التعايش في الأدب والسينما

مركز تعايش للسلم والتنمية والتبادل الثقافي بمدينة القنيطرة المغربية يقيم ندوة فكرية في حول موضوع "تيمة التعايش في الأدب والسينما".
الإصلاح الديني بأوروبا خلال العصر الحديث شكل مهدا لانبثاق وتشكل مفهوم التسامح بفضل رسالة لوك وفولتير وروسو
عز الدين المعتصم يتطرق إلى موضوع ملامح اشتغال تيمة التعايش في الخطاب الشعري

انطلاقا من الأهمية التي يكتسيها الفن والأدب باعتبارهما رصيدا حيويا مشتركا في مختلف دول العالم، قدم مركز تعايش للسلم والتنمية والتبادل الثقافي ندوة فكرية في موضوع "تيمة التعايش في الأدب والسينما" بقاعة قصبة المهدية بالقنيطرة بالمغرب، بمشاركة عدد من الأساتذة المتدخلين.
تضمنت أطوار الندوة الفكرية التي سيرها محمد الوكيلي تأطيرا نظريا لقيمة التعايش ومبادئها الأساسية من تسامح واختلاف وتضامن وتعاون ومساواة وعدالة وكرامة؛ ونبذت مختلف المداخلات العنف والكراهية والصراع. وبذلك قدم حسن الادريسي مداخلة من التسامح إلى الاعتراف نحو فهم فلسفي جديد للتعايش؛ فالرهان هو التأسيس للتسامح من منظور أوسع ألا وهو الاعتراف بغية تحقيق رهان التعايش، إذ لا يمكن بأي شكل من الأشكال أن نتحدث عن التعايش دون استحضار أسسه الفلسفية وسياقاته التاريخية. 
لقد شكل الإصلاح الديني بأوروبا خلال العصر الحديث مهدا لانبثاق وتشكل مفهوم التسامح بفضل رسالة لوك وفولتير وروسو، فبفضل كتاباتهم أدرك الإنسان الأوربي أنه لا يمكن أن يضمن وجوده إلا بضمان "العيش المشترك". بيد أن هذه الصيغة الأنوارية للتسامح، خصوصا كما عبر عنه لوك، ظلت قاصرة لأنها تقوم على التفاضلية والاستعلاء بين المتسامح والمتسامح معه في سياق نموذج عقلاني حداثي مغلق، فالتسامح الذي نادى به لوك هو التسامح بين العقائد العقلانية والرهان الأسمى هو الحفاظ على البقاء؛ أي درء العنف والصراع والاقتتال. هذه التناقضات التي لازمت التصور الأنواري للتسامح كانت مدعاة لنقد شديد من لدن أنصار الاعتراف في مقدمتهم أكسيل هونيث والذي قارب التسامح انطلاقا من براديغم أوسع ألا وهو "الاعتراف" من خلال إقراره بأن الإنتاجات البعدية (الدين، الثقافة، الفكر، المعتقدات... إلخ) ليست هي موضوع التسامح، وإنما ما يجب أن نتسامح فيه هو "السياقات البدئية" كالعرق والجنس واللون ... إلخ، إنه تصور يقبل جميع المرجعيات وليس تواجدها. 

ضرورة تكريس ثقافة التعايش في مقابل ثقافة العنف والكراهية والصراع التي تنخر مجتمعنا العربي 

هذه الأرضية الخصبة شكلت مجالا فلسفيا للنقاش من لدن فلاسفة ومفكرين آخرين من أبرزهم ويل كيمليكا الذي ألح على التعددية الثقافية، فلكي نتسامح يجب أولا نقبل ثقافة بعضنا البعض، إذ ليست هناك لغة أو ثقافة أفضل من أخرى. أما صاحب "سياسة الاعتراف" تشارلز تايلور فيذهب أبعد من ذلك، حيث يقول بأن الاعتراف ليس سببا وإنما نتيجة، بمعنى أننا لا ننطلق منه وإنما ننتهي إليه. أعترف بك لكي تتعايش معي وليس لكي نتعايش. بهذا النحو، يمكننا الحديث عن التعايش.
وتطرق عز الدين المعتصم إلى موضوع ملامح اشتغال تيمة التعايش في الخطاب الشعري؛ مقاربة في ديوان "أوراق الخريف" للشاعر المغربي محمد الحلوي، فأشار إلى أن  الشاعر المغربي محمد الحلوي يعد من فطاحل الشعراء الذين رفعوا رأس المغرب عاليا في في محافل الأدب وأندية الشعر في العالم العربي الإسلامي. ومن هذا المنطلق تهدف هذه الورقة البحثية إلى محاولة البحث عن ملامح اشتغال التعايش في ديوان "أوراق الخريف" للشاعر محمد الحلوي. يهدف الشاعر إلى ترسيخ مبدأ تلاقح الثقافات والحضارات ونشر قيم التعايش والتسامح والإخاء والوسطية والاعتدال، كما يروم توثيق هذه الوشائج والروابط الروحية والأخلاقية بوثاق الحب، مما أهل المغرب ليقدم نموذجا حضاريا راقيا في محيطه العربي والإفريقي والدولي.
كما تحدث عبيد لبروزيين في مداخلته المعنونة بـ: السينما المغربية وفيلم الخبز الحافي.. الصورة الجسد المتلقي كأفق للتعايش عن لمحة تاريخية لتطور الخطاب السينمائي وتناول تيمة التعايش، ومدى حضور هذه التيمة في فيلم "الخبز الحافي". 
وتقدم عبدالعالي كركوب بمداخلة: في الحاجة إلى التعايش، تضمنت تأطيرا نظريا لقيمة التعايش، واستندت في ذلك على إبراز دلالات لفظ "التعايش" من جهة، وتحديد أسسه الفلسفية بمرجعياتها المتعددة ومجالاتها المختلفة (أخلاقية، اجتماعية، سياسية) من جهة أخرى. وأكدت المداخلة أن قيمة التعايش لا تتحقق إلا في ظل توافر مجموعة من المبادئ الأخلاقية الاجتماعيى والسياسية، مثل: التسامح، الاختلاف، التضامن، التعاون، المساواة، العدالة، الكرامة... وشددت المداخلة في الأخير على ضرورة تكريس ثقافة التعايش في مقابل ثقافة العنف والكراهية والصراع التي تنخر مجتمعنا العربي.