الاغلبية السياسية في الكويت بين النقد والتقييم

التعالي او التغافل عن تقييم الذات، والعزوف عن نقد التجربة والوقوف عند الاخطاء ومحاولة تصحيحها، يعدان من الاسباب المباشرة لاستمرار تضييع اولويات العمل السياسي.

الحراك السياسي في الكويت لا يمكن ان يتطور دون عرضه على ادوات النقد الموضوعي. فخلال السنوات الماضية انشغل الفرقاء السياسيون ومن يناصرهم في نقد بعضهم بعضا او الدفاع عن تجربتهم ومتبنياتهم السياسية، لكن لم نلحظ اي نوع من الكتابات او المقاربات الجادة لنقد الذات وتقييم التجربة والمواقف السياسية من داخلها أو محاولة تصحيح المسار.

ما شاهدناه خلال السنوات الماضية هو سعي كل طرف الى تسجيل النقاط ضد خصومهم، حتى لم يعد للانصاف والموضوعية مساحة كافية لاعادة الامور الى نصابها الصحيح او الافصاح عن كلمة الحق، فالحكومة وانصارها يحاولون شيطنة الاغلبية، والاغلبية تحاول شيطنة خصومها.

هذا التعالي او التغافل عن تقييم الذات، والعزوف عن نقد التجربة والوقوف عند الاخطاء ومحاولة تصحيحها، يعد من الاسباب المباشرة لاستمرار تضييع اولويات العمل السياسي بما في ذلك تضييع أولويات عمل نواب مجلس الامة والتفريط بالقضايا التي انتخبهم الشعب من أجلها.

لا شك ان اعمال النقد والتوقف للتفكير والتأمل في المواقف هو اجراء صحي جدا ويعود بالنفع على جودة الحياة السياسية وتطورها، لكن لم تحظ قيم الاعتذار والاعتراف بالاخطاء بنصيب يذكر في سجل المتصدين للشأن السياسي من النواب وكتاب الرأي أو شباب الحراك السياسي.

على العكس من ذلك وجدنا ان المخطئين يصرون على مواقفهم او يبررونها، او يسحبون أنفسهم منها ويرمون تبعاتها على الاخرين مستغفلين عقول وذاكرة المجتمع. وهذا السلوك قد يشفع لهم عند انصارهم ومحبيهم لكنه لا يشفع لهم عند بقية افراد المجتمع.

والاهم من ذلك ان هذا السلوك لا يقدم اي فائدة للتجربة السياسية وانما يساهم في تجهيل الرأي العام، حتى تتحول القضايا الجادة الى قضايا مهملة وهامشية.

لنعود الى مجلس عام 2009 حين اجتمعت بعض الكتل النيابية واطلق عليهم آنذاك الاغلبية البرلمانية وطالبت برحيل رئيس الوزراء الشيخ ناصر المحمد، واصبح شعار الرحيل اولوية الاصلاح في الكويت. لم يكتف المناضلون في تلك القضية بنقاش المطلب في البرلمان وانما نزلوا الى ساحة الارادة وعقدوا عدة ندوات لتحقيق المطلب، وهو حق مشروع طالما ظل في اطار المطالبة السلمية وفي دائرة احترام القانون.

تصاعد الحراك الشبابي في العام 2011 تفاعلا مع احداث الربيع العربي وعقدت الندوات ونظمت المسيرات الشعبية والتي جرت على اثرها بعض المواجهات مع رجال الامن، وصلت ذروتها بالاحتجاجات الشعبية أمام مجلس الأمة وانتهت باقتحام مبناه في 16 نوفمبر 2011. كانت من بين أهم مطالب الحراك آنذاك رحيل رئيس مجلس الوزراء الشيخ ناصر المحمد وحل البرلمان، ومحاسبة الفاسدين.

امام هيمنة مطلب الرحيل اعفى امير البلاد الشيخ ناصر المحمد من منصبه وتم تعيين الشيخ جابر المبارك رئيسا للوزراء. وفي العام 2012 سعت الأغلبية البرلمانية يتقدمهم نشطاء التيارات الاسلامية والمحافظة الى تمرير مشروعات تدعم اجندتهم الفكرية وأبرزها قانون المسيء، واعتبروا ان بداية الاصلاح الحقيقي يتم من خلال اقراره لتغليظ العقوبة على من تثبت في حقهم الادانة، قبل ان يرفض امير الكويت اقرار تعديلات قانونية تنص على انزال عقوبة الاعدام بالمسيئين، واكتفي بالعقوبات المتشددة الاخرى.

لكن على غير المتوقع من الاغلبية تم تلقف هذا التعديل في مجلس 2016 واضافة الذات الاميرية من ضمن المدانين مع حرمان المسيء من الانتخاب، ونص القانون الذي أقره مجلس الأمة الكويتي في الثاني والعشرين من شهر يونيو لعام 2016 على الاتي: "كما يحرم من الانتخاب كل من أدين بحكم نهائي في جريمة المساس بالذات الإلهية، الأنبياء، والذات الأميرية." وجاء هذا القانون ضمن تعديل للمادة الثانية في قانون الانتخاب.

يؤخذ على كتلة الاغلبية انها سارت ضمن اجندة التيارات الدينية المتشددة والتي حاولت ان تحقق هدفا في مرمى خصومها وتجردهم من حقوقهم السياسية بل والوطنية ايضا، ودفعت تجاه حزمة من القوانين والاجراءات من قبيل المطالبة بسحب الجنسية ممن يتعرض لزوجات النبي الاكرم او لأصحابه، وملاحقة المغردين، ورفع القضايا على اصحاب الرأي ومراقبة الانشطة الدينية وتوثيق محاضرات الخطباء، وملاحقة العلماء وطردهم من البلاد على اطروحات فكرية او تاريخية.

بعد اقرار قانون حرمان المسيء انشغلت الساحة في النقاش بين مؤيد لتطبيقه بأثر رجعي وبين معترض، لكن المعضلة الكبيرة ان القانون طبق على عدد من نواب الاغلبية وشباب الحراك السياسي، بل الانكى من ذلك ان السلطة طبقت كل مطالب التيارات الدينية المتشددة على الاغلبية، فتم حرمان من ادينوا بقانون المسيء من الترشح والانتخاب، وسحبت جنسية بعض المدانين، وتم ملاحقة واعتقال كوكبة من شباب الحراك السياسي والمغردين، واصبح رفع القضايا على اصحاب الرأي وملاحقتهم من الاجراءات الروتينية التي تتكرر كل يوم.

وعلى الرغم من الاخطاء الجسيمة التي وقعت فيها كتلة الاغلبية على الحريات العامة، الا انهم لم يخرجوا بخطاب اعتذار الى الشعب ولم يعترفوا بالخطأ البين الذي ارتكبوه بحق الناشطين من الشباب والمغردين، وانما انتقلوا فورا الى دكة المظلومية والمطالبين بإلغاء القانون فقط دون ان يحملوا انفسهم اي مسؤولية سياسية او حتى اخلاقية نظير المشاركة في التشريع والتحريض على امثال هذه القوانين واقرارها وتشجيعها.

وقد رفضت المحكمة اخيرا أربع دعاوى محالة من محكمة الاستئناف للنظر في مدى دستورية "قانون حرمان المسيء"، بما يعني سلامة القانون من الناحية القانونية واستمرار العمل به.

على الرغم من تفاعل الشارع الكويتي مع الاغلبية البرلمانية الا ان الاخطاء التي وقعت بها، والخلل الذي شاب خطواتها ومبادراتها، واهمها انفعالها المشين ضد الحريات العامة، واصطدامها مع بعض الشرائح الاجتماعية، واستسلامها للأصوات العالية داخلها ادى لخسارة مواقعها في الساحة.

وبظني ان قادة كتلة الاغلبية فشلوا فشلا ذريعا في ادارة المعارضة، ولم تكن اولوياتهم السياسية واضحة. فخلال الفترة التي تفاعلت كل الاطياف المجتمعية معهم، اصر البعض منهم على تبني خطاب اقصائي وطائفي، ولم يكن لقيادة الكتلة اي موقف واضح تجاه هذا النبذ الاجتماعي والديني.

وبدلا من استماعها لصوت العقل وتفاعلها مع اصحاب الاطروحات الفكرية والسياسية، فانها انساقت خلف اصحاب الاجندات الخاصة، فدخل ضمن طيف الكتلة من يهدد بنحر المخالفين، ومن ينادي بإسقاط الجنسية عن المدانين، ومن يطالب بإعدام المسيئين، ومن يهاجم ويتوعد المذاهب الاسلامية الاخرى، ومن يهدد بزعزعة الامن الوطني.

ان تصحيح المسار السياسي يبدأ من اعتراف كتلة الاغلبية بحزمة اخطائها السابقة، والاقرار بان منهجية الغاء المختلفين معهم هي منهجية مكلفة جدا على الحياة السياسية والمسيرة الديمقراطية، وان المصلحة العامة تقتضي ابداء التسامح مع الجميع والتوقف عن التشكيك في وطنية المخالفين لهم لأسباب دينية او مذهبية، والتخفيف من نظام التأديب ومحاولة تشريع الجزاءات والقوانين المقيدة للحريات، والاعتراف بضرورات العيش المشترك.