الذات الناقدة والرؤية التكوينية في مسرح ونوس

فيصل المتعب يؤكد أن المبدع مركز العملية الإبداعية من حيث كونه يشكل المكونات الجنينية للنص حتى يشب عن الطوق ويصل إلى المتلقي.
المبدع أو المؤلف أو المنتج للنص يعد مركز العملية الإبداعية من حيث كونه يشكل المكونات الجنينية للنص حتى يشب عن الطوق ويصل إلى المتلقي
الناقد ذو الرؤية التاريخية تستدعي لديه كلمة "مسرح" صورة ذهنية تعكس استلهام التراث

نشر مؤخراً الناقد السعودي الدكتور فيصل المتعب المحاضر بقسم اللغة العربية بجامعة أم القرى بحثا بعنوان "الذات الناقدة والرؤية التكوينية في مسرح سعدالله ونوس .. عرض وآراء"
مؤكداً في بحثه أن الذات الناقدة تعتبر هي المنتجة للنص النقدي بعد الاطلاع والتحليل للنص الإبداعي، وتتفاعل هذه الذات مع المتغيرات التي تطرأ على النص تحليلا وتنقيبا وكشفا، وتندمج الذات مع المكونات التكوينية وتشاركها في طرح الرؤى والتداخلات، وهذه الرؤى قد شكلت الذات الناقدة وعيا وكتابيا وفكريا، وساهمت في إبراز رؤى جديدة تبحث فيما ورائيات العمل الإبداعي.
وموضحا أن المبدع أو المؤلف أو المنتج للنص يعد مركز العملية الإبداعية من حيث كونه يشكل المكونات الجنينية للنص حتى يشب عن الطوق ويصل إلى المتلقي، أي أن المبدع هو المسؤول عن عملية تخلق النص وتكوينه، ولذلك يعد تجاهله وتجاوزه إلى النص أو المتلقي بمعزل عن السياق قصورا في الرؤية النقدية للنص. ولذلك نرى أن الرؤية التكوينية للمبدع تستند إلى المكونات الاجتماعية والنفسية والثقافية والدينية والحضارية التي ساعدت في تشيكل النص. 

الذات المبدعة الثالثة لسعدالله ونوس شكلت نصوصا لتكشف للمتفرج والمتلقي أن المتغيرات المؤطرة وبنيتها أعمق من بنيات وعيه، ورسمت لنفسها متفرجا (ضمنيا) جاء ليشاهد أشخاصا مثله أو من  الممكن أن يكون مثلها

وكما أن جميع التجارب التي يكتسبها الناقد سواء نصية أو غير نصية تشكل ما يسمى "الرؤية التكوينية"، وهي تؤثر في الخلفية الموسوعية لدى الناقد، وتلعب دورا مهما في تحقيق التفاعل الإبداعي مع النقدي، وتدفعه إلى ترشيح قراءة دون غيرها، وقد تخالف الرؤية التكوينية الناقد، والسبب في ذلك يعود لمؤثر خارجي - نصي في الغالب - يؤثر بصورة تدريجية ومعقدة ويتغلب على كل الرؤى والمؤثرات السابقة.
فالناقد ذو الرؤية التاريخية - على سبيل المثال - تستدعي لديه كلمة "مسرح" صورة ذهنية تعكس استلهام التراث وربط المسرح بالوقائع والأحدات التاريخية عن طريق الإسقاط والاستدعاء، وقد تشير إلى معنى أسطوري أو رمزي بحسب التوجهات الذهنية التي تتشاكل مع بنيته الفكرية.
والرؤى النقدية تحتلف باختلاف الحقول المعرفية التي امتاحت منها، فالتحليل النقدي يختلف بتعدد أساليب التحليل نفسها، وفي بحثنا عن آراء النقاد حول مسرح سعدالله ونوس نجد اختلاف المشارب والرؤى والمكونات ما بين: تحليل لغوي، وآخر ثقافي، أو فلسفي، أو اجتماعي، أو نفسي.  ويمكن أن نصنف النقاد حول مسرح ونوس إلى فئتين: فئة تعاملت مع مسرح ونوس لغويا بمعزل عن المكونات، وفئة أخرى تعاملت مع  مسرحة بالمؤثرات السابقة.
وعند البحث في الرؤية التكوينية للنقاد الذين تلقوا مسرح ونوس، كان لزاما علينا أن نطرح تلك التساؤلات العلمية الخمس، أولهما (من؟) فنبحث عن الناقد الذي تناول النص، ثانيهما (متى؟) وهذا التساؤل يبحث عن الحقبة الزمنية التى استقبل الناقد نصوص ونوس المسرحية، وثالهما (أين؟) ونبحث عن المكان والبيئة الجغرافية، ورابعهما (كيف؟) تساؤل يتعلق بالنص، والكيفية التي ظهر بها النص في لغته وأسلوبه، وأخيرا (لماذا؟) وهذا التساؤل يبحث عن ترشيح القارئ لهذا النص دون غيره، حيث إن الناقد مستقبلا لنصوص ونوس المسرحية لا منتجا.
والفصل التام بين هذه الرؤى من الصعوبة بمكان، فالناقد الذي تعامل مع نص ونوس ثقافيا لا يكون بمعزل عن الخلفية التاريخية واستخدام واستلهام ونوس للتراث وطريقة تعامله مع المكون التاريخي، والرؤية النفسية لا تنفصل عن المكون الاجتماعي، فالفرد عنصر من مكونات ذلك المجتمع الذي أثر فيه نفسيا، حتى أن الرؤية الفلسفية لصيقة بالمكونات السابقة، فمن يقرأ ونوس فلسفيا لا بد أن يتداخل في رؤيته الجانب الثقافي وكيفية تعامل ونوس مع المنظومة الاجتماعية والتي عكست هذه الرؤية الفلسفية.  

وتوصل الدكتور فيصل المتعب إلى أن انقسام ذوات سعدالله ونوس المبدعة تكمن في ثلاثة أقسام:
1- الذات المبدعة الأولى: 
اعتبرت نصوص سعدالله ونوس الأولى لم تكتب للعرض المسرحي، وإنما كانت نصوص محملة بحمولات فكرية خالصة، وكانت هذه النصوص تغلب عليها القراءة التأويلية والبحث في أبعادها. ونمثل بمسرحية "جثة على الرصيف" حيث استخدمت الذات المبدعة وصف المنظر على أساس الديكور المسرحي، كما تستخدم داخل الأقواس (النص المرفق للحوار)، صيغة المضارع لترهين الأحداث مما يشير بوجود المتفرج. 
2- الذات المبدعة الثانية: 
لتحقيق رؤية الذات المبدعة عن التهميش وغياب المثقف عن الفعل الاجتماعي تتبنى الذات المبدعة لنص "حفلة سمر من أجل 5 حزيران"، شكل الحفل وهو ما يعني تقسيم المسرح إلى ممثل وممثل له، ولكنها تعود إلى إلغاء هذا التقسيم بإضافة كلمة "سمر" كما يعني المشاركة المتساوية للطرفين وإلغاء المساحات المميزة للمثل والممثل له وهو مشروع جمالي تتبناه الذات المبدعة في نصوص: "مغامرة رأس المملوك جابر"، "الفيل يا ملك الزمان"، و"الملك هو الملك"، و"رحلة حنظلة من الغفلة إلى اليقظة". 
3- الذات المبدعة الثالثة: 
قدمت لنا الذات المبدعة الثالثة تصورا جديدا، فللمرة الأولى ندخل الأماكن الخاصة للشخصيات بوصفها ذواتا اجتماعية لها مفرداتها الخاصة وكينونتها المستقلة. أصبح نقض الوعي للفرد بوصفه عنصرا في سياق اجتماعي متخلف، محجوزا عن النهضة. لقد شكلت الذات المبدعة الثالثة لسعدالله ونوس نصوصا لتكشف للمتفرج والمتلقي أن المتغيرات المؤطرة وبنيتها أعمق من بنيات وعيه، ورسمت لنفسها متفرجا (ضمنيا) جاء ليشاهد أشخاصا مثله أو من  الممكن أن يكون مثلها.