ضمنت إسرائيل أمنها.. من يضمن أمن لبنان؟

استعادة سيادة لبنان، الحرب الأصعب على الإطلاق، لا يحسمها انتخاب رئيس او تشكيل حكومة بديلة لحكومة تصريف الأعمال، حزب الله لم يكن مجرد حزب تشكل بشرعية مبادئ دستورية، او ترخيص رسمي.

اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان مصاغ على مقياس دقيق لضمان أمن إسرائيل من أي خطر يهددها، بعد تفكيك أركان وجود حزب الله وتشتيت أهم محور إيراني في الشرق الأوسط، دون الخوض في مخاطر تهدد أمن الشعب اللبناني المتطلع لاستعادة سيادته المصادرة رغما عنه.

ضمنت الولايات المتحدة أمن إسرائيل في حيثيات اتفاق غير متكافئ، جعل لبنان يتحمل أعباء الهزيمة التي جناها حزب الله بلا أدنى ضمانة من مساوئ سلوك مهزوم سيسعى لإعادة تموقعه بعيدا عن حاضنته الفاقدة لحصونها، مجردا من قوته العسكرية.

واشنطن ضمنت أمن إسرائيل من خطر بوابة لبنانية، ورأت في الاتفاق عودة لسيادة لبنان. لكن أية سيادة تحيا بواقع الخوف من المجهول، حزب الله استسلم لشروط إسرائيل، لكن أحدا لا يعتقد بخضوعه لمبادئ سيادة الوطن، فإذا ما فقد سلاح القوة العسكرية التي طالما فرضها أمرا واقعا في الهيمنة على مؤسسات الدولة، وأسكت بها الجميع، سيشهر سلاح إثارة صراع داخلي قد يتطور إلى حرب طائفية له الخبرة في تغذيتها وفق عقيدة "ولاية الفقيه".

استعادة سيادة لبنان، الحرب الأصعب على الإطلاق، لا يحسمها انتخاب رئيس او تشكيل حكومة بديلة لحكومة تصريف الأعمال، حزب الله لم يكن مجرد حزب تشكل بشرعية مبادئ دستورية، او ترخيص رسمي، نشأ منذ البدء باستراتيجية مصادرة مؤسسات الدولة والتحكم بمفاصلها، حاكم أوحد أدار السلطات الرئاسية والبرلمانية والحكومية والمالية والقضائية في دولة جعلها مجرد تابع صغير لـ"ولاية الفقيه"، كل شيء ما زال بيده، والقوى السياسية الأخرى منكفئة على نفسها، بعضها تحالف معه، وبعضها اختار الابتعاد مغردا في المناسبات.

أي موقع سيختاره حلفاء حزب الله بعد المصادقة على هزيمته؟

خارطة القوى السياسية ستتبدل بتحالفاتها وتموقعها، وربما سيبحث حزب الله عمن ينضوي تحت عباءته، ويتغذى من شرعية وجوده.

إسرائيل ضمنت أمنها، ولبنان لم يضمن سيادته بعد، والطريق نحو السيادة مازال بعيدا، الأحزاب السياسية لم تحزم أمرها قبل ان تحصر التداعيات، وهي المدركة أن حزب الله لن يسلم ما استحوذ عليه في نزال تقليدي ووراءه مؤدلجون ومنتفعون وسماسرة ومهربون وحاضنة اقليمية مازالت تنازع من أجل البقاء.

إسرائيل تكرس أمنها في رؤية إستشرافية، ربما خططت لها في دهاليزها السرية، بدفع حزب الله إلى ما وراء نهر الليطاني بسلاح يكفي لخوض حرب اهلية تستنزف ما تبقى لديه من قوة، حرب عوامل نشوبها قائمة في بيئة تنتعش فيها الصراعات التي تغذيها قوى خارجية.

يبقى أمن لبنان على حافة الهاوية، وتبقى السيادة أبعد ما يكون طالما بقي حزب الله فصيلا إيرانيا لاعبا في الخارطة السياسية ولو بلباس مدني مجرد من سلاحه.