الاتكال على الدعم الحكومي يكبّل السينما والدراما المغربية

صناعة الفنون الدرامية تعاني من تضييق حرية التعبير والإبداع وتسقيف الاستقلالية والطموح الفني.

الرباط - تعيش السينما والدراما المغربية واقعًا يعتمد بشكل كبير على الدعم الحكومي المقدم عن طريق المركز السينمائي المغربي في قطاع السينما، أو الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة في قطاع الدراما، وهذا الدعم رغم أهميته في تمويل الإنتاجات الفنية يعكس هشاشة النظام الإنتاجي، إذ يغيب عنه التكامل المادي والاستقلالية، ويعاني من نقص في الطموح الفني الذي يمكن أن يضع الإنتاج المغربي في مكانة بارزة على المستويين المحلي والدولي.

ويعتمد الإنتاج السينمائي والدرامي المغربي بشكل شبه كامل على الدعم الحكومي، ما يجعل الصناعة عرضة لتقلبات السياسات الثقافية والمزاجية الإدارية، فالأعمال المنتجة غالبًا ما تكون مشروطة بقرارات اللجان التي تمنح الدعم، وهذا يؤثر على جودة المحتوى، إذ يميل المنتجون إلى تقديم أعمال تتماشى مع توقعات هذه اللجان بدل أن تكون نابعة من رؤية فنية مستقلة، بينما يلاحظ غياب استثمارات القطاع الخاص في السينما والدراما، إذ يعتبر المستثمرون هذا المجال غير مربح نظرًا لضعف العائدات وضعف بنية السوق السينمائية، التي تعاني من قلة القاعات السينمائية ونقص التوزيع، وهو ما يحدّ من إمكانية وصول الأفلام والمسلسلات المغربية إلى الجمهور، كما أن قلة الترويج الإعلامي لهذه الإنتاجات تجعلها تفقد فرصة بناء قاعدة جماهيرية قوية.

ولتجاوز هذه التحديات المادية قد يكون من الذكاء العمل على خلق شراكات حقيقية بين القطاعين العام والخاص، من خلال وضع سياسات تحفيزية لجذب الاستثمارات، مثل الإعفاءات الضريبية وتسهيلات مالية تدعم المنتجين، لأن يحتاج القطاع إلى بنية تحتية متينة تشمل قاعات سينمائية محدثة ومنتشرة في جميع أنحاء البلاد، مع تشجيع أنظمة التوزيع التي تضمن وصول الأفلام إلى الجمهور المغربي وحتى العالمي، كما يمكن تعزيز التعاون الدولي مع دول تمتلك خبرة في المجال السينمائي لتبادل التقنيات والخبرات ويساهم في تطوير الإنتاجات المغربية على المستويين الفني والتقني.

وتواجه السينما والدراما المغربية تحديات متعددة تتعلق بجودة السيناريوهات، فهناك نمطية وتكرار في الكثير من الإنتاجات، في ظل غياب اهتمام حقيقي بكتابة نصوص أصلية تتناول قضايا المجتمع المغربي كمغربي وليس كشرقي أو غربي، فقد أصبحت العديد من الأعمال تعتمد على التقليد أو الاقتباس من إنتاجات أجنبية، وهذا يفقدها جاذبيتها ويضعف فرص نجاحها، وهذا القصور في الكتابة ناتج جزئيًا عن نقص التكوين المهني في مجال كتابة السيناريو، إذ يفتقر العاملون في المجال إلى فرص تكوين أكاديمي متخصص يمكّنهم من تطوير مهاراتهم، كما تعاني السينما والدراما المغربية من غياب هوية واضحة، حيث تتوجه بعض الإنتاجات إلى تقليد الدراما التركية أو السينما الأجنبية بدل أن تكون نابعة من الواقع المغربي.

غياب هوية واضحة

وينبغي الاستثمار في التكوين المهني الدولي للعاملين في الصناعة سواء كانوا كتاب سيناريو، مخرجين، أو ممثلين، كما أن تحويل الأعمال الأدبية المغربية إلى نصوص سينمائية ودرامية يمكن أن يكون حلاً مثاليًا، حيث أثبتت الأعمال المقتبسة من الأدب نجاحها في عديد من السياقات الثقافية الأخرى بفضل عمقها القصصي وقوة حواراتها، وعلى المبدعين المغاربة أن يعملوا على إنتاج أعمال تنبض بروح الهوية المغربية، تعكس قضايا المجتمع المحلي وتعزز التنوع الثقافي الغني الذي يتميز به المغرب، فهذا النهج يشمل الكتابة والجانب البصري والإخراجي الذي ينبغي أن يعكس البيئة المحلية بأسلوب إبداعي ومبتكر وليس نسخ لصق.

ولا يمكن تحقيق ازدهار السينما والدراما المغربية إلا من خلال التكامل بين البعدين المادي والفني، فمن جهة تحتاج الصناعة إلى نظام تمويلي مستدام يشجع الإنتاج المستقل ويقلل من الاعتماد على الدعم الحكومي، ومن جهة أخرى ينبغي أن يكون هذا التمويل موجهًا نحو إنتاج أعمال ذات جودة فنية تعكس هوية المجتمع المغربي، بينما يمكن تشجيع الإنتاج المشترك بين المغرب ودول أخرى ليتيح الاستفادة من التمويل والخبرات الفنية الدولية، كما ينبغي التركيز على بناء قاعدة جماهيرية محلية من خلال إنتاج أعمال تعالج قضايا اجتماعية وثقافية تهم المشاهد المغربي ولكن برؤية عالمية، مع التركيز على الترويج الإعلامي لهذه الإنتاجات داخل وخارج المغرب.

إن قانون تغيير الأطر أو إعادة هيكلة المركز السينمائي المغربي أو الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، مهما كانت محاولات تحسينها أو التطبيل والتهليل الإعلامي المصاحب لها، لن يخفي حقيقة وجود قائمة سوداء تضم صناع أفلام مغاربة يُحرمون من الدعم ومن حضور المهرجانات، ويتم محاصرتهم بشكل منهجي من خلال استغلال السلطة وعلاقات المصالح الشخصية، فهذه الممارسات التي تتجاهل مبدأ تكافؤ الفرص تترك بصمة واضحة على القطاع، حيث تعيق تطوره وتفرز حالة من الإحباط في أوساط المبدعين، وما هذه الظاهرة إلا انعكاس لمنظومة مترسخة تمتد إلى المسرح المغربي، الذي يعاني بدوره من نفس التجاهل والتهميش، وإن استمرار هذه الممارسات يجعل أي إصلاح شكلي غير ذي جدوى ما لم يتم التعامل مع جذور المشكلة بشفافية وعدالة.