البابا فرنسيس.. جئت متأخرا

الولايات المتحدة التي عطلت زيارة البابا إلى العراق في زمن حصار الجوع في التسعينات، ترسل الآن بالتهاني لهذه الزيارة "التاريخية إلى مسقط رأس النبي إبراهيم".
أربيل خاتمة المعنى في لقاء البشر تحت سماء الله
الحج إلى أور في عرف الفاتيكان فرض ديني لا يعطله سياسي حاكم
كلمة أراد البابا فرنسيس قولها: من هنا بدأت البشرية حيث بعث الله أولى رسالاته المقدسة

بين أنقاض الخراب والدمار كان البابا فرنسيس يتجول، من بغداد مدينة أبي جعفر المنصور، إلى الإتجاه جنوبا نحو النجف مدينة آخر الخلفاء الراشدين، إلى أور مسقط رأس النبي إبراهيم الخليل، ملتقى أديان السماء، وبشائر ولادة الأنبياء والرسل، ومهبط الرسالات الإلهية للبشرية جمعاء، انتصبت فوق أرضها حضارة سومر أول حضارة إنسانية عرفتها الخليقة، نسجت فيها أولى الأساطير بمضامين العبرة والحكمة.

هناك في أور مدينة جامعة، التقت كل أديان السماء، في حضرة بابا الفاتيكان فرنسيس، على كلمة التوحيد الإلهي، بروح التسامح التي أوصى بها الله، فضاء يتآلف به البشر المؤمن بكلمة التوحيد.

كلمة أراد البابا فرنسيس قولها لمعتنقي رسالات السماء: أور.. من هنا بدأت البشرية حيث بعث الله أولى رسالاته المقدسة، ومن نسل أبيكم إبراهيم كان الأنبياء إسحاق ويعقوب ويوسف وداود وسليمان وموسى وعيسى ومحمد خاتم الأنبياء والرسل.

أور منها كان منطلق البابا فرانسيس إلى سهل نينوى، مدينة النبي يونس، ومرقده الأخير، وإليها وفد رسل السيد المسيح مبشرين برسالة السماء، نينوى عربيا ورد اسمها في لوائح الأديان كافة في السريانية لغة عيسى  ܢܝܼܢܘܹܐ، في العبرية لغة موسى נִינְוֵה، لغات تعددت من أصل آرامي واحد، مدينة كبرى في العصر القديم جعلها آشور القوة العظمى في عهده.

أربيل خاتمة رحلة البابا فرانسيس، ملتقى الحضارات قبل خمس آلاف سنة، ورمز التآلف بين أقوام الشعوب، خاتمة المعنى في لقاء البشر تحت سماء الله.

شواهد حضارات بشرية انتصبت على هدي رسالات السماء التي حملها رسل الله، دمرها سيئا الصيت "الأب والأبن" جورج بوش بتحالف همجي مع قوى شر أعجمية، فرقت بين الأب وبنيه، وشتت أبناء أمة واحدة في مواسم الخراب والدمار، ونسف أركان وحدة الأديان الإلهية وشواهد وحدة رسالات السماء.

كانت دولة الفاتيكان ترى ما يحل بمدن السماء، كادت تلتزم الصمت لولا عبارات سلام "خجولة" تتناقلها وسائل الإعلام، إرضاء لخواطر المؤمنين في أرض البشر، لكنها عبارات لا تخترق أذانا صماء.

كان العالم ينتظر زيارة بابا الفاتيكان إلى العراق في زمن حصار الجوع والعزلة المقيتة، وعود أطلقت حينها تجسد رغبة معلنة لم تجد لها صدى في ظل الإعداد لغزوة أميركية همجية، دمرت الشرق الأوسط بأكمله.

الفاتيكان قوة دينية صامتة، تلجمها القوى الكبرى، وتحركها إن أرادت لغايات مخطط خبيث، والبابا محكوم بإرادتها، لا يترجم مبادئ رسالات السماء إذا ما اعترضت خطاها المبرمجة في إستراتيجية مدمرة.

الولايات المتحدة التي عطلت زيارة البابا إلى العراق في زمن حصار الجوع الذي أطبقته على الشعب في عقد التسعينات، ترسل الآن بالتهاني لهذه الزيارة "التاريخية إلى مسقط رأس النبي إبراهيم" دون الخوض في أهدافها الآن.

الحج إلى أور، في عرف الفاتيكان فرض ديني، لا يعطله سياسي حاكم، تكتمل به قداسة البابا بأداء فرائضه كما قال إعلام الكرسي الرسولي: "العراق بلد مقدس سكنه الأنبياء"، لكنه جاء في زمن الخراب متخليا عن أدوات إعادة بناءه رمزا لوحدة الأديان السماوية، وتكريما لأب الأنبياء إبراهيم خليل الله.