ارهاب لكن بحماية أممية

كان أمرا مؤسفا أن يضع ممثل الأمم المتحدة ميثاق المنظمة الدولية خلف ظهره ويتعامل مع جماعة كان أولى بالعالم أن يبحث عن سبل لإزالتها واجتثاثها من الجذور.
الحوثيون لا يعترفون باليمن كدولة مستقلة بل كولاية تابعة لايران
تشابه يثير الريبة في مواقف ممثلي الامم المتحدة بشأن اليمن وليبيا والعراق
غامرت الأمم المتحدة بمستقبل اليمن حين اعتبرت الحوثيين جزءا من المشكلة وليسوا المشكلة كلها

أخيرا اضطرت الأمم المتحدة إلى أن تكشف أوراقها في ما يتعلق بانحيازها إلى الجماعات الدينية. وهنا أستبعد صفة الارهاب ولا أنفيها من أجل أن لا أقع في خصام مع مؤسسة دولية، كان الغرض من وجودها ولا يزال الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين.

أعلنت الأمم المتحدة عن رفضها للقرار الأميركي الذي يصنف جماعة الحوثي في اليمن منظمة ارهابية. بالرغم من أن سجل تلك الجماعة غاص بالجرائم التي ارتكبت في حق السكان المدنيين كما أن الجماعة المذكورة مارست شتى صنوف العنف واستباحة حقوق الإنسان في وقت قياسي. وهي جرائم وممارسات تم توثيقها وايداعها لدى المنظمة الدولية.

أما السبب الذي دفعها إلى رفض القرار الأميركي فيكمن في خشيتها من وقوع مجاعة في اليمن هي أخطر وقعا وتأثيرا من الدوافع السياسية التي يمكن تخطيها لأسباب إنسانية. تلك هي وجهة النظر التي تدفع إلى الشعور بالريبة في ظل تشابه مواقف ممثلي الامم المتحدة في اليمن وليبيا والعراق من جهة الانحياز المبطن للتيارات الدينية.

فهل يُعقل أن مؤسسة دولية لها مصادر معلوماتها الخاصة والتي هي باهظة التكاليف هي ليست على علم من الموقف المناهض للسلم والأمن الاهليين الذي تتخذه الجماعات الدينية بحيث تعاملها كما لو كانت جزءا عضويا وفاعلا وحيويا من الحياة السياسية الطبيعية؟

ليس في إمكاننا أن نصدق ذلك وإلا فإن المسألة ستكون أكثر خطورة.

وبعيدا عن الكلام العام فإن الحوثيين هم تنظيم ارهابي خارج على القانون أسقط الحكومة الشرعية واحتل العاصمة اليمنية بعد أن انقلب على الاتفاق الذي وقعه وجر المنطقة إلى حرب بسبب استعانته بإيران وفتح أبواب اليمن أمامها ومنحها فرصة تهديد الملاحة في البحر الأحمر وقت ما تريد.

الحوثيون هم ذراع إيران المقاتل على البحر الأحمر.

كل ذلك لا يحتاج إلى وثائق أو أدلة. ما فعله الحوثيون عبر السنوات الماضية يؤكد أن خطرهم يتجاوز اليمن إلى دول الجوار وبالأخص المملكة العربية السعودية. وهنا انما ينفذون أجندة إيرانية. تلك الأجندة التي تحرض على وضع السعودية مقابل إيران باعتبارهما قطبي صراع عقائدي وهو ما لا يمت إلى الواقع بصلة.

مبدئيا فإن التعامل مع الجماعة الحوثية باعتبارها جماعة شرعية هو خطأ شنيع في حد ذاته ارتكبته المنظمة الدولية. فالحوثيون ليسوا أصحاب سلطة ولا يحق لهم أن يكونوا كذلك في بلد كاليمن. لا لشيء إلا لأنهم أقلية انقلابية. أما وقد فاضت عليهم الأموال الإيرانية وصاروا يغرون الناس باتباعهم فذلك ما يجب أن تكون عيون المنظمة الدولية على دراية به.

للأسف غامرت الأمم المتحدة بمستقبل اليمن حين اعتبرت الحوثيين جزءا من المشكلة وليس المشكلة كلها. فلو لم ينقلب الحوثيون على اتفاقهم مع الحكومة الشرعية لما كانت هناك مشكلة في اليمن. غريب أن تلك الحقيقة لا تخطر على بال أحد في أروقة وقاعات الأمم المتحدة التي شهدت نقاشا عبثيا حول المسألة اليمنية. وكم سمعنا مارتن غريفيث وهو يمدح ذلك الطرف لتعاونه ويعدد محاسن هذا الطرف وينفي أن يكون أي طرف غير متعاون. غير أنه كان حريصا دائما على أن لا تُلحق الهزيمة بالحوثيين.

كان أمرا مؤسفا أن يضع ممثل الأمم المتحدة ميثاق المنظمة الدولية خلف ظهره ويتعامل مع جماعة كان أولى بالعالم أن يبحث عن سبل لإزالتها واجتثاثها من الجذور بسبب ما يمكن أن تلحقه من أضرار بالسلم والأمن العالميين.

لقد أهدرت الأمم المتحدة زمنا طويلا وهي تتفاوض مع الجماعة الارهابية وإذا ما كانت ترغب في الاستمرار في تلك المفاوضات فلأن هناك من يرغب في أن يتم تزييف الحقائق. فالحوثيون ومن خلفهم الإيرانيون لا يرغبون في أن تقود المفاوضات إلى حل وطني مشرف يمكن أن يشعر اليمنيون من خلاله أن خسائرهم لم تذهب سدى.

غريفيث يعرف الخلاصة. الحوثيون لا يعترفون بشرعية الحكومة التي انقلبوا عليها وهم أيضا لا يعترفون باليمن باعتباره دولة مستقلة. إنه بالنسبة لهم ولاية تابعة للجمهورية التي يرأسها الولي الفقيه وهي إيران. 

اما لماذا لا يعترف غريفيث بذلك فذلك أمر أجهله شخصيا.

الآن وقد خرج الأمر من أيدينا وصار بيد الولايات المتحدة. القوة التي تدير الكون وهي تعرف كل شيء. صار غريفيث يحذر من المجاعة. وهو يعرف جيدا أن المملكة العربية السعودية كانت ومنذ سنوات قد نظمت برنامجا لتوزيع الغذاء في اليمن وهو ما لا أعتقد أن العقوبات الأميركية ستحد منه أو تمنعه. بل بالعكس هناك استثناءات حاول غريفيث التقليل من أهميتها.

السؤال المحرج الذي يفكر فيه البعض هو "ما الذي تريده الأمم المتحدة من وراء انحيازها المقلق للتيارات الدينية إذا كانت حقيقة الانحياز قائمة؟"