التونسية أماني الزعيبي: الأصوات النسائيّة أكثر تنوعا وتأثيرًا في الإبداع الشعري
ترى الشاعرة التونسية الدكتورة أما الزعيبي أن هناك العديد من التحديّات التي تواجه المرأة الشاعرة، مثل صعوبة الاعتراف بأهميّة مُنجزها الشعريّ، لافتة النظر إلى أن الترجمة علمتها الصبر على المعاني، والتأمل المُستمرّ في وضعية اللغة العربية في حياتنا وعلاقتنا مع الآخر، معتبرة الفلسفة نسيج عجائبيّ يبدأ بمحبة الحكمة، والشعر جذاب للجنون والمحبة.
التقينا بالشاعرة الزعيبي على هامش مهرجان الشارقة للشعر العربي في دورته الـ 21 وحاورناها حول الشعر والفلسفة والقصيدة النسوية وقضايا أخرى فكانت هذه الأفكار والتطلعات.
• الشاعرة التونسية د. أماني الزعيبي، متى أخذتك القصيدة إلى عالمها الرحب؟
أخذتني القصيدة إلى عوالمها الرحبة منذ بدأت قراءة الشعر أيام المعهد، حيث اطلعتُ على الشعر الجاهلي، مرورا بالشعر الأمويّ والعباسي والأندلسي، وصولا إلى الشعر الحديث والمعاصر. آنست تاريخ الشعر فترة طويلة، وهذا ما أخذتي إلى الكتابة. كنتُ أعبّرُ عن ذاتي بالشعر الذي منحني طاقة عجائبيّة في مواصلة الحياة بشغف مُتوقّد. كتبتُ الشعر في سنّ مبكر، وأشاد أساتذة التعليم الثانوي بموهبتي المبكّرة. بدأتُ مسيرتي الحقيقيّة في الشعر في الجامعة، وتحديدًا بعدَ تعرّفي على كوكبة من الشعراء الطلبة الذين يسبقونني في كتابة الشعر الموزون، كنّا ننشطُ أسبوعيّا في نادي الشعر نتعلمُّ العروض في ورشات. تطوّرت نصوصي كثيرا، وشاركتُ في المسابقات الشعريّة واستفدت من أراء اللجان والنقاد. حصدتُ الجوائز الوطنيّة وبدأ نصيّ يشدّ رحاله نحو آفاق جديدة. ودخلتُ البيوت العربيّة من خلال مشاركتي في الموسم الثامن من برنامج أمير الشعراء في الإمارات سنة 2018/2019
• أنت شاعرة من جيل الألفية الجديدة، كيف تقيمين المشهد الشعري النسوي في هذه الحقبة الجديدة؟
يشهدُ المشهد الشعري النسائيّ في هذه الحقبة تطوّرا بيّنًا، حيث أصبحت الأصوات النسائيّة أكثر تنوعا وتأثيرًا في الإبداع الشعري. وهذا ما أفضى إلى تمكين الشاعرات وإبراز مُنجزهم الشعري. ويعودُ ذلك إلى الجرأة في التعبير عن القضايا النسويّة والمجتمعيّة، وكسر التابوهات الثقافيّة والاجتماعيّة. إلى جانب ذلك، دعم المؤسّسات الثقافيّة والأدبيّة للشاعِرَات من خلال الجوائز الأدبية والمهرجانات وورش العمل. ومع ذلك هناك العديد من التحديّات التي تواجه المرأة الشاعرة، مثل صعوبة الاعتراف بأهميّة مُنجزها الشعريّ. ربّما يرجع ذلك إلى الضغوطات النقديّة وذكورية الوسط الشعري، وقد يعود ذلك إلى بروز بعض الأصوات النسائيّة التي شوّهت المشهد بادّعَاء الشعر والعيش في وهم النجوميّة، فعالم الشعر مُغري وساحر. لكن في النهاية ما يبقى أمام غربال التاريخ هو النصّ وخصوصيّة المشروع الشعريّ.
• أي ضوء سرد سيرته شعرا في عالم مضبب، وأين حلّقت بك لأخر المعجزات؟
ثمّة سرديّات لا تُقالُ إلا شعرًا، وثمّة ضوء يُسردُ في جسد القصيدة. انتبهتُ إلى ذبذبات القصيدة وديمومتها الصافية وزيغها المتوثب واستقبالها للحظات المختلفة، فكتبتُ كل هذا في باكورة أعمالي سيرة الأضواء الصادر عن دائرة الثقافة بالشارقة سنة2019. فحواه نصوص كُتبت في صفاقس، أيام الحياة الطلابيّة، فيها بعض المغامرات اللغويّة الحميمة مع الإيقاع والمجاز. في تلك الفترة، كنت ممتلئة بقوى خارقة أو خواء حماسيّ أو يمكن أن أسميه تجربة مُباشرة مع الوجود. لم أخف من الإخفاق، أفتحُ أبواب التجريبِ وأُفتنُ بالنصوص المحبوكة بالمطلق. حينَ لامستُ أشباح العالم وضعتُ قلبي على حافة اللغة، وكتبتُ بماء العين ونشدتُ المعجزات والآمال المقبلة. ولا أقصدُ بالمعجزة في معناها الديني العقائدي وإنّما هي عبارة مجازيّة لما يُقدّمُه الشعر اليوم. ُ ليس الشعر مجرد لغة مُنسابة مُوسيقيًّا وتراكيب مُفتعلة تستجدي التصفيق، إنَّمَا هو لسانُ الذّات والشعوب، ورحلة وعرة مع اللغة والتاريخ وهشاشة الحياة. أعرفُ أنَّ كلّ فنّ تُرافقه الموسيقى وتنتصر بعظمتها على اليأس، لكنّ الشعر يحتاجُ الموسيقى في ذاكرتها وخيالها الحالم وعنفوانها الوقّاد ويحتاجُ إلى المعاني الدراميّة الراهنة وإلى صرخة عصفور مجهول لا يراهُ سوى الشاعر التجريبي.
• الشعر والفلسفة ما الرابط بينهما، وهل ثمة علاقة جدلية بين الفلسفة والشعر؟
الفلسفة نسيج عجائبيّ، يبدأ بمحبة الحكمة ويلقي بالذّات في مجرى المفاهيم الفلسفيّة والجنون والمسارات المختلفة. والشعر جذاب للجنون والمحبة. والعلاقة بينهما قديمة منذ الفلسفة القبـسقراطيّة، وبلغت حدّ الخصومة مع أفلاطون. هي علاقة جدليّة تجمع بين العاطفة والعقل، وبين الخيال والمنطق. كلاهما يُثري الآخر بطرق مختلفة، مما يجعل الحوار بينهما ممتدًّا عبر العصور. مكّنتني الفلسفة من الانغماس في صداقة مع سبارتاكوس و بارمنيدس وهرقليطس و إليوت و باشلار و نيتشه.
• كونك عملت بالترجمة ماذا أضافت لك كشاعرة، وهل الترجمة خيانة للشعر؟
قدمتُ مساهمة في الترجمة، وخضتُ هذه التجربة لشغفي الكبير بالترجمة. وهي محاولة لاستضافة نصّ إلى لسان عربيّ. وأنا لا أقول إنّني مترجمة، ولكنّي أترجم، وأحبّ الترجمة ومدفوعة نحوها. وقد أضافت لي هذه التجربة حوارا آخر مع آدب مُغاير ومختلف. فتكون التجربة عملية عبور عمل فنيّ من لغة أجنبية إلى اللغة الأم. علّمتني الترجمة الصبر على المعاني، والتأمل المُستمرّ في وضعية اللغة العربية في حياتنا وعلاقتنا مع الآخر. وترسّخت علاقتي بالنصوص.
• القصيدة المقاومة هل استطاعت أن تتمثل المرحلة الراهنة أم أن خفت وهجها؟
ما يحصلُ في هذا العصر أكبر من أن يُتمثّل في الشعر، ربّما يحتاجُ إلى سرديات طويلة تتعاطى مع وحشيته والبالغة، لأنّه فاق كل احتمال. ومع ذلك، حاول الشعر التعبير عن الراهن، وهو منذُ القديم فعلُ مقاومة لأشكال الهيمنة والدمار والخراب والعبوديّة. شعر المقاومة بمعناه الواسع هو تحرّر من الأزمة وتعبير عن ديمومة الحياة واستمراريتها.
• القصيدة العربية برأيك أخذت بالتراجع أمام طغيان السرد الروائي؟
يمكن القول إنّ الشعر لم يتراجع، بل تغيّرت وسائله في التعبير والانتشار. ومازال الشعر موجودًا ومؤثرًا، ولكنه يُواجه تحديَّات في الانتشار مقارنة بالرواية. وقد تكون الرواية الآن في الصدارة من حيث الشعبية والانتشار، ويبقى الشعر فنّا خالدا يتجدد مع الزمن. ربّما نحن أمام لحظة تحول وتعير. يحتاجُ الشعر إلى منصات جديدة قادرة على استعادة الجمهور بأساليب معاصرة تتماشى مع ذائقة العصر.
• ما تأثير الذكاء الاصطناعي على القصيدة والأدب العربي؟
لا يهدّد الذكاء الاصطناعي القصيدة والأدب، وقد يُعتمد كتقنية حديثة لتوسيع آفاق الأدب وتقديم طرق مبتكرة للتفاعل مع الإبداعات العربيّة.
• نلت العديد من الجوائز، هل الجوائز تعد حافزا للإبداع؟
ليست الجوائز غاية بالنسبة إليّ، ولكنّها أصبحت بوابة العبور الرسمية للعمل الأدبي إلى المُتلقي والاهتمام النقدي. مهمُّ أن يفوز الشاعر بجوائز وطنيّة أو عربيّة، غير أنّ الأهم هو خصوصيّة عمله الإبداعي واستمراريته.