي ليقول لنا أشياءَ كثيرة مغموسة بلوعة الحياة، حتى أدخلني في لمحات من صيرورة هذه الحياة التي هي هوية وجودنا. وبتنا نخاف الأشياء من مسمياتها.
"عندما كنت حيا ًتطوعت مع الثورة". 
وأنا أجد ذلك الشاعر والكاتب شرارة القادم من لبنان، وهو منهمك بتوزيع إصداراته الخمسة لعام 2017 في قاعة بنت جبيل، أراد أن يقولَ الكثيرَ، لأنه يملك إحساسا ًمتفوقا بالناس والأمكنة، وهو قريب إلى أحبته من مدينة ديربورن الأميركية، وهم من الفارين من عذابات الوطن. 
"ورأيتُ الموتَ مراتٍ ومرات"، ياما "طاردني القصف والرصاص". وجدتُه يشكو عبر توقيع هذه الكتب وكأنه يحملُ في صدره الكثيرَ الكثيرَ من الهموم والمآسي، ليس لأنه شاعر بل هو صاحبُ قضية وصاحبِ القلم الحر. 

صنوان لا يفترقان
عاطفة متلاشية لحب عتيق يتكور في الظل والسكت

"أنا مقتنع تماما بما أفتى به الشاعر الصديق حسن العبدالله  من أني لا أحتاج أن يقدمني أحد". 
هذا الكتابُ يقع في 215 صفحة من القطع المتوسط، ومن نشر دار عالم الفكر في لبنان، هذه المقالات التي يطل من خلالها شرارة، هي دروس معرفية واضحة لكل من يتابعه فيها من العتاب لمن يعرفه، وهو يرسل لنا رسائله وكأنه يقلّب صفحاتِ حياته التي عاشها في لبنان بلغةٍ رشيقة فيها  الكثير من الشفافية، وكأنه يُفلسفُ حياته التي شيدّها بآهاتِ الحزن والألم. 
"أنا متعبٌ من حملِ كل عمري على كتفي".
والكثير من ملامسة الروح العاجة بالصور الحياتية، وكان يمكن أن يتمَ تطويع مادة الكتاب إلى نص روائي، لأن الرواية تمتلك طاقتها في  السرد أو ما يسمى بـ "الحكي" وشخوصه هي الأمكنة والأزمنة، والرواية هي سرد نثري يصف شخصيات خيالية أو واقعية وأحداثا ًعلى شكل قصة،  فهي كالشريط السينمائي فيها بداية وعقدة وربما حتى حلول لمشكلات العصر، أو ربما الحل متروك للقارئ كما شرارة في مقالاته.
يقول الدكتور وجيه فانوس سر وجود بلال شرارة في هذه المقالات كما جوهر تعبيره عن هذا الوجود يكمنان في الانطلاق الدؤوب والمصر من صدقية ما يكشفه بلال شخصي وآني في حياته". كما يضيف قائلاً "مع ما يعانيه بلال ويعبر به، فعل انطلاق إلى حقيقة كبرى للوجود". 
ومن هنا فهو - شرارة الشاعر والكاتب - يهرب من عالم الإنسان الذي أوصله إلى ما هو عليه الآن. وهو يستصرخ الوادي الذي يتأمله يوميا كثيرا فيجد الإنسان الآن قد تغير كثيرا، فظلت  فضاءات الكلمات في مخيلته باقية متشبثة بأنها هي المحرك الأساسي للبناء والتغيير، فكان للكلمة دور في بناء المجتمعات في المواقف العصيبة والأزمات، فهو يخاطبهم واحدا واحدا، فهو الأديب الذي يملك عقلاً واعيا متسلحا ًبالوعي والإيمان بالهدف. ولهذا يصرخ بالذهاب الى الحجر والشجر ليقول هناك كلماته ربما يجد لها صدىً واسعا لتحقيق أهدافه الإنسانية: 
"أنا سأذهب الآن إلى الوادي، وأدعو أشجاري وأطياري إلى المشاركة في إستفتاء عام على الانفصال عنكم". 
فتتحول الكتابة عنده كما تلقاها إلى ممارسةٍ خلابة لعفوية تداعي الأسماء والموجودات والدلالات، ضمن إمكانيات شديدة الإنفتاح لتشكلات رؤيوية ومضمونية، حتى تجده هو المتصفح إلى أوراق حياتنا نحن أبناء البشر الذين نعيش هذا القرن.
"عاطفة متلاشية لحب عتيق يتكور في الظل والسكت".
فهناك الكثير من الثيمات القيمّة التي عالجها شرارة منها قضية فلسطين، ولبنان، الأم، الوطنية، حب الآخر، الوحدة لدى الكاتب، الغربة وغيرها من المشكلات والأزمات.
"لعل الأشد روعة في المقالات، وقد يكون منطلق سر الروعة عند بلال شرارة الإنسان والكاتب والمناضل وحتى المواطن، أن تبقى فلسطين والأم في كتابته، مباشرة أو مداورة، صنوان لا يفترقان.