الحل المناسب للتركيبة العراقية

السياسيون العراقيون يتغنون بوحدة وطنية غير موجودة.

ثمة خطأ شائع اعتاد عليه العراقيون وهو ان العراق يتكون من مجتمع واحد، والصحيح انه يتكون من مجتمعات، مجتمع سني ومجتمع كردي ومجتمع شيعي وهكذا، وكل مجتمع له خصوصيته الثقافية واللغوية والجغرافية. وقراءة هذه المجتمعات ليست بالسهلة أبدا، تحتاج إلى جهد جهيد وبحث مضن لمعرفة تركيبتها المعقدة التي لا تشبه أيا من المجتمعات الأخرى في الشرق الأوسط، لأنها مجتمعات خاصة ومغلقة ومستقلة بذاتها لا يمكن أن تنقاد بسهولة، وقد نوه الكثيرمن علماء الاجتماع العراقيين وغير العراقيين إلى ذلك، وأشاروا إلى معضلة فهم الإنسان العراقي من غير التعمق في أبعاده التاريخية.

فالمجتمع السني يختلف عن المجتمعين الشيعي والكردي وهو بدوره يختلف عن المجتمعات السنية في البلدان العربية من جانب شعوره القومي المرتفع، فتراه إسلاميا منخرطا في أحد الأحزاب الإسلامية، ولكنه يحمل فكرا قوميا شوفينيا، ولديه استعداد لقمع الاخرين من القوميات الاخرى وغمط حقوقهم! وقد رفض الحزب الاسلامي (الاخواني) تولي جلال الطالباني رئاسة الجمهورية وخرج من قاعة البرلمان عند التصويت عليه، ليس لكونه غير كفؤ بل لكونه من القومية الكردية وكان يرى ان المنصب من حق"سنة العرب!" كما جاء على لسان امينه العام آنئذ (عام 2010) طارق الهاشمي. وكذلك الأمر بالنسبة للشيعي فله عالمه الخاص ومجتمعه الخاص يختلف عن السني والكردي، وبحكم قرب الشيعي العراقي من مراقد الأئمة ومسرح الأحداث التاريخية المؤلمة ووقوعه تحت أضواء المراجع المباشرة، تجده أكثر تشددا وتمسكا بطائفته من الشيعة الموجودين في البلدان الأخرى، وأكثر اندفاعا نحو التطرف. ونفس الشيء بالنسبة للأكراد فهم يختلفون عن أقرانهم في إيران وتركيا وسوريا ثقافيا وقوميا، ولا يشبهونهم في كثير من الأمور الجوهرية.

إذن، فكل مجتمع من المجتمعات الثلاثة التي يتشكل منها العراق، له شخصيته المستقلة وثقافته وطموحه ورؤيته المتباينة للسياسة والدين، لا يمكن ترويضها أو إرضاخها لأيديولوجية الدولة وسياساتها من خلال القوة والقمع بسهولة. وقد حاول النظام البعثي فرض سلطة الدولة "القومية" بالحديد والنار واجبر الشعوب والمجتمعات العراقية على الانصهار في بوتقة الدولة الواحدة والفكرة الواحدة والسياسة الواحدة، ومارس كل ما يخطر على قلب بشر من المقابر الجماعية والابادة البشرية بحق الكرد والشيعة والسنة المعارضين ايضا وان كان الكرد قد اخذ حصة الاسد من هذه العقوبات الجائرة، ولكنه مع ذلك أخفق ولم يستطع بلوغ هدفه، وكذلك اعاد النظام الشيعي بزعامة نوري المالكي نفس اخطاء نظام صدام المباد وحاول إعادة تركيبة الدولة وفق أهوائه السياسية والطائفية، ومن ثم فرضها على الاخرين بالقوة ولكنه أخفق في بلوغ غايته ونحي عن السلطة.

واذا كان للكرد خصوصية ثقافية واثنية وجغرافية تختلف عن باقي الشعوب العراقية الاخرى، ويعيشون داخل اقليمهم، فان السلطات الشيعية ترفض رفضا قاطعا منح السنة اقليما خاصا اسوة بالكرد وفق المادة 119 من الدستور رغم الخصوصية المذهبية والثقافية التي يتمتعون بها.

مهما قيل عن الوحدة الوطنية وضرورة التمسك بها والشعارات التي يتغنى بها السياسيون للهروب من الواقع القائم على التصارع والتنافر الشديد بين المجتمعات العراقية، فان الحل الامثل للتعايش السلمي بينها هو اقامة نظام الكونفدرالي او الفدرالي الحقيقي كما نص عليه الدستور، وخلاف ذلك هدر للوقت واضاعة للطاقة، فالحكم على اساس الاغلبية السكانية او الاغلبية السياسية او الطائفية والاثنية لا يفيد العراق ولن تناسب تركيبته المعقدة!