اعترافا بالجهالة العلمية في مواجهة الجائحة

يقف "علماؤنا" في انتظار معجزة غربية لمواجهة كورونا.

معترفا بفشل مراكز البحث العلمي في أغلب البلدان العربية في تبسيط العلوم، وتركنا في جهالة علمية مستدامة، فكرت طويلا بل وبعيدا بمستقبل العلم في الوطن العربي لاسيما وأننا في الوقت الذي نواجه فيه الجائحة الكونية المعروفة عالميا بفيروس كورونا، نستسلم أيضا للثقافة العشوائية التي اجتاحت عوالمنا المعرفية من وسائط متعددة، واستحالت شبكات التواصل الاجتماعي رافدا رئيسا للحصول على المعلومات بشأن هذه الجائحة الجامحة، رغم أن مصادر المعرفة المتخصصة موجودة لدى الجميع لكن حينما قررت كليات العلوم والطب الضاربة في الانتشار بطول وعرض البلدان العربية لكنها معارف محدودة الانتشار وفقيرة في الترويج عن نفسها ولطالما نادى العرافون والعرابون بالأمور بضرورة تعريب العلوم التطبيقية لأفراد المجتمع غير المتخصصين، لكن جهالة المتخصصين بالوعي الوطني دفعهم للتمادي في عدم التعريب، المشهد الذي أدى بنا إلى الاستسلام لوصفات العطارين والدجالين المنتشرين بكثرة في فترات الأزمات القومية والعالمية.

هذا يأخذنا إلى أن ما تواجهه الكرة الأرضية من جائحة كورونا لهو حلقة أخرى من الهزة العنيفة لجائحة الأنفلونزا العالمية التي اجتاحت العالم في عام 1919 وقتلت ما يزيد عن أربعين مليونا من البشر، ومنذ ذلك الحين والعلماء في الغرب يتوقعون بحدوث جائحة أخرى ستحدث وتجتاح العالم ومن ثم ضرورة ترقبها والتعامل معها بشكل سليم وسريع لكن هي الجهالة نفسها حتى لدى المتخصصين من أهل العلم، ويظل الضحايا كما هم في عزلة عن الحدث والإحداثية أيضا.

وبالتحديد وكما يخبرنا جفري توبنبرجر في بحثه المعنون بـ "العثور على فيروس الإنفلونزا القاتل" أنه في يوم السابع من سبتمبر من عام 1918 وفي آخر أيام الحرب العالمية الأولى توجه جندي في معسكر للتدريب خارج مدينة بوسطن بالولايات المتحدة الأميركية إلى وحدة إسعاف شاكيا من الاشتباه في حمى شديدة، ولكن في اليوم التالي لوجود الجندي بالوحدة الطبية فوجئ الأطباء بدخول عشرات الجنود مصابين بنفس الحالة تقريبا، حتى جاء يوم السادس عشر من سبتمبر بلغ عدد المصابين 12604 حالة، مات منهم 800 جندي. ولم يكتشف وقتها علماء البيولوجي أو الطب أن ما حدث لم يكن طاعونا أو عدوى بل كان فيروسا قاتلا أشبه بجائحة كورونا الراهنة.

وكل ما يمكن تفسيره لثقافة الفيروس الجائح، هو أنه كائن يقع في منطقة رمادية بين الأحياء وغير الأحياء، وهذا ما وصف لويز فيلاريل الفيروس به في مقالته العلمية "هل الفيروسات حية؟" والذي تم نشرها بمجلة Scientific American بأن هذه الفيروسات لا تستطيع أن تنسخ نفسها بنفسها، لكنها بإمكانها الاستنساخ داخل الخلايا الحية وبالقطعية التأثير العميق والطويل في سلوكيات عوائها.

وظلت المشكلة العلمية العربية قائمة حتى لحظة الكتابة هذه، وهي الادعاء بإجراء بحوث للمستقبل، لكن الحقيقة الدامغة هي بحوث لا تخرج عن فلك المحاكاة أو التقليد لأبحاث أجنبية لا تنتمي لبيئاتنا العربية، أو هي بحوث تم إجراؤها بغرض الترقيات الجامعية التي أدرك أفراد المجتمع اليوم أنها وأصحابها طمسوا أيامنا بحقائق فاجعة لا يمكن السكوت عن خيباتها المتكررة.

وأنا لا أوجه اتهاما لعلماء العرب، مع الاستحياء الشديد عند استخدام هذا المصطلح (علماء) لكن الحقيقة التاريخية أثبتت جمودا عربيا صوب فيروسات منصرمة مثل الإيبولا Ebola، وسارس Sars، وهانتا Hantavirus وكانوا مثلنا تماما بانتظار معجزة علمية غربية تأتي لحل هذه المشكلات البيئية.

لكن هذا العالم بأجمعه لم يلتفت لما أشار به العالم وايت جيبز من حدوث وباء عالمي مرتقب وأنه على العلماء ضرورة الاستعداد لمواجهته مع الدول والمنظمات العالمية، والحقيقة كما يقول أن الفشل لم يكن قصورا في التنبؤات بل القصور والتخاذل في سرعة التحرك لمواجهة الوباء العالمي الجديد، وربما هذا يدفعنا إلى محاكمة اللامبالاة والتنظيم البحثي السيء لكليات العلوم والطب والصيدلة بالبلدان العربية.

أنا أعتذر بالنيابة عن علمائنا الذين لم يخبرونا بأن النماذج الإلكترونية التي طالما اغتروا بمعرفتها لم تخبرنا بجهود احتواء الفيروس، وبأن فيروس كورونا الجائح سريع الانتشار لأن فترة حضانته سريعة وقصيرة أيضا.