الجعيد يدعو لمنظمة عالمية خاصة بالأمن السيبراني

الباحث القانوني السعودي أصيل الجعيد يعالج الكثير من القضايا التي تخص الجرائم الالكترونية في المملكة العربية السعودية.
دعوة للحكومة السعودية إلى ضرورة سن القوانين اللازمة
قضايا تخص المجتمع وأمن المملكة العربية السعودية داخليا وخارجيا
دائما ما تثبت الأيام أن السعودية من الأمم الفعلية لا اللفظية

شهدت السنوات الأخيرة اختراقات رقمية عالية المستوى للعديد من الشبكات والأنظمة والبرامج في مختلف الدول شرقا وغربا، فيما عرف بالهجمات السبرانية، للحصول على معلومات حساسة أو تدميرها، وآخرها كان ما تعرضت له عدة مؤسسات حكومية أميركية، منها وزارة الخزانة والإدارة الوطنية للاتصالات والمعلومات (NTIA) التابعة لوزارة التجارة الأميركية، لهجوم سيبراني ناجح. وهذا الكتاب للقانوني السعودي د.أصيل الجعيد "السيبرانية والقانون.. حوادث ومسائل" يأتي محاولة لتشكيل منظومة فكرية قائمة على التطبيق العملي والخبرات المنقولة ودعوة للحكومة السعودية إلى ضرورة سن القوانين اللازمة في مواجهة ما يمكن أن تتعرض لهجمات خبيثة لجهات محسوبة على أعداء المملكة ممن يكرهون لنا التقدم والازدهار، ويهاجمون الرباط الوثيق بين الحكومة والشعب.
اقترح الجعيد في كتابه الصادر عن مؤسسة أروقة للنشر والترجمة خطة أوضح أهم محاورها مؤكدا ضرورة اهتمام الهيئة الوطنية للأمن السيبراني السعودية أن تهتم بها وتتمثل في "تطوير استراتيجية وطنية للأمن السيبراني لحماية البنية التحتية للمعلومات الحساسة والسرية، والبدء في وضع إطار تعاون وطني بين الجهات الحكومية وشركات الاتصالات والمعلومات في القطاع الخاص، والتصدي للجرائم السيبرانية من خلال اقتراح قوانين إلكترونية، وهنا حقيقة تظهر إشكالية لا بد من حلها، وتتمثل في: أولا: أن التكنولوجيا تتطور بشكل يومي، والقانون لا يتطور بنفس الوتيرة المتسارعة، وربما تشكل الهيئة الوطنية للأمن السيبراني مع هيئة الخبراء في مجلس الوزراء لجنة تشريعية خاصة من المختصين القانونيين والتقنيين لوضع حل لهذه المعضلة. ثانيا: وضع آلية وإطار وطني لإدارة الأزمات السيبرانية ونظام إنذار مبكر لحماية المعلومات في الجهات الحكومية والخاصة، وإقامة حملات توعوية لتعزيز ثقافة وقائية للأمن السيبراني. ثالثا: التعاون مع وزارة التعليم لافتتاح أقسام أكاديمية خاصة بتخصص التحقيق الجنائي الرقمي. رابعا: البدء في صنع مبادرة دولية لجعل الرياض مركزا لاتفاقية دولية بشأن الأمن السيبراني.

الجعيد لا يتوقف عن الاقتراح ووضع الخطط والدعوة إلى وضع القوانين اللازمة وتقوية القوانين القائمة بما يمكن المجتمع السعودي من حماية مكتسباته داخليا وخارجيا 

وقال الجعيد - الذي يعمل أستاذا مساعدا في القانون الجنائي بمعهد الإدارة العامة بالرياض - "في أيامنا هذه، أصبح الجميع إعلاميين، يملكون منصات إعلامية متمثلة في هواتفهم الذكية، ووسائل التواصل الاجتماعي، ويروّجون خلالها لأفكارهم التي يرون صحتها. من خلال هذه الحقيقة، يتضح أن الأمن الوطني السيبراني الإعلامي أمرٌ جلل وخطير، ويتطلب من الهيئة الوطنية للأمن السيبراني التصدي له باقتراح التشريعات المناسبة. فنحن نواجه حربا إعلامية سيبرانية في وسائل التواصل الاجتماعي بشكل يومي، وحسابات وهمية يقودها أعداء لا هَمّ لهم إلا محاربة قرارات الحكومة الحازمة الإصلاحية المستنيرة. دول كألمانيا أصدرت قانونا عُرف اختصارا باسم (نيتس دي جي) تم اعتماده في نهاية يونيو/حزيران 2017، وبدأ سريانه في أوائل أكتوبر/تشرين الأول.
وأضاف "أعطيت شبكات التواصل الاجتماعي فرصة حتى نهاية عام 2017، للاستعداد لبدء تنفيذ القانون الذي يلزم شركات مواقع التواصل الاجتماعي بإزالة منشورات الأخبار الكاذبة والكراهية، والمحتويات غير القانونية، ويغرّمها في حال أنها لم تُزل بمبالغ تصل إلى 50 مليون يورو، وتعطى الشركة مهلة 24 ساعة لإزالة المحتوى، وفي فرنسا، وعد الرئيس الفرنسي ماكرون بلقاء مسئولي شركة «جوجل، فيسبوك، أبل، تويتر» في إطار جهوده نحو إصدار قانون لمكافحة الأخبار الكاذبة في العام ذاته، وفي هولندا فرضت غرامات وسجن بحق عبارات الشتائم وغيرها، وفي إسبانيا، وكذلك بريطانيا والسويد والدنمارك يواجهون جرائم التواصل الاجتماعي بجهود قانونية خلاقة. طبيعة الجرائم المعلوماتية بشكل عام، أو جرائم التواصل الاجتماعي تحديدا، أنها لا تلتزم بالحدود الجغرافية، وهذا يضع عبئا وعائقا كبيرا على المشرع، ورجال تطبيق القانون من شرطة وخلافه، لمتابعة هؤلاء المجرمين وراء الحدود السياسية للدولة.
ورأى الجعيد أنه "لذلك، فإن أحد الحلول القائمة هو الاتفاقيات الدولية بشأن الجرائم المعلوماتية، وكذلك اتفاقيات تسليم المطلوبين بين الدول. الحق أنه ينبغي أن يكون هناك تعاون دولي أكبر بشأن هذه الجرائم، فما يزال التعاون الدولي القانوني غير مثمر، وربما تتحرك الهيئة الوطنية للأمن السيبراني نحو أن تكون السعودية إحدى الدول البنّاءة، والتي تسعى إلى مصلحة هذا العالم أجمع، بأن تكون أيقونة معاهدة دولية تجمع معظم دول العالم، وتقرب وجهات النظر، والأهم تسليم المطلوبين في الجرائم المعلوماتية بين الدول، حتى يشكّل هذا رادعا لمن يقوم بمثل هذه الجرائم. إن التغيرات السريعة التي تطرأ على الجرائم المعلوماتية تعني أن قانون مكافحة الجرائم المعلوماتية السعودي، ربما يكون له وضع خاص، بحيث يتم تعديله ومراجعته الدورية كل 3 أشهر، لأن التكنولوجيا والمجرمين يطورون كل يوم أساليبهم في الجرائم المعلوماتية، والقانون لا يتطور بالتسارع نفسه، لذا وجب إيجاد آلية تشريعية لمواكبة هذا التطور التكنولوجي الإجرامي".
وأكد أن "أخطر أنواع جرائم التواصل الاجتماعي، هي جريمة الشائعات الإلكترونية، والتي تتسبب أحيانا في خلق فوضى إعلامية لدى الناس، وتقوّض جهود الجهات الحكومية الإعلامية. لذا، أقترح على من يهمه الأمر، وضع آلية خاصة لتطوير قانون مكافحة الجرائم المعلوماتية ومراجعته، وتخصيص لجنة في الهيئة الوطنية للأمن السيبراني، تتولى الجانب الإعلامي الإلكتروني، وربما بالتعاون مع وزارة الإعلام للتصدي الإيجابي والسريع جدا، لتكذيب تلك الشائعات بشكل رسمي أو بشكل غير رسمي، من خلال المؤثرين من المشاهير، سواء عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي، أو خلال مؤتمر صحفي على مدى 24 ساعة يوميا".

الأمن السيبراني
أصيل الجعيد

ورأى الجعيد أهمية إنشاء منظمة عالمية موازية لمنظمة الأمم المتحدة للتخصص فقط بالأمن السيبراني وفضائه، فهذا أمر مهم جدا في الوقت الراهن، وحبذا لو تكون السعودية راعية لمثل هذا الاقتراح، وتجتمع كل دول العالم بالرياض يوما ما - وهذا ليس حلما - بل أتمنى أن يكون واقعا ذات يوم، فالسعودية تقود مشروعا إقليميا تنويريا مستقبليا مضادا للأصوليات البائدة، والتي جربت كل ما لديها من أفكار ولم تفض لأي شيء غير التقوقع حول نفسها منتجة ظلاما دامسا. السعودية اليوم تصنع سماء خاصة بها تختلف عن سماوات الآخرين، ومنظمة الأمم المتحدة على الصعيد الآخر مترهلة قانونيا على المستوى التنظيمي، ولا أعتقد أنها تضطلع بمثل هذه الجهود، بل إن الاتحاد الأوروبي سبقها كثيرا بخطواته الجادة جدا من خلال توجه أعضائه نحو الأمن السيبراني.
وأشار إلى إن التكنولوجيا والأمن السيبراني ومخاطره على الاقتصاد والنسيج الاجتماعي مثلا أمر ليس هينا، بل أمر يحتاج تحركا سريعا نحو التعاون الدولي لوضع أطر ومعايير بحد أدنى تكفل فيها الدول حقوقها، وعطفا على ظهور علامات اضمحلال للحدود السياسية للدول بسبب الفضاء السيبراني، فإن الحكومات وسياساتها أصبحت سيبرانية كذلك! كيف؟.. الدول بصناديقها السيادية أصبحت تستثمر في شركات تكنولوجية كبرى، وهذه الشركات هي بمثابة حكومات عالمية بحجم المال المملوك، وبتأثيرهم ليس فقط في السياسة المحلية بل العالمية، لذلك أتوقع أن يكون شكل الحكومات القادم هو سيبرانيًا على شكل شركة خاصة لها أذرعها في كل مكان، وما دام أن الفضاء السيبراني يؤثر في الحدود السياسية للدول فلا استغراب هنا، فالأموال أصبحت تتحرك بسهولة وتستطيع افتعال حرب وإغلاق منشآت حيوية بسبب شخص واحد بارع في القرصنة، بل يصل الأمر إلى تغيير توجهات الرأي العام بقيادة حسابات وهمية، أو على الأقل إيهام الشارع بشكل آخر غير الحقيقة، الأمر فعلا مخيف، بل حتى الخصوصية في هذا الفضاء تراجعت، فقد يعرف أحدهم تاريخك كاملا من خلال نظرة بسيطة لجوجل.
ولفت الجعيد إلى إن شراء المملكة حصصا في شركات تكنولوجية عملاقة هو سياسة سيبرانية ذكية تنم عن عمق إرادة حكومتنا المستنيرة لدعم أجيال المستقبل، ولأن تكون لاعبا سياسيا سيبرانيا عالميا لا يستهان به، ودائما ما تثبت الأيام أن السعودية من الأمم الفعلية لا اللفظية!
عالج الجعيد الكثير من القضايا التي تخص الجرائم الالكترونية في السعودية وما يتصل بها من قضايا تخص المجتمع وأمن المملكة العربية السعودية داخليا وخارجيا، وهو خلال ذلك لا يتوقف عن الاقتراح ووضع الخطط والدعوة إلى وضع القوانين اللازمة وتقوية القوانين القائمة بما يمكن المجتمع السعودي من حماية مكتسباته داخليا وخارجيا في فترة يتطلع فيها إلى المزيد من القوة داخل المحيط الإقليمي والدولي.