الانتخابات الاميركية: ماذا تعني للشرق الأوسط؟

لا يوجد ما يدفع للاعتقاد بأن بايدن سيكون أفضل للمنطقة من ترامب. راجعوا الدمار الذي خلفه أوباما.
ترامب انتخب لانه رجل اعمال ولأن الناس سئمت رجال السياسة
يجب الا يغرق العرب الكارهون لاميركا او ترامب في وهم ان بايدن سيصبح حليفهم
اذا كان بوش احد الاسباب الرئيسية في احتلال العراق فإن لأوباما دورا أساسيا في دمار الشرق الاوسط بكامله

وصلنا الثلاثاء الكبير الذي يتكرر كل أربع سنوات وقد لا نعلم نتيجة الانتخابات الأميركية لحين ما بسبب الوباء وعملية التصويت التي شملت حتى الآن ملايين المقترعين عبر البريد والذي يشكك ترامب بنزاهتها (صوت حتى صباح اليوم حوالي 100 مليون في التصويت المبكر منهم 56 مليون عبر البريد من أصل حوالي 150 مليون يتوقع ان يدلوا بصوتهم). هذه الانتخابات  الأميركية التي تجري في وضع داخلي وعالمي مليء بالتحديات الاقتصادية والأمنية والصحية تكتسب أهمية خاصة، بوجود الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي قلب الموازين بسياساته المتجاهلة لحلفاء أميركا التقليديين، في أوروبا خاصة ألمانيا وفرنسا، كندا، وغيرهم، مع العلم ان إخلاصه لإسرائيل تجاوز أي رئيس أميركي على الأقل منذ أن مرر الكونغرس قانون "سفارة القدس" عام 1995 (طالب فيه الحكومة الفدرالية بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية إليها في عهد الرئيس بل كلينتون الديمقراطي وسيطرة الجمهوريين على الكونغرس بشقيه)، تصبح الانتخابات مشوقة بشكل خاص. فنسبة الذين يتمنون خسارة ترامب قد تكون أكثر بكثير من الذين يتمنون فوزه وهذا يشمل الصين وأوروبا وإيران وتركيا وغيرهم.

رغم سياسات ترامب التي توصف بالعدائية نحو المهاجرين وسياسة منع السفر من عدة دول إسلامية الى أميركا لم يسبق لدول عربية وإسلامية ان هرولت الى طلب الرضا من ترامب والتطبيع مع إسرائيل كما حصل في السنوات الأربعة السابقة وتوجت بمد لم يسبق له مثيل منذ أوسلو من شرعنة علاقات كانت تدور بالسر لسنوات مع إسرائيل في الأشهر القليلة الماضية. واحد الأسباب المهمة في ذلك هو إيران وتعاظم النفوذ الإيراني في المنطقة التي بدأ بعد احتلال العراق وتدميره وتوَجَه الرئيس السابق باراك أوباما بالتوصل الى الاتفاق النووي مع إيران.

كان من المفروض ان يطمئن الاتفاق خصوم إيران في المنطقة إلى أن إيران لن تطور سلاحا نوويا لكن بالنسبة لإسرائيل والسعودية والعديد من دول الخليج إيران تريد الاستفادة من كسر عزلتها الاقتصادية والسياسة وتحسين وضعها الداخلي المتآكل ولكنها ابدأ لا تريد التخلي عن مشروعها النووي وفي النهاية هي ماضية لان تصبح قوة نووية. ان تحالف قوى إقليمية وعلى رأسهم إسرائيل بدعم من أميركيا يخلق حلفا وسدا في وجه الطموح التوسعي الإيراني في المنطقة وهو الرد الذي يسعى إليه خصوم إيران. وإسرائيل لا تخشى إيران ولكنها تستغل خوف العرب من إيران لتصفية القضية الفلسطينية وتفرقة العرب أكثر مما هم متفرقون وفتح الأقفال الاقتصادية الهائلة مع دول الخليج وأفريقيا.

كان إلغاء الاتفاق النووي مع إيران هو احد أهم المواضيع الذي ركز عليها ترامب في حملته السابقة 2016 وكان موضوع نقل السفارة الأميركية هو الموضوع الثاني وقد صدق ترامب في وعوده لناخبيه في المسألتين. فماذا سيتغير في حالة فوز جو بايدن نحو هاتين المسألتين؟ لا شيء. جو بايدن حليف قديم لإسرائيل والسفارة لن تعود الى تل أبيب. لا يتأمل الإيرانيون كثيرا من بايدن فهو لن يعود الى الاتفاق الأساسي الذي عقده أوباما والاتحاد الأوروبي وقد يسعى الى اتفاق معدل الأمر الذي رفضته إيران بشدة وقد ترغم على قبوله لإنقاذ الوضع الاقتصادي وإلا سيكون هنالك تصعيد خطير في المنطقة خاصة وان الانتخابات الإيرانية في يونيو 17 القادم قد تأتي برئيس محافظ أكثر تشددا.

والسياسة الخارجية بشكل عام والشرق الأوسط بشكل خاص ليست من أولويات أي من الطرفين. وقد تركزت المناظرتان الأميركيتان الأولى والثالثة (الثانية ألغيت بسبب إصابة ترامب بالكورونا) حول عدة مواضيع رئيسية، الشرق الأوسط والتواجد العسكري الأميركي فيه ليس من ضمنها: وباء الكورونا، النظام الصحي، التوتر العرقي، الهجرة، وأمن الانتخابات (اتهامات متبادلة بين ترامب وبايدن حول التدخل الروسي والصيني ومؤخرا الإيراني في الانتخابات). وحتى الآن يبدو ان كلاً من ترامب وبايدن في موقف واحد يسعى الى الحد من التدخل العسكري الأميركي الخارجي. وقد يكون اغتيال قاسم سليماني قائد فيلق القدس الإيراني في كانون الأول الماضي هو عملية نادرة لترامب الذي ركز أكثر على عقد صفقات مالية تجارية مع دول خليجية وغيرها وهي مسالة تناسب ترامب رجل الأعمال تماما الذي ذكر في إحدى جولاته الانتخابية مؤخرا أنه يُنتقد لأنه ليس رجلا سياسيا وهذا صحيح فهو انتخب لأنه رجل أعمال ولان الناس سئمت رجال السياسة وانه لو كان سياسيا لربما لم يتم انتخابه وترامب محق تماما في هذا مع ان الوضع من أربع سنوات ليس هو كما الوضع اليوم وليس بالضرورة ان يتم انتخابه مجددا هذه المرة.

ازداد الضعف الأميركي بقيادة أوباما الذي لم يفشل فشلا ذريعا فقط في سياسته الخارجية نحو سوريا والمنطقة بل وكانت سياسته سببا رئيسيا في تفاقم ويلاتها. فإذا كان جورج بوش قد كان احد الأسباب الرئيسية في احتلال وتدمير العراق فإن أوباما حامل جائزة نوبل للسلام والذي هلل له العرب كان عاملا رئيسيا في دمار الشرق الاوسط بكامله وتحويله مع حلفائه في المنطقة الى بؤر ظلام تكفيرية حين انسحب من العراق بدون ان يلتفت الى الوراء تاركا فراغا امنيا خطيرا خلق داعش وأعطى لإيران الحبل على غاربه لتفعل ما تشاء. نجح ترامب في تركيع عدد كبير من الدول العربية الذين يتمنون رضاه ويتمنون إعادة انتخابه. والدول الخليجية التي فرضت الحصار على قطر. وقطر نفسها تناروا في الحصول على دعم ترامب والتأكيد أنه في صفهم ضد الآخر. ومن المستفيد في كل هذا الوضع: إسرائيل، إيران، اردوغان الذي يستغل ضعف العرب والمسلمين ليفرض وصاية وخلافة عليهم وهو المستمر بعلاقاته الدبلوماسية والأمنية مع إسرائيل، الروس، الدكتاتوريات العربية القديمة والجديدة التي جاءت بعد "الربيع العربي."

لقد نجح بوتين منذ توليه أول سلطة حقيقية في روسيا، كرئيس وزراء تحت سلطة الرئيس بوريس يلتسين 1999، بالذي أراده معظم الروس بعد الانهيار السريع وغير المتوقع للاتحاد السوفياتي بإعادة روسيا الى مركز المسرح العالمي كقوة عظمى قادرة على التصدي والتحدي للهيمنة الأميركية التي تجلت كقوة وحيدة بعد سقوط القطب السوفياتي وأعطت المسرح للاميركان لان تصول وتجول في العالم بدون رقيب. فحين قررت أميركا غزو العراق تجاهلت معارضة الامم المتحدة وشركائها المانيا وفرنسا في الناتو وضربت عرض الحائط كل من عارضها. ولكن أميركا بعد سيطرة بوتين على روسيا لم تعد قادرة على شيء شبيه والقضية السورية اكبر مثال على ان ما كانت أميركا تستطيع فعله في السابق لم تعد تستطيع فعله اليوم بعد عودة روسيا كقوة عظمى فاعلة في السياسة العالمية لتفرض رؤى ومشاريع مضادة لأميركا. ترامب استطاع العودة بقوة الى الشرق الأوسط بفرض معادلات على الحلفاء والأعداء معا. لقد أتى ليعقد الصفقات وهو لا يهمه عدو أو حليف وان انتخب لا استبعد عودة علاقات قوية مع الصين والتي توترت بسبب الوباء وإيجاد صيغة ما مع الإيرانيين فإيران قوة كبيرة لا يجب الاستهانة بها.

في نفس الوقت يجب ألا يغرق العرب الكارهون لأميركا أو ترامب في وهم ان بايدن سيصبح حليفهم ولا الى ان بوتين هو المدافع عن قضايا العرب واردوغان عن قضايا الإسلام. وبالنهاية الشرق الاوسط هو ضحية الصراعات بين قوى دولية وإقليمية بسبب الضعف العربي الكبير. فرغم جميع التدخلات التاريخية في المنطقة وإقامة إسرائيل من الخطأ وضع اللوم على الاستعمار وعلى إسرائيل فقط رغم أدوارهما وتجاهل العامل الأهم في المعادلات العربية وهو العرب أنفسهم. أننا شعوب نعاني من الجهل ونعاني من الانجرار وراء الأجنبي ونعاني من التطرف والرجعية وقمع الحريات. إذا بقيت الأمور على هذا الحال لن تتصفى القضية الفلسطينية فقط بل كل القضايا العادلة لهذه المنطقة.