التغيرات المناخية وتداعياتها في العراق (2)
خلال العقدين الأخيرين قدِم خبراء ومنظمات ومؤسسات متخصصة معنية بالمشكلات البيئية وبضمنها التغيرات المناخية، الكثير من المقترحات والمشاريع للحكومات العراقية المتعاقبة كمبادرة حريصة ومساهمة طوعية في إقتراح الحلول والمعالجات الآنية والعاجلة. ومنها:
* وضع أستراتيجية وطنية بيئية مدروسة علمياً وقابلة للتنفيذ على مراحل، مع ضمانات لتنفيذها، لمعالجة المشكلات البيئة الساخنة، وبضمنها التغيرات المناخية، ومكافحة التلوث بكافة أنواعه، وتنظيف البيئة من المخلفات والملوثات، ومتابعة التنفيذ على نحو جدي وملموس وفاعل، ومحاسبة المقصرين.
* إعتبار المناخ قضية تنمية وطنية وقضية أمن أساسية للأجيال الحالية والمستقبلية من المواطنين العراقيين. ومن هذا المنطلق وجوب إعلان حالة طوارئ مناخية في العراق.
* ان تتخذ الحكومة جميع التدابير اللازمة للتأكد من تعميم تغير المناخ في جميع القطاعات والسياسات الرئيسية وقرارات التخطيط والتمويل لحكومة العراق.
* أن يؤمن البرلمان ميزانية وطنية لتغير المناخ في عام 2023 لبدء تنفيذ أولويات المساهمة المحددة وطنيا.
* تطوير آلية تنسيق مؤسسي شاملة مع أدوار ومسؤوليات واضحة لكل وزارة وأصحاب المصلحة فيما يتعلق بالجوانب المختلفة لتغير المناخ.
* أن تعمل الحكومة بنشاط مع شركاء التطوير، والأمم المتحدة، والبنك الدولي، والمؤسسات الدولية الأخرى، لتعزيز تنفيذ المساهمات المحددة وطنيا.
* شكيل لجنة رفيعة المستوى لتتبع ورصد والإبلاغ عن التقدم المحرز في تنفيذ المساهمات المحددة وطنيا.
* أن تعمل اللجنة البرلمانية للصحة والبيئة كصانع تغيير رئيسي في جميع العمليات التي يشارك فيها العراق في تعميم تغير المناخ في الآليات التشريعية والتخطيطية والتمويلية.
* أن يتابع مجلس الوزراء وبصورة دورية تنفيذ أجندة المناخ في العراق وتنفيذ المشاريع البيئية.
وفي هذا السياق إستبشر حماة البيئة العراقية اقرار مجلس الوزراء في تشرين الأول 2021 وثيقة "الإسهامات المحددة وطنياً للعراق بشأن تغير المناخ"، بإعتبارها السياسة العليا للبلد بشأن التَّغيُّرات المناخية، وتولي الجهات ذات العلاقة العمل على تنفيذها. وجاء في الوثيقة ان العراق يعمل على اعداد: "خطة التكيف الوطنية" (NAP) بتمويل من صندوق المناخ الأخضر(GCF) وبالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP) والتي ستكون من ضمن الخطط الأساسية التي سيعتمد عليها البلد في تنفيذ هذه السياسة لضمان تحقيق المرونة لكافة القطاعات الوطنية الهشة ذات الأولوية خلال الثلاث سنوات القادمة لتقليل المخاطر المحتملة.
وطالب مختصون معنيون بالعمل الجاد والفاعل والعاجل لاعادة الأرض الى تضاريسها المسطحة الأصلية للحد من تأثيرات الانجراف الريحي على المدى البعيد. وتفعيل دور الهيئة العليا لمكافحة التصحر، بحثاً عن السبل الكفيلة للحد من تنامي ظاهرة التصحر في الأراضي ذات التقشر السطحي للتربة، واعتماد آليات لتطبيقها، في وقت فقدت البلاد اكثر من 70 في المئة من الاراضي الزراعية لصالح الصحراء. وذلك لاسباب عديدة اهمها الممارسات الخاطئة للانسان، فضلا عن الرعي الجائر والزراعة الهامشية في ارض غير مضمونة الامطار والتي اسهمت كلها بتدهور الغطاء النباتي للمراعي الطبيعية.
من جهتهم، طالب خبراء بيئيون عراقيون الحكومة بتفعيل قانون حماية وتحسين البيئة للحد من ظاهرة قتل التنوع الأحيائي والصيد الجائر(1). وطالبوا أيضاً بإحياء "مشروع الحزام الأخضر" الذي أنشيء في السبعينات ليسهم بخفض درجات الحرارة صيفاً وتقليل مضار العواصف الترابية، وتلطيف الأجواء، وامتصاص غاز ثاني أوكسيد الكاربون، الذي تطرحه المعامل والورش الصناعية، والحد من ظاهرة التصحر الزاحفة الى المدن.. فهذا المشروع فيما لو نفذ من شأنه خلق مناطق عزل تخطيطي، ويسهم في إقامة مرافق سياحية وترفيهية، ويشجّع الاستثمارات.
ودخل على الخط رئيس الجمهورية السابق د.برهم صالح، مشدداً على وجوب ان تكون مواجهة تغير المناخ أولوية وطنية وفرصة لتنويع اقتصاد العراق عبر دعم الطاقة المتجددة والنظيفة والمشاركة في أسواق الكربون، وتوفير ظروف معيشية أفضل وأكثر استدامة(2).
وقدمت رئاسة الجمهورية في تشرين الأول 2021 "مشروع إنعاش بلاد الرافدين" لمواجهة آثار التغيّر المُناخي في العراق(6)، ويمثل إطاراً استراتيجياً لحماية البيئة عبر شراكات إقليمية ودولية. ويركز المشروع، الذي أقره مجلس الوزراء في عام 2022، على 4 مجالات أساسية (وتتضمن 9 مشاريع): اعادة التشجير، الحدائق الخضراء والمحميات الطبيعية، ادارة المياه، معالجة الصرف الصحي، سدة شط العرب، تحديث طرق البناء، تحويل النفايات، والتقاط الغاز المصاحب، والطاقة الخضراء-، وانتهاز الفرص المتاحة من ناحية التمويل والتطبيق والتأثير على الانبعاثات الكربونية، وتعتمد على التكنولوجيا التي أثبتت جدواها(3).
وفي تشرين الثاني 2022 إقترح التقرير الصادر عن (البنك الدولي)، بعنوان: "تقرير المناخ والتنمية الخاص بالعراق" ان تكون نقاط الأولوية لمجموعة من الإجراءات في ثلاثة مجالات بهدف التصدي لتلك التحديات المجتمعة: الأول- التكيف، مع التركيز على العلاقة بين المياه والزراعة والفقر. الثاني- التخفيف، مع التركيز على خفض انبعاثات الكربون في سلسلة قيمة الطاقة. والثالث- إدارة تبعات التحول إلى اقتصاد منخفض الكربون على المالية العامة الكلية..
وحذر التقرير من أنَّ تَغيٌّر المناخ، وتفاقم شح المياه، يهدد العقد الاجتماعي في العراق في ظل نموذجٍ للنمو يعتمد بدرجة أساسية على النفط، الذي أنتج تقلباتٍ اقتصادية. وهدف التقرير إلى موائمة الأهداف الإنمائية للعراق مع ما يطمح إلى تحقيقه على مستوى العمل المناخي وعرض الخيارات المتاحة على صعيد السياسات لتنويع الأنشطة الاقتصادية وتحقيق التحوُّل المنشود. وأفاد التقرير بأن العراق يندرج ضمن البلدان الأكثر عرضةً لصدمات تغير المناخ، سواء من حيث التداعيات المالية أو المادية ومنها ارتفاع درجات الحرارة، وشح المياه(4).
وجاء في تقرير لصحيفة فايننشيال تايمز البريطانية: "في تطلع إلى مستقبل أفضل، يجب أن يعود العراق إلى الماضي الأخضر القريب، بمشروع إحياء بلاد ما بين النهرين وهو مجموعة من المشاريع التي تركز على العمل مع القطاعين العام والخاص لتحقيق الأهداف المناخية”. وأن “أحد الطرق هو من خلال جهود وطنية واسعة النطاق لإعادة التشجير في جنوبي وغربي البلاد من خلال زراعة أشجار النخيل واستعادة الغابات في المناطق الجبلية والحضرية في كردستان، تشمل الأفكار الأخرى تحديث إدارة المياه وزيادة استخدام الطاقة الشمس"(5).
ومشروع الحزام الأخضر ليس وليد اليوم، بل منذ مدة طويلة، وكانت أمانة بغداد قد كشفت، في وقت سابق،عن تفاصيل المشروع حول العاصمة، وأشارت إلى انه سيسهم بخفض درجات الحرارة وتقليل العواصف الترابية، وقد خصص لإنشائه 10-15 مليار دينار، كونه من المشاريع المهمة. الا أن وزارة الزراعة تلكأت بتنفيذه، فيما استبعد بعض الخبراء إمكانية تنفيذ المشروع حول العاصمة. وقالت وزارة الزراعة، إن الجهات المسؤولة عن المشروع هي أمانة بغداد ومديريات البلديات، وإن الوزارة غير معنية بالأحزمة الخضراء، لكنها داعمة للجهات ذات العلاقة بالشتلات وفسائل النخيل والأمور اللوجستية(6).
هكذا، بدلا من التنسيق والتعاون لخدمة المصلحة العليا، يتم " قتل المشاريع الكبيرة التي تخدم الناس وتدفن تحت طائلة الفساد والتخبط الحكومي والتخطيط غير المبرمج، مثل ما جرى قبلها لاستثمار الغاز الطبيعي والمصاحب، وميناء الفاو الكبير، والكهرباء، والعشرات من المشاريع الاخرى"- وفقا للأكاديمي نبيل رومايا، المتخصص بتكنولوجيا المعلومات(7).
وبعد ثلاث سنوات، وتحديداً في شباط 2025،أعلنت أمانة بغداد أن ملاكاتها المختصة ستبدأ خلال الموسم الربيعي المقبل بتنفيذ المرحلة الأولى من "مشروع الحزام الأخضر" في العاصمة، بهدف تحسين البيئة والتخفيف من العواصف الترابية وإضفاء الجمال على مختلف مناطق بغداد.
وفيما "ستبدأ" أمانة بغداد (أي أنها لم تبدأ بعد) بمشروع الحزام الأخضر في العاصمة، ولا ضمانات أكيدة بالتنفيذ، تسعى محافظة ميسان-كما أعلن ديوانها قبل أيام، الى إعادة النظر في مسار مشروع الحزام الأخضر لمدينة العمارة، بما ينسجم مع التوسع العمراني في التصميم الأساس المحدث للمدينة ليحيط بكامل احياء المدينة المستحدثة والقديمة وخارج التجمعات السكنية.
والمعروف ان ميسان لا تملك فرص ما تملكه بغداد من حيث الإمكانيات والقدرات المالية والمادية..
وبالعودة للمقترحات والمشاريع التي قُدِمت للحكومات المتعاقبة، كمبادرات مخلصة ومساهمات حريصة في رسم الحلول والمعالجات الجدية والفاعلة للمشكلات البيئية الساخنة وبضمنها التغيرات المناخية وتداعياتها المتفاقمة، نتساءل: أين صارت؟ وما الذي أخذت به منها؟
الهوامش:
(1) "الصباح"،12/ 7/2023.
(2) رئيس الجمهورية: مخاطر التغير المناخي تهدد العراق،" طريق الشعب"،1/11/2021.
(3) رئاسة جمهورية العراق، مشروع إنعاش بلاد الرافدين لمواجهة آثار التغيّر المُناخي في العراق،17 /10/2021.
(4) البنك الدولي، بيان صحفي، بغداد،9 / 11 / 2022.
(5) تأثيرات المناخ على العراق، متابعة: "المدى"، 1/11/2021.
(6) "بغداد اليوم"، 13/4/2022.
(7) نبيل رومايا، البيئة والشباب، والحزام الاخضر، موقع (الناس)،9/ 11/ 2021.