إيران والتحديات الاكبر منها

الموجة المتصاعدة من الغضب الشعبي أصبحت عاملا رئيسيا قد يحدد مستقبل الحكم في إيران.

تباينت التأثيرات والتداعيات المختلفة لهجمة 7 أكتوبر 2023، على إيران والمنطقة والعالم، ومع إن المنطقة والعالم قد تعاملوا مع هذه الهجمة بحذر تطغي عليه العقلانية ولاسيما من حيث ما سيحدث بعدها، فإن طهران قد شذت عن هذا التعامل وتبنت سياقا مختلفا يعتمد على التعامل الآني الانتهازي وترك ما سيحدث بعد ذلك الى إشعار آخر.

في إيران، وبعد هجمة 7 أكتوبر 2023، غرقت الاوساط السياسية والاعلامية هناك في بحار من الفنطازيا الابعد ما تكون عن الحقيقة والواقع، ولاسيما من حيث التركيز على عامل التحفيز الديني لإثارة عواطف المسلمين عموما والعرب خصوصا كي تقوم كدأبها بتوظيف وإستخدام النتائج المستخلصة في تحقيق مكاسب وإمتيازات على حساب المنطقة، لكن ومع الاخذ بنظر الاعتبار إن المنطقة ومنذ هذه الهجمة قد شهدت تغييرات جوهرية، يبدو من الواضح إنها قد صدمت طهران وأربكت حساباتها.

التغييرات التي حدثت من جراء الاثار والتداعيات المتنائية لهجمة 7 أكتوبر 2023، لم تكن وفق السياق الذي رغبت به طهران بشدة وحتى عملت بكل جد من أجله، بل إن هذه التغييرات قد ساهمت بتعميق الازمة العامة لإيران والتي حاولت طهران التخفيف عن ثقلها من خلال إستغلالها لتلك الهجمة، وهذا ما قد غيرت من مسار الخيارات الايرانية وحتى جعلتها أكثر تعقيدا ولاسيما من حيث تقليص هوامش المناورة لديها، وهو الامر الذي أجبرها على مواجهة تحديات غير مسبوقة.

سعي طهران من أجل إستغلال عامل التحفيز الديني وأدلجة الهجمة، لم يكن من أجل الاسلام والقضية الفلسطينية كما كان يبدو في ظاهرها، وإنما من أجل أوضاع داخلية متأزمة الى أبعد حد ولا يجب هنا أن ننسى إن هجمة 7 أكتوبر 2023، قد جاءت بعد أن واجهت إيران واحدة من أعنف الاحتجاجات السياسية ـ الفكرية ضدها، سياسية لرفضها النظام القائم أساسا، وفكرية لأنها رفضت تعاطي النظام مع القضايا المرتبطة بالمرأة والحرية، والملفت للنظر هنا، إنه وفي وقتها صورت الاوساط السياسية والاعلامية الايرانية هجمة 7 أكتوبر بأنها مدد غيبي من أجل نصرة النظام الديني القائم في إيران في مواجهتها للرفض الشعبي الايراني!

الرفض القاطع الذي أعلنه المرشد الاعلى علي خامنئي للمفاوضات مع واشنطن، قد جاء لكونه يعلم جيدا بأن حقيبتهم خاوية من أي أوراق يمكن الاستفادة منها على طاولة التفاوض، ولعمله جيدا بأن تقليص هامش المناورة من جراء الزلزال الاقليمي الذي حدث لدورها ونفوذها الاقليمي، سوف يكون بالضرورة حاضرا ومؤثرا على طاولة التفاوض.

غير إن  التهديد الأكثر خطورة لا يأتي من الخارج، بل من الداخل، خصوصا وإن مٶشرات الانتفاضة الشعبية تلوح في الأفق، وقد صار واضحا إن شرائح واسعة من الشعب الإيراني لم تعد تخشى النظام، وإن التظاهرات والاحتجاجات الواسعة خلال الذكرى السنوية للثورة الإيرانية عام 1979 أثبتت أن الشارع الإيراني لم يعد خاضعا للقبضة الأمنية للنظام. فالموجة المتصاعدة من الغضب الشعبي أصبحت عاملا رئيسيا قد يحدد مستقبل الحكم في إيران.