إيقاعات متفردة على هامش رواية "العراء"

رواية حفيظة قارة بيبان تفتح الأقواس وتعيد إلى قلب الحدث الألم الدفين. 
الرواية تتحدث عن استلاب فلسطين والمقاومة التي أخذت أشكالا وسنوات ولم تنته بعد
بنت البحر تكتب بقلبها النابض بالأحاسيس عن معاناة البطلة مع السرطان

ترسو بنا "بنت البحر" الكاتبة التونسية حفيظة قارة  بيبان على شط كان يتلهف للقائها. وما أكثر الشطوط التي نتمنى أن نعود إليها سالمين. في رواية تفتح الأقواس وتعيد إلى قلب الحدث الألم الدفين. استلاب فلسطين والمقاومة التي أخذت أشكالا وسنوات ولم تنته بعد. 
من الذي من الممكن أن تفعله عندما تجد نفسك هكذا وحيداً تائهاً بلا مأوي أو سكن، وأمل بالنجاة من مرض ينهش أعضاء الجسد، ومرض آخر ينهش أجزاء الأرض التي أحببتها وجئت منها، فيفقد أبطال الرواية هناء عيشتهم. 
نجد البطلة الأولى دجلة امرأة قوية تحاول أن تتخطي المعاناة. معاناة مرضها اللعين وتحكي عن اكتساح مرض أقوى تسبب فى عذابات حبيبها وتشريده وموته وغربة آلاف الفلسطينين. وتبدأ قصتها عندما حملت السفينة القبرصية "سولفارين" ألف ومائة مرحِّل من بيروت إلى تونس ليتيهوا في الأرض.
تكتب بنت البحر بقلبها النابض بالأحاسيس عن تلك المعاناة تفصيلياً في الفصول الأولى عن معاناة البطلة مع السرطان، وتكتمل فصول الرواية بقصة "غسان" الفدائي الفلسطيني الذي اقترح عليها أن يكتبا معاً رواية تهتم بالشأن الفلسطيني وبالإنسان أيًّا كان مكانه. تحكي عن الغربة والعراء ما هو إلا وحدة قاسية ترك فيها كل منهما لمصيرة المحتوم ونهايته القاسية. 

الكتابة تشكل أرقا دائماً ولا تنتهي علاقة الكاتب بروايته، لكنها تصبح رسالته، وعناوين يومياته كلما ارتحل في هذا العالم

كاتبة تمتلك ناصية الكلام والحكي ولغة رائقة كأنها شعر منظوم. تمتلك قاموسها الخاص ومفردات جديدة تكتب عن مشاهد مؤلمة للواقع العربي المعاش وتعري بقوة حقيقة المأساة وعجز الإنسان، ووقوفه أمام أطلال ما كان يشبه وطنه المسلوب. لوحة معبرة في رواية أثقل كاهلها الموت والعذاب اليومي.
جاء الفن فعل مقاومة. وجاءت الكتابة رسالة أخرى إلى العالم توضح أن الفن لا يموت، والقضية لن تنتهي. جاءت رواية "العراء" لتبين هذه الروح المثابرة في رحلة صراع. صراع الوجود والحياة، غسان سلمان ودجلة العامري. 
وتبدأ الرواية 1982 يلتحم الوجع الذاتي مع الوجع العام. إنه انتزاع الروح التي تنسحب حثيثاً لتصل إلى تلك السموات النورانية التي جاءوا منها بلا شك.
إنها كل تلك المنمنمات الصغيرة التي شكلت عالم هذه الرواية. صور على الحائط تشير إلى ذكريات حياة وذكريات وطن تحفه روائح البرتقال وأصوات البراءة والأثواب البيضاء وأشجار الزيتون رمز السلام والمحبة. 
جاء الاستيلاء على شط الحمام بمثابة القشة الت أشعلت ثورة الغضب، وتأججت روح المقاومة، امرأة تكتب بأصابعها المرتجفة حكاية حبيبها المبتور الأصابع. تتوازي آلام الخاص والعام "كلكم مثلي أموات .. لعلكم مثلي بلا عنوان ما قيمة الإنسان بلا وطن .. ما قيمة الكاتب بلا قضية ..".  
الكتابة بهذه الكيفية تشكل أرقا دائماً ولا تنتهي علاقة الكاتب بروايته، لكنها تصبح رسالته، وعناوين يومياته كلما ارتحل في هذا العالم.