الحرية أنثى تقف على الجبهات
فشل النظام الإيراني في معالجة الاحتجاجات الشعبية التي نشبت بعد مقتل الفتاة الكردية مهسا أميني على أيدي أفراد من شرطة الأخلاق الإسلامية بسبب الاعتراض على طريقة لبسها لغطاء الرأس الخاص بالنساء والذي تُطلق عليه تسمية "الحجاب".
مهسا كانت عنوانا للاحتجاج على سلطة المرشد الأعلى وما يلحق بها من مؤسسات، صارت بمثابة رقيبا أمنيا على المجتمع الذي هو من وجهة نظر تلك المؤسسات لم يبلغ الرشد بعد وهو في حاجة إلى من يرشده لكي يصل إلى مرحلة البلوغ العقلي التي تؤهله لفهم الفكر الشمولي الذي يساعده على أن يكون عنصرا ايجابيا نافعا في بناء مجتمع ثوري إسلامي يقف صفا واحدا في انتظار ظهور الإمام الحجة، المهدي المنتظر.
وبما أن ذلك الإمام المعصوم لم يظهر بعد فإن السلطة كلها ستكون بيد الولي الفقيه الذي هو مرشد الثورة ولن يكون الخروج عليه سوى معصية لمبادئ الثورة التي جاءت من أن أجل تخليص البشر من فسادهم وتنقية أرواحهم من كل مظاهر الردة والكفر.
لقد أراد النظام الإيراني من خلال قتل أميني تلقين النساء الإيرانيات درسا في القسوة لا يُنسى. في المقابل هناك إيرانيات يمثلن جيلا جديدا لا علاقة له بالنساء العقائديات اللواتي اعتقدن أن الخميني سيفتح أبواب إيران على مستقبل، كله حرية وعدالة ومساواة. قبل أكثر من أربعين سنة كان وهم الثورة قد أعمى النساء عن النظر إلى حقيقة موقف الخميني المعادي للمرأة. أما اليوم وفي ظل كل ما يشهده العالم من تحولات في وسائل الإتصال فإن المرأة الإيرانية صارت على بينة من موقعها. فأما أن تستمر في إداء دورها التقليدي باعتبارها عورة يجب إلقاء الحجاب عليها أو تظهر على السطح لا باعتبارها ندا للرجل بل شريكا له في بناء مجتمع عادل لا يميز في الواجبات والحقوق بين أبنائه.
ما لم يفهمه نظام الملالي وعلى رأسه المرشد أن المجتمع الإيراني قد تغير. فالخميني مات ومعه انتهت سلطتا الولي الفقيه ومرشد الثورة. بموته انتهت الثورة التي أقيمت على أساس كبت الحريات. لقد تمتع الرجل بخيلاء الفارس المنقذ الذي يمهد الأرض لظهور الإمام العادل ولقد تبين في ما بعد أن منصبه لم يكن إلا منصبا دنيويا يُراد منه تحجيب النساء إلى زمن غير منظور.
ما يُسمى اليوم بثورة الحجاب هي ثورة مجتمع يريد التحرر من سلطة المرشد بكل ملحقاته. لم يعد المجتمع الإيراني يخضع للمرشد لشرطة أخلاقه. النساء هن مرشدات المجتمع. دورهن في بناء المجتمع أفضل بكثير من دور مرشد الثورة التي انتهت صلاحيتها.
احتكر الرجال الثورة لأكثر من أربعين سنة ووضعوا إيران في الموقع الذي يكرهه العالم كله. ونجحوا في التمدد من خلال انفاق مال الشعب الإيراني على الميليشيات التابعة لحرسهم الثوري ولكنهم فقدوا السيطرة على نساء إيران اللواتي حلمن ذات يوم بالحرية. لم تكن الحرية حلما رجاليا كما خُيل إلى الخميني. ولم تكن النساء مضطرات للتفكير بالطريقة التي يفكر فيها الخميني.
ما يحدث اليوم في إيران هو ثورة بالمعنى الحقيقي للثورة. وهنا ينبغي الانتباه إلى المعنى الإيجابي لمصطلح "الثورة المضادة" فثورة النساء لا يمكن اعتبارها ثورة على الثورة أو محاولة لاستعادة الثورة بعد أن وضعها الرجال في خدمة مشروعهم الذكوري. ذلك لأن ثورة الخميني كانت قد انتهت منذ زمن طويل. وما الدولة القمعية التي أُقيمت في إيران إلا دليل على فشل تلك الثورة. وهو ما يعني أن النساء إذ يسعين من خلال ثورتهم إلى تغيير الواقع فإنهن يضعن الإيرانيين أمام وجه تنويري ونهضوي للثورة.
وما تسمية "ثورة النساء" إلا عبارة مجازية يُراد منها التعبير عن ثورة مجتمع يتوق إلى الحرية سلم النساء الموقع القيادي الذي يتمكن من خلاله أن يقمن بدورهن الحقيقي مرشدات للمجتمع. وهن في الواقع كذلك بغض النظر عن القوانين القمعية التي فرضها المرشد وملاليه على المرأة من خلال اخفائها وراء حجاب.
لا تهدف ثورة النساء إلى الوصول إلى الحكم وهي لا تستند إلى منطلقات عقائدية وليس في الإمكان احاطتها بالشبهات إلا إذا كانت الحرية شبهة. وهي شبهة ستغنيها النساء بتضحياتهن إلى أن يسقط حكم المرشد.
نساء إيران يحررن مجتمعا كاملا من غفلته وفي الوقت نفسه يحررن أنفسهم من تبعية امتهنت كرامتهن وحولتهن إلى إماء في حضرة الولي الفقيه.