إعمار غزة لن ينهي حربا عوامل اندلاعها قائمة

غزة تحتاج إلى اعمار حياتها وليس ابنيتها فقط.
حرب الرشقات انتهت بما تركته من آثار كارثية على حياة البشر في غزة
جو بايدن يتذكر الآن بعد خراب غزة أن حل الدولتين هو الحل الوحيد الممكن
آن الأوان لتدرك واشنطن أن الإعمار المفيد للشركات الأميركية لا يستديم صرحه دون تلبية حقوق الفلسطينيين

الحرب ليست نزهة يتباهى بها المتحاربون، فخسائرها، حصاد رؤوس لن تنبت بذورها من جديد في أرض اختلط ترابها بشظايا القنابل المدمرة، واعتلت فوقها ركامات الخراب المعرقلة لنسغ الحياة الصاعد.

في أوج اندلاعها، وتصاعد عنفها المدمر، تعالت دعوات السلام من هنا وهناك، وانطلقت المبادرات على نحو متسارع في عجلة دبلوماسية، لن يستجيب لها بنيامين نتنياهو إلا بعد بلوغ أهدافه "التكتيكية" وجني مكاسبها الآنية، والخروج من زنزانة الأزمات المحاصر فيها، وإعادة تأهيل وجوده في خارطة سياسية مضطربة.

دمرت غزة، على مدى احد عش يوما، ودعوات السلام لم تجد أذنا صاغية في تل أبيب، إلا بعد الإعلان عن ضرب آخر هدف مرسوم في خارطة حرب غير متكافئة.

الحرب قائمة بمعنى صراع متغير على الدوام، وإن كانت بلغة صامتة في مراحل ما، تأخذ شكلا سياسيا أو اقتصاديا، لكن دعوات السلام لا يطلقها أحد إلا بارتفاع سقفها إلى قوة مجابهة نارية تحصد رؤوسا بشرية، وتدمر مظاهر الحياة.

تذكر الآن جو بايدن بعد خراب غزة أن "حل الدولتين هو الحل الوحيد الممكن للنزاع الفلسطيني – الإسرائيلي "، وكان الحرب وحدها من تحرك العقول الراكدة عند مستنقع الحقوق الضائعة، فتطلق دعواتها في زمن متأخر، دون اعتبار لضرورة استحداث آليات تنفيذية لمضامين تلك الدعوات.

كان جو بايدن يكرر برفقة مؤسسته الدبلوماسية "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها" متجاهلا الحق الفلسطيني في الدفاع عن الوجود في نضال مشروع ضد قوة احتلال غاشمة، تجرد الإنسان من مقومات حياته وهويته، وتنتزع حتى البيت الذي يأويه.

أخطأ جو بايدن متعمدا في وصف الفلسطينيين المدافعين عن مقدساتهم وبيوتهم أمام قطيع من المستوطنين بـ "المتطرفين"، واضعا الصدام بين الطرفين في حلبة صراع إسلامي يهودي متطرف فهو يقف متفاخرا بقوله: " لقد أبلغت الإسرائيليين من الأهمية بمكان أن يضعوا حدا لهذه الصدامات بين المجموعات في القدس والتي هي من فعل متطرفين من كلا الطرفين ".

رؤية أميركية قاصرة، لم تتجرأ قبل كل شيء على إصدار بيان إنساني عبر مجلس الأمن الدولي يدعو إلى وقف إطلاق النار تاركا المجال لحكومة بنيامين نتنياهو المهددة بإنهاء مهامها، لتحقيق أهدافها السياسية وضمان بقاءها بحرب همجية راح ضحيتها العشرات من الأبرياء.

حرب الرشقات انتهت بما تركته من آثار كارثية على حياة البشر في غزة، واكتفى جو بايدن بالحديث عن مؤتمر دولي لإعادة إعمارها، متغافلا عن حقها في الحياة بكسر قيود العزلة والحصار المطبق بقسوة حول دائرتها، فما قيمة الإعمار في بلد محاصر دمرته الحروب العدوانية المتتالية؟

آن الأوان أن تدرك واشنطن في ظل إدارة جو بايدن للبيت الأبيض أن الإعمار الذي تجني مكاسبه شركات الاستثمار العابرة للحدود في حركة مال يغادر خزائنه بعد حرب مدمرة، لا يستديم صرحه في غياب آليات تنفيذ الإقرار بحق الشعب الفلسطيني في دولته المستقلة وعاصمته القدس الشريف.