الخروج من الازمة

إيران ترى أن التفاوض معها ينبغي أن يكون قائما على الاعتراف بحقها في الهيمنة على العراق وسوريا ولبنان.

ترغب إيران في الخروج من أزمتها، لكن بشروطها الغامضة. ذلك أمر لا يعقله أحد ولكنه واقعي إلى درجة يمكن معها تخيل أن تقوم الحرب قبل أن تتخذ إيران قرارا بالإنصات إلى ما يريده العالم منها.

مشكلة إيران تكمن في بنية نظامها الحاكم.

فالدولة بكل مؤسساتها في مكان والولي الفقيه بملحقاته وفي مقدمتها الحرس الثوري في مكان آخر. وإذا ما عرفنا أن الدولة عاجزة عن اتخاذ أي قرار سيادي إلا إذا كان الولي الفقيه هو مصدر ذلك القرار يمكننا أن ندرك أن المسافة بين إيران وفهم واستيعاب مستلزمات الحوار مع العالم طويلة. بل هي أطول من أن يتمكن الأوروبيون من اختزالها.

لقد فشلت أوروبا وهي طرف في النزاع النووي في تقريب وجهة النظر الإيرانية، بحيث تطلب إيران ما يمكن تنفيذه عالميا مقابل أن تتراجع عن سياساتها التوسعية في المنطقة ناهيك عن برنامجها التسليحي وهما المسألتان اللتان صارتا موضع جدل واختلاف.

لم تكن إيران منذ أن انسحبت الولايات المتحدة الولايات المتحدة من الاتفاق النووي وإعادة فرض العقوبات قريبة من الامل في البحث عن مخرج للأزمة، بقدر ما كانت تبتعد تدريجيا عن ذك الأمل.  

ذلك الابتعاد كان وليد سوء فهم وقعت فيه القيادة الإيرانية، بسبب اعتقادها أنها ليست مَن سبب الأزمة وأنها صارت ضحية لمؤامرة، يستند مدبروها إلى موقف عقائدي معاد للإسلام.

ما هو معلن من الرد الإيراني وهو غير حقيقي بالنسبة لما هو معلن. ذلك لأن الإيرانيين يدركون أن توسعهم انما يتم على حساب دول ذات سيادة في منطقة، تعد واحدة من أهم المناطق التي تزود العالم بالطاقة الرخيصة.

ذلك ما يتغاضى عنه الإيرانيون في محاولة منهم لإلباس الأزمة ثوبا عقائديا. وهو نوع من الاحتيال، مارسه الإيرانيون في جذب ملايين البشر البسطاء إليهم من خلال عمليات تضليل، أنفقوا عليها مليارات الدولارات.

غير أن ذلك الاحتيال لن يكون له أدنى تأثير على المجتمع الدولي الذي يراقب من غير انحياز محاولات إيران في القفز على محيطها الإقليمي من أن أجل أن تتحول إلى دولة كبرى من غير أن تمتلك ما يؤلها لكي تكون كذلك.

من المضحك فعلا أن تنتظر إيران من المجتمع الدولي أن يحل أزمته معها في الوقت الذي تتوارى فيه وراء موقفها السلبي. فالأزمة من وجهة نظرها ليست أزمتها بل أزمة المجتمع الدولي. إنها ترى أن الولايات المتحدة تتعامل معها من خارج نص الاتفاق النووي الذي تخيلت أنه سيكون عهدتها التي ستتمكن من خلالها من تثبيت وضعها الشاذ في الشرق الأوسط.

وكما يبدو فإن إيران قد اختارت أن تمضي قدما في طريق تحديها للمجتمع الدولي الذي تعتقد أنه يرتكب خطأ فادحا حين يتخلى عن حمايتها في واجهة العقوبات الأميركية فيما ترى أن من حقها أن تفعل ما تشاء من غير أن تفكر في الاحراج الذي يمكن أن يسببها سلوكها للدول التي تحاول حمايتها.

لذلك فإن إيران لا ترى أنها فشلت في إدارة أزمتها مع الغرب. بل كان مطلوبا من الغرب أن ينجح في إدارة تلك الأزمة. فمن وجهة نظرها فإن على الغرب أن يقبل بأن تهيمن على العراق وسوريا ولبنان.

وهي ترى أن التفاوض معها ينبغي أن يكون قائما على الاعتراف بحقها في الهيمنة على تلك الدول. من وجهة نظر الولي الفقيه فإن من يتفاوض مع إيران عليه أن ينصت إلى شروط الحرس الثوري.

لهذا فإن الحرب على إيران ليست إلا مسألة وقت. سينفد الوقت قبل أن تتخذ إيران قرارها.