البينية في البلاغة العربية

البينية في رسالة ماجستير الباحث أحمد السلمي سلامة مسلم، تأتي على مستويين.
مفهوم البينية في الثقافة الغربية الوافدة، وفي التراث العربي ممثلا في المعاجم
لجنة المناقشة حمدت للباحث ربط البلاغة بالبينية، وهو ربطٌ يؤسس اتجاهًا جديدًا في الدراسات البلاغية

مصطلح البَيْنِيَّة Interdisciplinary)) من نتاج الثقافة الغربية، ثمَّ انتقل إلى الثقافة العربية، واستفاضت الدراسات حوله. 
والبينية في رسالة ماجستير الباحث أحمد السلمي سلامة مسلم، المعيد بقسم اللغة العربية وآدابها تأتي على مستويين: 
المستوى الأول: هو علاقة علم البلاغة بغيره من العلوم والمعارف الأخرى، كعلم النحو والصرف، وعلم الأصوات، وعلم الدلالة، وعلم العَروض، والثقافة، والتاريخ، والمنطق والفلسفة...إلخ، وقد أشار كثير من البلاغيين صراحةً في كتبهم إلى هذه البينية.
المستوى الثاني: هو البينية أو العلاقات البينية في بنية الأساليب البلاغية المختلفة: أساليب علم البيان، وعلم المعاني، وعلم البديع. 
ويعني الباحث بــ"البَيْنِيَّة" في بحثه تلك الحركةَ التفاعليةَ التي تَعْقِدُ علاقةً بين الأطراف المتباعدة، وتطوي المسافات البَيْنِيَّة بينها؛ لِتُنتجَ البِنَى البلاغية، الأعلى بلاغةً. وقد أشار عدد من البلاغيين أيضا إلى هذه البينية، ومن هؤلاء: عبدالقاهر الجرجاني في الدلائل والأسرار، والسكاكي في مفتاح العلوم. وعلى هذه الفكرة تقوم الرسالة التي جاءت في مقدمة وتمهيد وثلاثة فصول وخاتمة. 
ناقش الباحث في المقدمة مفهوم البينية في الثقافة الغربية الوافدة، وفي التراث العربي ممثلا في المعاجم. وفي التمهيد تحدث عن صلة البلاغة بغيرها من العلوم، من خلال عرض للكتب التراثية التي تحدثت عن البينية أو أشارت إليها. 
وقد جاء الفصل الأول تحت عنوان "البينية في علم البيان" ويضم أربعة مباحث: البينية في بِنْيَةِ التشبيه، والبينية في بنية الاستعارة، والبينية في بنية المجاز المرسل، والبينية في بنية الكناية. 
وجاء الفصل الثاني تحت عنوان "البينية في علم المعاني، وهو يتألف من خمسة مباحث: البينية في ثنائيات الحذف والذكر/ التعريف والتنكير/ التقديم والتأخير، والبينية في الخبر والإنشاء، والبينية في بنية القصر، والبينية في بنية الفصل والوصل، والبينية في بنية الإيجاز والإطناب والمساواة.

Research
درجة الماجستير في الآداب بتقدير ممتاز.

وجاء الفصل الثالث تحت عنوان "البينية في علم البديع" وتحدث الباحث عن البينية في هذا الفصل من خلال بعض البِنى البديعية ذات الطبيعة الثنائية أو التكرارية.
وأشار الباحث في نتائجه إلى أنه إذا كانت البينية، بالمعنى المتداول، تعني عقد علاقةٍ بين التخصصات المتباعدة، فالأمر كذلك في علم البيان؛ إذ أنه يبدأ وظيفته البلاغية عندما تبتعد الدَّوال عن معناها الوضعي، أي تصبح هناك مسافة فارقة بين المعنى الوضعي والمعنى الطارئ لهذه الدوال، لكن هذه المسافة الفارقة تصبح هي العلاقة الرابطة بين المعنيين، أي أنَّ علم البيان يعتمد المفارقة على المستوى السطحي، لكنه يحتفظ بالعلاقة بين المعنيين على المستوى العميق، وهو ما يتيح لمنتج الكلام أن يعبر عن مقصوده الدلالي بطرق متعددة في الوضوح والخفاء.
وسلط الباحث الضوءَ على العلاقة بين طرفي ثنائيات علم المعاني، مثل: الحذف والذكر، والتعريف والتنكير، والخبر والإنشاء، والفصل والوصل، والإيجاز والإطناب. وهذه الثنائيات كلها تجمع بين طرفين متباعدين تمام التباعد، وهذا الجمع بين الأشياء المتباعدة داخلٌ في نطاق البينية، وقد نجد أنَّ أحد طرفي الثنائية يمكن أن يحلَّ محلَّ الآخر ويؤدي وظيفته؛ فالحذف قد يؤدي وظيفة الذكر؛ فالحذف البلاغي، في سياقات كثيرة، حذف وذكرٌ في آنٍ واحد، أما البينية في التعريف والتنكير، فهي وصف لتلك العلاقة التي توحّد بين طرفي هذه الثنائية (التعريف والتنكير) على الرغم من أنهما طرفان متقابلان، وتجعل أحدهما يحل محلَّ الآخر.
أما بنية الخبر والإنشاء فهي بنية ثنائية متقابلة، لكن الدرس البلاغي جمع بين طرفيها في بعض السياقات، مما يعني إمكانية تدخل العلاقة البينية في مثل هذه السياقات التي تتيح للخبر أن ينتجَ الإنشاء، كما تتيح للإنشاء أن ينتجَ الخبر.
إنَّ الفصل، في كثيرٍ من الحالات، يكون وصلًا. والفصل لا يعني الانفصال التام بين العناصر(مفردات أو جمل)، بل يؤدي ما يؤديه الوصل في أحايين كثيرة. والبينيةُ في الإيجاز والإطناب تعني أنَّ الكلام الواحد قد يكون موجزًا في سياق، ومطنبًا في سياقٍ ثانٍ، ومساويًا في سياق ثالث.
وأما علم البديع فقد ناقش فيه الباحث عددًا من الموضوعات والقضايا، مثل: اتهام البديع بالشكلية والتبعية، وعلاقته بعلميْ البيان والمعاني، وأكد أنَّ علم البديع له علاقة وثيقة جدًا بهذين العلمين، وأنه لا صحةَ لهذه التُهَم التي اتُّهِمَ بها علم البديع.
مفهوم البديع عند البلاغيين القدامى، أكَّد الباحثُ أنَّ مفهومه كان واسعًا عند كثيرٍ من هؤلاء البلاغيين، فقد درسوا فيه بعض أساليب علميْ البيان والمعاني.
كما تحدث الباحث عن البينية في أساليب علم البديع، من خلال مجموعةٍ من الأساليب التي تجمعُ بين طرفين متباعدين، وأكد أنَّ معظم هذه الأساليب يحلُّ فيها طرفٌ محلَّ الآخر، مثل الالتفات، والتجريد، والهزل الذي يُرادُ به الجد، وتجاهل العارف، والتورية، والطباق... إلخ.
إنَّ كلَّ علمٍ من علوم البلاغة يستحق أنْ تُدرس فيه البينية بشكلٍ موسَّع وباستفاضة كبيرة جدًا؛ لذلك أوصى الباحث بدراسة البينية في علم البيان، والبينية في علم المعاني، والبينية في علم البديع.
وقد أشادت لجنة المناقشة بالرسالة، وحمدت للباحث ربط البلاغة بالبينية، وهو ربطٌ يؤسس اتجاهًا جديدًا في الدراسات البلاغية.
نوقشت الرسالة في كلية الآداب جامعة عين وتكونت اللجنة العلمية من: أ.د. محمد عبدالمطلب مصطفى، أستاذ البلاغة والنقد المتفرغ، بكلية الآداب، جامعة عين شمس. أ.د. محمد إبراهيم الطاووس، أستاذ الأدب والبلاغة المتفرغ، بكلية الآداب، جامعة عين شمس. أ.د. إبراهيم محمود عوض، أستاذ الأدب والنقد المتفرغ، بكلية الآداب، جامعة عين شمس. أ.د. أسامة محمد البحيري، أستاذ البلاغة والنقد، بكلية الآداب، جامعة طنطا.
وقد منحتِ اللجنةُ الطالبَ درجة الماجستير في الآداب بتقدير (ممتاز).