الانحراف التشريعي في البرلمان الكويتي

يساهم ساهم مجلس الأمة في تشريع الكثير من القوانين السالبة للحرية، والمغلظة في العقوبات، والمشجعة على ملاحقة الناس في معتقداتهم وافكارهم وانشطتهم اليومية.

سيادة القانون هي أساس السلم الوطني والاستقرار السياسي في الدول، وعامل أساسي في مسار التقدم الاقتصادي والاجتماعي. إن حجر الزاوية لسيادة القانون هو خضوع جميع الأفراد والمؤسسات والكيانات، بما في ذلك السلطة الحاكمة نفسها، للمساءلة أمام القانون.

سيادة القانون من شأنها أن تسهل على المواطنين الوصول إلى الخدمات العامة، وتمنع من إساءة استخدام السلطة، وتساعد على إنشاء عقد اجتماعي عادل بين الناس والدولة، وتمكن افراد المجتمع من الاحتكام إلى نصوص قانونية واضحة وثابتة تطبق بصورة متساوية على الجميع.

وفقا لذلك فإن وظيفة المشرع سن القوانين التي يحتاجها الاجتماع العام، وإصدار قواعد ملزمة لتنظيم سلوك الناس داخل كيان الدولة، والنائب في دوره التشريعي والرقابي يمثل -بشكل عام- الامة باسرها، ويمثل الناخبين الذين مكنوه من تبوء المقعد النيابي بشكل خاص.

ويمكن أن تنبع التشريعات التي يقرها المجلس التشريعي من الضرورة المكانية أو الزمانية، وقد تتغير إذا تغيرت الظروف السياسية والاجتماعية، وعليه فان السلطة التشريعية مسؤولة عن تنظيم حقوق وواجبات المواطنين وفقا لأحكام الدستور.

ان استقامة الاجهزة باختلاف مهامها ومسؤولياتها يكمن في الحياد والموضوعية عند ممارسة اعمالها. ومن المؤكد ان الجهات التشريعية معنية بالدرجة الاولى بالتزام اقصى درجات الحياد والموضوعية عند سن القوانين والانظمة واللوائح، اذ لا يجوز أن تشرع القوانين لخدمة أغراض خاصة، او الانتقاص من حقوق فئات محددة من المجتمع، او الانتقام والتشفي من المخالفين، فالمحبة والعداوة والتقييمات الشخصية لا دخل لها بسن القوانين.

لكن خلال الفترات الماضية تحولت قاعة عبدالله السالم في البرلمان الكويتي الى ميدان لتصفية الحسابات مع الخصوم واحيانا مع المواطنين ككل، ووضع بعض النواب البرلمان في موقف الخصومة مع المجتمع او مع بعض فئاته، بما يوجب وضع الدور التشريعي للبرلمان تحت مجهر النقد وتصحيح المسار.

لو استعرضنا عددا من القوانين او المقترحات التي نعتقد او يعتقد المهتمون انها صدرت لاستهداف مجموعات محددة، او لتقييد حريات شريحة من المواطنين، او لإقصاء اطراف لأسباب تتعلق بالدين او الجنس او غيرها، فسوف نفاجئ بحجم الانحراف التشريعي، وهو الامر الذي يتطلب وقفة جادة لإعادة البرلمان الى اداء دوره الوظيفي باستقامة.

لقد ساهم مجلس الأمة في تشريع الكثير من القوانين السالبة للحرية، والمغلظة في العقوبات، والمشجعة على ملاحقة الناس في معتقداتهم وافكارهم وانشطتهم اليومية. فعلى خلفية الصراعات السياسية بين النظام والاكثرية ما بعد العام 2011 أقر مجلس الامة في 16 يونيو 2015، قانون الجرائم الإلكترونية، الذي فرض خلاله عقوبات صارمة تصل إلى أحكام بالسجن وغرامات باهظة في قضايا تتعلق بحرية الرأي والتعبير.

والمطلع على توقيت وتفاصيل القانون، لاسيما مع ارتفاع وتيرة نشاط وسائل الاتصال الحديثة، يدرك انه جاء لتضييق مساحات النقد الموجهة للحكومة وحلفائها، ومعاقبة الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي وملاحقتهم وتقييد حريتهم.

وفي 29 يونيو من العام 2016 تم اضافة فقرة الى المادة رقم (2) من قانون الانتخاب تقضى بحرمان كل من أدين بحكم نهائي في جريمة المساس بالذات الإلهية، الأنبياء، والذات الأميرية من الانتخاب. وقد وجهت عدة انتقادات لهذا القانون والذي عرف "بقانون المسيئ"، حيث انه جاء مفصلا لعزل الناشطين والسياسيين وحرمانهم من حقوقهم الدستورية، وهو بالفعل ما حدث حيث انتهى تطبيق القانون الى ايداع عدد كبير منهم في السجون او اضطرارهم للهروب الى الخارج.

وحفلت الفصول التشريعية المختلفة بمقترحات قوانين تستهدف جهات او فئات محددة من المجتمع، مثل ادانة من يتعرض للصحابة دون تحديد من تشملهم هذه العبارة، ودون تحديد مفهوم التعرض لهم هل يقتصر على السباب الصريح ام يشمل حتى النقد العلمي. ويقضي القانون منع اي نقد او تقييم يوجه لشخصيات تاريخية، وهو مقترح يتسبب في شعور بعض المواطنين بانهم المستهدفين بشكل رئيسي، لكونهم يحملون رأيا اخر في الصحابة، ويعتقدون انهم شخصيات تاريخية خاضعة للنقد والتقييم.

ويشبهها التحركات النيابية نحو اقتراح بقانون بتعديل المادة 7 من القانون رقم 3 لسنة 2006 بشأن المطبوعات والنشر والذي يدفع نحو اعادة الرقابة الحكومية المسبقة على المطبوعات الواردة من الخارج، وبدلا ان يكون البرلمان دافعا للمزيد من الحريات فانه تورط في تشعب السلطوية وتوسعها بفعل عدد من النواب الذين اضاعوا البوصلة التشريعية.

ومثله حزمة المقترحات والقوانين المحرضة على مراقبة المواطنين او ملاحقتهم او مضايقتهم او التدخل في خصوصياتهم. وبدلا من ان يكون هدف المجلس فرض الرقابة على الحكومة ومحاسبتها وتقويم مسارها، فان اعضائه انشغلوا غالبا في فرض القوانين التي تسمح للدولة بالتغلغل في خصوصيات الأفراد والتضييق عليهم، ومنعهم من ممارسة شعائرهم، وملاحقة برامجهم الدينية او الثقافية.

وقدم بعض أعضاء مجلس الأمة مقترحات تستهدف حرمان المرأة من تبوء بعض المناصب العليا لاسباب دينية مثل منصب قاضية، على الرغم من وجود اجتهادات فقهية تجيز للمرأة تولي مثل هذه المناصب، ومثله التعديل الذي اضافته اللجنة التشريعية على المادة 16 من قانون المفوضية العليا للانتخابات والتي تنص على التالي: "ويشترط لممارسة الحق في الانتخاب والترشيح الالتزام بأحكام الدستور والقانون والشريعة الإسلامية"، وهي اضافة لا حاجة تذكر لها وتثير العديد من التساؤلات.

تثير مسألة الأسلمة التي يتبناها بعض الاعضاء مخاوف معتبرة ملخصها القلق من سوء استخدام هذه الضوابط لتضييق فرص المشاركة، وفرض هوية دينية محددة، مثل حرمان المرأة من حقوقها السياسية باسم الشريعة، او السماح لأعضاء المفوضية باستحداث ضوابط شرعية لم ترد في قانون الانتخابات للتحكم في مخرجاتها، وهي في الغالب اجتهادات فقهية تؤخذ وترد ولا ينبغي الزام الجميع بها.

ويمكن ان نلاحظ أن جملة القوانين المذكورة لم تأت لمعالجة مشكلة عامة وانما جاءت للانتقاص من جهات سياسية او شرائح اجتماعية او جماعات دينية محددة، او فرض هوية دينية وليست اسلامية على المجتمع، فهي لا ترجو تحقيق الاصلاح العام، وانما تستهدف الاضرار بأجزاء من المكون الوطني وإقصائه من الساحة بأغطية قانونية وشرعية، وبأيدي وجهود نواب في مجلس الأمة.