الدولة الطائفية في طريقها إلى الزوال

كشفت الدولة الطائفية في العراق وفي لبنان عن كل أوراقها ولم تعد لديها سوى ورقة العنف. هي الورقة الأخيرة التي ستؤدي إلى سقوطها.

المظاهرات التي يشهدها لبنان والعراق معا تمثل استفتاءً شعبيا على نظامي المحاصصة الطائفية والحزبية اللذين أدخلا البلدين في أزمة إنسانية وأخلاقية وسياسية لا يمكن الخروج منها مع بقائهما.

صار واضحا أن هناك موقفا شعبيا غاضبا من الفشل الذي صار بمثابة أمر واقع يشد الجميع إلى هاوية سياسية هي بمثابة قبرين لشعبين عُرفا بتوقهما إلى الحرية واعتزازهما بكرامتهما التي تم إهدارها لصالح استمرار مافيات الفساد في عملها.

قال الشعبان "لا للطائفية" بعد أن كان النظامان قد سعيا إلى ترسيخ فكرة أن الطائفية السياسية ما هي إلا انعكاس لطائفية اجتماعية متجذرة. كذبة أدرك الشعبان أن السكوت في مواجهتها سيحيلها إلى حقيقة تاريخية، سيكون من الصعب في المستقبل محو عارها.

فالدولة التي صُممت من أجل أن تخدم فئات طفيلية، عاطلة التفكير والخيال ليست هي الدولة التي تصلح لبناء وطن يكون قادرا على استيعاب مواطنين متساويين في الحقوق والواجبات فهي ليست دولة مواطنة يحكمها قانون واضح الملامح يطبق على الجميع.
تلك هي دولة اللصوص والمحتالين والأفاقين والمزورين والساعين إلى الإثراء غير المشروع من خلال تعطيل مبدأ المساءلة والاستقواء بالسلاح والتبعية لقوى خارجية لها أجندات تتناقض مع المشروع الوطني.

لقد بات الشعبان نتيجة التجربة الواقعية على قناعة من أن تلك الدولة ليست دولتهما لذلك قررا أن يهدما المعبد كله من غير القبول بإجراءات "إصلاحية" تتم في داخله. فكل إصلاح من ذلك النوع انما يجري لإنقاذ الطبقة السياسية التي هي مصدر كل هذا الفشل الذي يلمسه الشعبان في حياتهما اليومية التي صارت تدعو إلى اليأس بسبب خوائها وعجزها عن احتواء الدعوة إلى التغيير انسجاما مع العصر.

يعيش العراق ولبنان بسبب التخلف الذي يجسده النظام الطائفي زمنا لا علاقة له بالعصر الحديث. إنه زمن الاقطاع والاقطاعيات الذي يجعل كل شيء رهينا بمصالح فئات سطت عنوة على السلطة من غير أن تملك حقا في ذلك مستغلة الفراغ السياسي الذي فرضته القوى الدولية على البلدين.

لذلك فقد لجأت الطبقة السياسية في العراق الى العنف في مواجهة الاحتجاجات السلمية. وهو ما هدد حسن نصرالله باللجوء إليه في لبنان.

المشاهد التصويرية المسربة من داخل العراق تصور "حرب شوارع".  

وهو ما يعني أن النظام الطائفي دخل إلى طور جديد من أطواره بعد أن تبين فشله في ترسيخ وجوده اجتماعيا.

فالهلع الذي أصيب به السياسيون يعود مصدره إلى أنهم صاروا على يقين من أن المظاهرات لا تهدف إلى اسقاط الحكومة بل إلى اقتلاع النظام واسقاط الدولة الطائفية واستبدالها بدولة المواطنة.

ذلك يعني ان العراقيين تخطوا الخطوط الحمراء الزائفة التي رسمت من حولهم. فلا أحزاب ولا ميليشيات ولا مرجعية دينية ولا إيران في إمكانها أن تخيفهم وتوقف زحفهم.

وبعد أن سقط هذا العدد الكبير من القتلى من غير أن يؤثر سلبا على زخم التظاهر صار جليا أنه ليست هناك لدى الشعب الغاضب أي نية للتراجع، يل صار العنف الذي مارسته القوى الأمنية والميليشيات الإيرانية حافزا جديدا محرضا على التظاهر والاحتجاج على الدولة التي تلجأ إلى القمع دفاعا عن الفاسدين.

"لقد بلغ السيل الزبى" كما يُقال وكشفت الدولة الطائفية سواء في العراق وفي لبنان عن كل أوراقها ولم تعد لديها سوى ورقة العنف وهي الورقة الأخيرة التي ستؤدي إلى سقوطها.
من المؤكد أن الطائفيين يعتقدون أن إيران ستلقي لهم حبل النجاة في نهاية المطاف وهم مخطئون في ذلك.

لقد استعملتهم إيران في نشر الفوضى ومد هيمنتها والحفاظ على مصالحها غير أنها ستكون حذرة في التدخل المباشر من أجل انقاذهم. ذلك لأنها حين تعلن الحرب لن تجد سوى الشعب في مواجهتها. لذلك فإنها لن تغامر بالتعرض إلى هزيمة من ذلك النوع.

ما هو مؤكد أن الدولة الطائفية وهي مشروع استعماري هي اليوم في طريقها إلى الزوال وهو ما يمهد لطي صفحة الهيمنة الإيرانية. ما عجزت عن إنجازه الولايات المتحدة يسعى الشعبان اللبناني والعراقي إلى إنجازه وسينجحان في ذلك. وهو ما يوجب على الولايات المتحدة بشكل خاص والمجتمع الدولي بشكل عام أن يكونا ممتنين للشعبين اللذين صنعا المعجزة.