الإسرائيليون قادمون!

العراق لن يكون بعيدا عن مساعي التطبيع مع إسرائيل. ما هي خياراته للنجاة من الهيمنة الإيرانية.
سيكون بمقدور من يحكم مستقبلا الحفاظ على بقايا "وحدة العراق"
سيأتي اليوم الذي يتحقق لإسرائيل حلمها في أن تطأ "أرض بابل" بسلام
العراقيون وصلوا الى قناعة بأن إيران لم تترك لهم فرصة التقاط أنفاسهم

ربما لم يحقق أي رئيس وزراء إسرائيلي إنجازا كبيرا لإسرائيل، مثلما حققه رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتانياهو، برغم أن الرجل فاز بصعوبة بالغة في انتخابات الكنيست الإسرائيلي الأخيرة، لكنه حقق لإسرائيل، ما لم تحلم به منذ عقودّ.

إسرائيل تجتاح المنطقة الآن، تحت بوابة "البحث عن السلام" وهي تخترق الأمن القومي العراقي، بشكل لم يسبق له مثيل، وتقيم علاقات متطورة مع دول عربية، وبخاصة في الخليج، وكانت البحرين والامارات إحدى "بوابات التطبيع "التي ستشجع دولا عربية أخرى للإقدام على خطوة مماثلة، وربما لا تخرج المملكة العربية السعودية عن هذا الطريق، ولو بعد حين. وكانت إسرائيل قد أقامت علاقات وطيدة، على الأقل أمنيا، مع مصر والاردن والآن مع السودان. وينطلق القطار الإسرائيلي الرحب في الشرق العربي، مبشرا بعهد جديد، سيفتح آفاقا للعلاقات مع الدولة العبرية، كان نتانياهو أحد راسمي سيناريوهاتها، وهو شخصية حظيت بالإهتمام ولها ثقلها وقدرتها على الإختراق وتسهيل مهام إقامة علاقات مع دول عربية، كانت تعد من المستحيلات.

والعراق لن يخرج في كل الأحوال عن تلك الدائرة، مهما حاول البعض أن يرفس برجليه أو قدميه، ويتظاهر بـ "المقاومة"، فـ "التطبيع" قادم لا محالة، وسيأتي اليوم الذي يتحقق لإسرائيل حلمها في أن تطأ "أرض بابل" بسلام، لينتهي عهد "السبي اليهودي"، وتعود مجددا الى "أرض كتاب التلمود"، وهي تجد الآن من يفرش لها السجادة الحمراء، ويرحب بمقدمها، إيذانا ببدء عهد جديد، كان يعد قبل سنوات، من المحرمات والخطوط الحمر في السياسات العربية.

ما أرغم دول الخليج، ويرغم العراق، هو السياسات التوسعية الإيرانية والطابع الارهابي التخويفي وعوامل التهديد اليومي لتلك الدول، ومحاولة العمل على تطويعها للرضوخ تحت الإرادة الايرانية، والإمبراطورية الفارسية، التي بدأت ملامح شرارتها تنطلق، منذ بدايات الحرب العراقية الايرانية في الثمانينات، وراحت الآن تتصاعد وتائرها بطرق خطيرة لضم العراق الى بلاد فارس، تحت عباءة "ولاية الفقيه"، وتصاعد لهجة التهديدات الإيرانية لدول الخليج وتعريض مستقبلها للمخاطر، وهو ما دفع تلك الدول للوقوع في الحضن الإسرائيلي، الذي قد يخلصها من تبعات ومخاطر التهديد الايراني، ويضع إسرائيل في مواجهة مباشرة مع إيران، في مستقبل قريب، إن حاولت إيران أن تلعب بذيلها، في تخريب تلك المساعي او وقفت حجر عثرة، دون تحقيق تلك الرغبة المشتركة الخليجية الإسرائيلية، في أن تنفتح بينهم آفاق جديدة من الصلات الاقتصادية والتجارية والسياسية، وبخاصة ان فتح سفارات لإسرائيل في تلك الدول أصبح قاب قوسين أو أدنى، بالرغم من أن التمثيل الدبلوماسي بينهم موجود حاليا، لكنه بقي في مراحل أولية، لكنه يتصاعد بالاتجاه الذي قد يكون السفراء بمرتبة فوق العادة، تحقيقا لتلك الغاية.

أما العلاقات بين العراق وإسرائيل، فقد تكون الخطوة الأخيرة، لكنها لن تطول بكل تأكيد. وسيجد العراقيون بعد سنوات قليلة ان إقامة العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل أمر قد يكون ممكنا جدا، وقد لا يجد معارضة من كثيرين، حتى بضمنهم ساسة من شيعة العراق، وسيجد فيه الكرد وسنة العراق فرصتهم للمحافظة على "بقايا هيبتهم"، وسيرغم العراق على قبول سلوك هذا الطريق، شاء أم أبى، بعد أن تحول العراق الى دولة منقسمة على نفسها، وعوامل إنشطارها أصبحت تقترب رويدا رويدا، وهي تسعى زيفا وبشعارات فارغة، لإظهار أنها مترابطة، لكن عوامل الفرقة والتناحر المذهبي والقومي وسيطرة الجماعات المسلحة المرتبطة بإيران على مقدرات شعبها، تجعل نيران الحقد والاحتراب، يستعر أوارها بين الرماد. كما أن العراقيين راحوا يشعرون بأن مستقبلهم الاقتصادي مظلم هو الآخر، حيث لن يكون بمقدور العراقيين الحصول على مرتباتهم الشهرية، خلال الأشهر المقبلة، بسبب تدني أسعار النقط وعدم وجود موازنات أو تخطيط سليم، وسيادة الفوضى والسلاح المنفلت، وكذلك الانقسامات المذهبية والعراقية والقومية والسياسية، التي يتطاير شررها كل يوم.

توصل العراقيون كما يبدو، الى قناعة، بأن إيران لم تترك لهم فرصة التقاط أنفاسهم، وأن إقامة علاقات مع إسرائيل هو أمر قد يتيح لهم عهدا أفضل، من الإستقرار، ومن النجاة من الهيمنة الإيرانية وتحكمها في القرار العراقي، وهم أي العراقيون، يأملون إقامة حكومة مستقبلية تعامل العراقيين على أنهم مواطنون متساوون في الحقوق والواجبات، لا يضعون اعتبارا لـ "الولاءات الخارجية"، ويعدون "الولاء الوطني" فوق كل إعتبار، وقد تحترم الحكومات العراقية حقوق الانسان، ويكون بمقدور من يحكم مستقبلا المحافظة على بقايا "وحدة العراق"، فإسرائيل قد تضمن للحكومات المقبلة، مثل هذا الطموح، لكي لايضطر العراقيون الى قبول الخيار المر وهو "تقسيم العراق" مرغمين، وقد لا يكون بمقدورهم، إستعادة كرامة بلدهم واستقلاله، إن وقفوا بوجه هذا الخيار، الذي يعد الأخير، لكي لاتصل الأمور بالجسد العراقي ان يبلغ النزع الأخير، وقد يودع العراقيون بقايا هياكل دولتهم، الى مثواها الأخير.