استحقاقات لبنان الرئاسية

صار معتادا الفراغ في كرسي الرئاسة او رئاسة الحكومة وربما البرلمان. لكن العالم لن ينتظر لبنان ولا اللبنانيون سينتظرون السياسيين هذه المرة.

حجت انتخابات لبنان التشريعية بسلاسة نسبيا قياسا الى حجم التحديات السائدة، كما افرزت نتائج مفاجئة نسبيا ايضا قياسا على الظروف والوقائع التي رافقتها، ما سيترك آثارا وتحديات متصلة باستحقاقات أخرى، سنرسم اطارا خاصا للواقع القائم.

ففي المحصلة لم تظهر اغلبية واضحة العدد في المجلس الجديد، لاسيما وان الظاهر قد وصل الى البرلمان اكثريات متعددة بينها التقليدي وأخرى تغييرية واخرى جديدة، الا ان جميعها لن تكون قادرة على الحكم الا بائتلافات معقدة، لن يكون سهلا التوصل اليها.

أولى الاستحقاقات هي انتخابات رئاسة المجلس الجديد كما نائب لرئيس وكذلك مكتب المجلس، وسط انقسام غير مسبوق في مثل هذه الاستحقاقات حيث كانت انتخابات الرئيس شبه محسومة باستمرار ولست ولايات متتالية سابقا لشخصية حظيت باجماع واضح، فيما اليوم ثمة خلاف حول تحديد شخصية الرئيس وبرنامجه، رغم ان الامر قد بات شبه مؤكد انه سينتخب لولاية سابعة للرئيس الحالي، ولو بأحجام أصوات اقل قياسا على المرات السابقة.

واذا كان استحقاق رئاسة المجلس قد تنجز دون عقبات تذكر، الا ان استحقاق رئاسة الحكومة تبدو اشد تعقيدا، لاسيما وان الاطراف المعنية بها تشتت قواها الشعبية وحتى العددية داخل المجلس الجديد، وقياسا على حالات جرت في المرات السابقة، فمن المرجح ان تجرى الاستشارات النيابية الملزمة، الى ان التشكيل سيطول، وهناك احتمالات كارثية ادا ظلت الحكومة القائمة بحكم صفة تصريف الاعمال. وعلى الرغم من انها ليست سابقة في الحياة السياسية اللبنانية لجهة تقاطع الوقت مع استحقاق رئاسي، فقد ظلت الحكومة في تصريف اعمال الى حين انتخاب رئيس جديد للجمهورية.

اما الاستحقاق الثالث الذي لا يقل تعقيدا عن الحالتين السابقتين، فهو استحقاق انتخاب رئيس للجمهورية في الواحد والثلاثين من اكتوبر/تشرين الأول القادم حين انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون، ذلك وسط ظروف سياسية واقتصادية واجتماعية كارثية. في المبدأ، ليس ثمة على ما يبدو ظروف الاجماع الداخلي على شخص معين، وفي الأساس لم يكن موجودا في أي انتخابات سابقة الا في حالة اللواء فؤاد شهاب في العام 1958، اما اليوم فليس هناك اكثريات بمكن ان تصل الى حدود الثلثين لتأمين النصاب المطلوب في جلسة الانتخاب الأولى، وبالتالي ثمة صعوبات حقيقية ستظهر بداية لتحديد تاريخ جلسة الانتخاب قبل انعقادها، وهو ما حدث مثلا في خلال التحضير للانتخابات التي فاز فيها الرئيس الحالي ميشال عون.

لقد باتت الفراغات الدستورية الرئاسية امرا مألوفا في الحياة السياسية اللبنانية، ان كان في سدة رئاسة الحكومة او رئاسة الجمهورية، وربما في رئاسة مجلس النواب هذه المرة اذ لم تتضافر الجهود لتدارك هذه المخاطر سريعا، لاسيما وان لبنان اليوم بحاجة لجهود استثنائية لتجاوز ما يحيط به من مخاطر.

ان الاستحقاقات الدستورية الداهمة هي قضية ضرورية الانجاز باعتبارها خطوة أساسية لاعادة تكوين السلطة وما يجب ان يستتبع من مشاريع إصلاحية داخلية مرتبطة بأطر دولية، وبالتالي ان الواقع اللبناني بات اكثر ارتباطا بظروف خارجية وازنة في عمليات صناعة السياسات العامة للدول، وبخاصة لبنان الذي بات تحت مجهر دولي يراقب بشكل لصيق ودقيق.