الاتجاه السياسي في شعر صقر الشبيب

أكد الباحث فيصل البريدي رغم ما عاناه الكويتيون قبل اكتشاف النفط من فقر وقحط وانشغال بكسب الرزق ولقمة العيش، فإن كل تلك الظروف الصعبة لم تثنهم عن الاهتمام بالعلم والثقافة منذ العقود الأولى لنشأة الكويت. ولعل ما ساعد على ذلك أنهم وفدوا إلى الكويت من مناطق وثقافات مختلفة، بالإضافة إلى ما ترتب على كثرة ارتحالهم للتجارة من احتكاك مع الشعوب الأخرى، وأخيرا موقع الكويت الجغرافي الذي جعلها محطة لنقل البضائع من الهند إلى أوروبا، ومن وسط الجزيرة العربية إلى الهند.
أسهمت العوامل سابقة الذكر في اهتمام الكويتيين المبكّر بالثقافة، والذي سبق مرحلة اكتشاف النفط بعقود، واستمر تدريجيا حتى وصل إلى ذروته في منتصف القرن الماضي.
وأشار البريدي إلى أن نظام الحكم في الكويت يختلف عن الأنظمة الأخرى في المحيط الإقليمي، فقد وفد الكويتيون إلى أرض بكر فعمروها، ولم يكن بينهم آنذاك حاكم ومحكوم، واختاروا - بمحض إرادتهم - أسلوب الحكم الملائم، القائم على مبدأ الشورى، خلافاً لحال الأقطار الأخرى في المنطقة، حين تغلّبت بعض الأسر الحاكمة، أو القادة على من سبقوهم في الحكم، وحلّوا محلّهم، فأصبح لهم الفضل في تأسيس كيانات سياسية جديدة؛ الأمر الذي أجاز لهم – كما يرون - تحديد طبيعة النظام السياسي الذي رأوه ملائماً لطبيعة بلدانهم وظروفها. أما الكويت فقد كانت منفتحة سياسياً في تلك الفترة مقارنة بالدول المحيطة بها، والانفتاح السياسي هو بوابة الانفتاح في كل المجالات الأخرى، ومن ضمنها مجال الأدب.
وبناء على ما سبق اتضح للباحث وجود بيئة ثقافية خصبة في الكويت، أسهمت بشكل كبير نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، في بروز جيل حمل على عاتقه مسؤولية النهوض بالثقافة والأدب، وقد كان الشاعر صقر الشبيب (1896 – 1963) أحد أبناء هذا الجيل، وأحد رواد الثقافة والأدب في الكويت.
وقد امتاز الشبيب عن غيره من شعراء عصره، فهو رغم إعاقته البصرية، وفقر حظه من التعليم النظامي، فإنه كان شديد التفاعل مع قضايا أمته، وهذا يبرر اختيار هذا الشاعر دون غيره، حيث يمثل قامة أدبية كبيرة في الكويت، وله مكانة كبيرة عند الكويتيين، كما وجدنا في شعره ما يغري بالبحث في ذلك الاتجاه الذي أصبح ملازماً لشعره، وغلب على إبداعه الفني؛ وهو الشعر السياسي الذي يستهوي الباحث بصفة شخصية، كما أن في شعر صقرٍ كثيراً من الدلالات الاجتماعيّة التي عاشتها الكويتُ في زمنِه، فقد كان الشاعرُ لساناً مُعبّراً عن بلدِه، ولم يُخبر عن حال البلد ما قبلَ النفطِ وكفى، بل أسهمَ خطابُه بشكلٍ مباشرٍ في رسمِ رؤى وآمال رُوّاد الحركة الأدبية فيها، من خلالِ توجيهه النهضويّ.

ودراسة البريدي تنطلق من قول الدكتور شوقي ضيف: "الأدب في حقيقته إنّما هو تعبير عن المجتمع وكل ما يجري فيه من نظم وعقائد ومبادئ وأوضاع وأفكار".
كما أن الموضوعات الشعرية الأخرى كالهجاء والمدح والغزل والوصف، قد أشبعت بحثا ولذلك ركز الباحث على الاتجاه السياسي.
ورغم كل ما رآه البعض في شعر الشبيب من مآخذ، كشف الباحث بعضها من خلال الدراسة، نكاد نجزم أن شاعرنا لو رافقته حركة نقدية واعية لأصبح له شأن يفوق أضعاف ما وصل إليه من مكانة أدبية؛ فقد كان شاعراً مطبوعاً بشهادة من جاء بعده من نقاد.
وبما أن على الباحث أن ينطلق من حيث انتهى الآخرون، فقد استفاد الباحث من الدراسات التي سبق أن تناولت موضوع الدراسة، حيث تمت دراسة أشعار الشبيب من زوايا مختلفة وباتجاهات عدة، مثَّلت هذه الدراسات أهم المصادر التي اتكأ عليها الباحث في دراسته؛ ورغم أهمية هذه الدراسات لما نحن بصدده؛ فقد افتقرت إلى ما يتناول الجانب السياسي لدى صقر الشبيب، فلم تفرد دراسة للشعر السياسي لديه، اللهم إلا بعض المباحث المتناثرة هنا وهناك بين ثنايا الدراسات لا تقيم منهجاً، ولا يؤخذ منها دراسة تشفع، أو تعطي الصورة التي أرادها الباحث لشاعرنا، فلم نجد ما يبلور الشعر السياسي له كمصدر يُعتمد عليه في هذا الصدد؛ ومن هنا تنبع أهمية دراسة الباحث.
لقد كان شعر الشبيب مرآة تعكس اندماج الكويت وشدة تفاعلها مع قضايا الأمة العربية وتطلعاتها نحو الوحدة القومية وتحرير الأراضي المحتلة وعدم الخنوع للمؤامرات الاستعمارية الشائكة، فقد بارك ثورة يوليو وما نتج عنها من اتحاد بين مصر وسوريا، أما قضية فلسطين، فقد كانت شغله الشاغل، وكذلك قضية تحرير الجزائر وليبيا ودول المغرب العربي، وهو ما شغل أيضا حكام الكويت وشعبها في ذلك الوقت رغم ظروفهم القاسية.
ومن مستهدفات الدراسة:
-    التأريخ الأدبي للشعر الكويتي ورواده وأهم قضاياه الداخلية والخارجية.
-    إبراز تفاعل الكويت حكاما وشعبا مع قضايا الأمة رغم ما كان يعانيه المجتمع الكويتي من حياة قاسية ومعيشة صعبة في تلك الفترة، وهذا جانب أغفله العديد من النقاد وأبرزه الشاعر.
يذكر أن لجنة المناقشة والحكم تكونت من الدكتور أحمد فهمى عيسى والدكتور السيد فضل والدكتور يحي خاطر والدكتور أيمن تعيلب.