استعراضات القوة وهلاك الثور الإيراني

فكرة ان استعراض القوة الإيراني موجه للولايات المتحدة وإسرائيل أشبه بنكتة. الهدف هو ترويع الخليج.
الأربعون سنة الماضية تؤكد أن إيران لن تجرؤ على أن تمس اسرائيل بضرر
الولايات المتحدة وإسرائيل تعتمدان سياسة ارهاق الثور في هيجانه إلى أن يسقط من تلقاء نفسه
لن تتمكن ايران من صنع سياسات اقليمية جديدة قائمة على أساس غض الطرف عن مشروعها التوسعي

كنا نظن أن نهاية الحرب الباردة التي كان الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة قطبيها الرئيسيين قد وضعت حدا لاستعراضات القوة التي كانت عبارة عن مشاهد مقنطعة من أفلام رعب، فإذا بإيران تطلع علينا بنظريتها عن الحرب التي يمكن أن تقع في أية لحظة وهو ما يدفعها إلى أن تخيف أعدائها باسلحتها واستعداد مقاتليها.

إيران تستعرض قوتها بين حين وآخر. وهي تعرف أنها لن تصل إلى عدوها الذي هو حسب اعلامها الولايات المتحدة. ذلك عدو بعيد. اما اسرائيل التي هي عدو قريب فإن الأربعين سنة الماضية تؤكد أن إيران لن تجرؤ على أن تمسه بضرر. علينا هنا أن لا ننظر إلى أقوالها كما لو أنها أفعال. فإيران لم تجرؤ على الرد على الغارات الإسرائيلية المتكررة التي استهدفت معسكراتها وتجمعات ميليشياتها في سوريا والعراق.

لمَن إذاً توجه إيران رسالتها من خلال استعراضات القوة التي تقوم بها في مياه الخليج العربي؟ ستذهب الأنظار مباشرة إلى السعودية وإلى دول الخليج التي لا تناصب إيران العداء وكانت ترغب دائما في أن تكون إيران جارة، تكون العلاقة بها على قدر عال من الايجابية بالرغم من إيران لم تتفهم ذلك الموقف وظلت متمسكة بعقلية الشرطي الذي يسعى إلى أن يضبط شؤون المنطقة، صغيرها وكبيرها بعصاه الوهمية.

إيران تهدد دول المنطقة من خلال استعراضها لقوتها. ذلك صحيح. غير أنه ليس الهدف الرئيس من وراء تلك الاستعراضات. فرسالتها تتخطى المنطقة لتذهب إلى العدوين مباشرة: الولايات المتحدة وإسرائيل.

بالنسبة للعدو الأول فإنها تريد أن تضطره إلى الاعتراف بانها حارس الأمن والاستقرار الوحيد الذي يمكن أن تعتمد عليه في منطقة الخليج. أما بالنسبة للعدو الثاني فإنها تريد منه القبول به جارة لها وهو ما يعني الاقرار بوجودها الدائم في سوريا ولبنان. ذلك عمليا يعني الغاء سوريا ولبنان من الخارطة ليكونا مجرد ولايتين تابعتين لإيران.

وهكذا فإن إيران تسعى بوسائل خبيثة إلى تحويل العدوين إلى صديقين.

تلك نظرية إيرانية يتخللها الكثير من الغباء العقائدي.

فالولايات المتحدة لا تحتاج إلى مَن يضبط الأمن ويرعى مصالحها في الخليج. فإضافة إلى علاقاتها المتينة بدول الخليح العربية فإنها تمتلك قواعد عسكرية في البر وفي البحر قادرة على الدفاع عن مصالحها. أما بالنسبة لإسرائيل فإنها  لا تحتاج إلى أن تُحاط بدول تدير شؤونها ميليشيات تابعة لإيران على غرار حزب الله. إسرائيل في حاجة إلى أن تُحاط بدول مستقرة سياسيا تقرر التعايش معها في إطار تسوية ترضي جميع الأطراف.

ما لا تدركه إيران بسبب صممها العقائدي أنها مهما أنفقت من أموال في مجال سباق التسلح الذي تورطت فيه فإنها لن تتمكن صنع سياسات جديدة في المنطقة، قائمة على أساس غض الطرف عن مشروعها العدواني التوسعي. لذلك فإن كل ما أنفقته وما تنفقه وما ستنفقه من أموال على التسلح انما هو هدر لثروات الشعوب الإيرانية واستباحة لحقها في العيش الكريم.

ما تفعله إيران من خلال استعراضاتها العسكرية لا يبتعد عن كونه تعبير عن سلوك متعال، مغرور يستند إلى سوء فهم في قراءة التاريخ، عنوانه الغطرسة ومادته عداء مبيت يتلون في حججه غير أنه في كل ما يرمي إليه يعود إلى عقدة تاريخية، يقوم أساسها على الرغبة في الهيمنة على المنطقة.

ذلك ما تعرفه الولايات المتحدة وإسرائيل جيدا لذلك فإنهما تعتمدان سياسة ارهاق الثور في هيجانه إلى أن يسقط من تلقاء نفسه ويكون فريسة سهلة. وهو ما تفعله إيران طائعة.

إلى أن يسقط الثور الإيراني فإن الحرس الثوري سيحرص على الاستمرار في استعراضات القوة الساذجة في محاولة للفت الأنظار في زمن لن تعد فيه تلك الاستعراضات تخيف أحدا.