الرابح والخاسر من لقاء وزيري الدفاع التركي والسوري في موسكو

الخاسر الوحيد سيكون قسد التي تتوالى عليها الضربات المتتالية.

مع إعلان وزارتي الدفاع في كل من سوريا وتركيا أن اللقاء بين وزيري الدفاع ومديري المخابرات في موسكو كان إيجابياً تنتقل العلاقات السورية التركية إلى مرحلة جديدة أقل ما يُقال فيها إنها علنية وهادفة لحل المشاكل والقضايا العالقة بين البلدين. فالأمر الذي كان يقلق دمشق هو عدم الثقة بشخص الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي انقلب في عام 2011 على نظيره السوري بشار الأسد مع اندلاع موجة ما سُمي بالربيع العربي. وهنا لا بد أن نذكر أن أردوغان نفسه قال: لا شيء ثابت في السياسية مبدياً استعداده للقاء الرئيس السوري بشار الأسد الذي دعا في عام 2011 لإسقاطه والتوجه للصلاة في الجامع الأموي احتفاءً بهذا السقوط!

إذاً، نحن اليوم أمام مرحلة جديدة في العلاقات السورية التركية فمن الرابح ومن الخاسر من هذه "المصالحة"؟ إذا جازت التسمية، يمكن القول: إن الرابح هو الدولتان السورية والتركية. والسبب أن لا أحد منهما سيشعر بالأمان إذا لم تكن الحدود محمية ومصانة على كلا الجانبين من جيشي البلدين. وعلى هذا الأمر سيندرج انسحاب تركي كامل من سوريا، وتفكيك المجموعات الإرهابية كجبهة النصرة "هيئة تحرير الشام" المصنفة إرهابية حتى في تركيا وما يُسمى "الجيش الوطني" الذي تعتبره دمشق إرهابياً ويضم فصائل راديكالية، وهذا يمكن أن يُحل وتسوى أوضاع أفراده بالعفو أو بالمصالحات.

الأمر الآخر هو ترحيل المقاتلين الأجانب ما يجعل من سوريا بلد أمان وطريق عبور للشاحنات التركية والأوروبية إلى دول الخليج ولاسيما أن أردوغان أجرى مصالحات مع كل من الإمارات والسعودية، إضافة إلى أن تركيا ستصبح مقبولة عربياً أكثر باعتبارها لا تحتل أراضي عربية.

في الداخل التركي سيسحب أردوغان ورقة اللاجئين السوريين من يد المعارضة التركية التي تتحدث دائماً عن عزمها ترحيل السوريين وإعادة العلاقات مع سوريا، وهو الأمر نفسه الذي سيستغله أردوغان انتخابياً مع اقتراب الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في يونيو/حزيران القادم.

أما الخاسر الأكبر من عودة العلاقات السورية التركية إلى العلن فهو "قسد " وما يُسمى "الإدارة الذاتية" التي ليست إلا الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني في تركيا المصنف إرهابياً في تركيا والولايات المتحدة وعدد من الدول الأوروبية وهو ما ينطبق على حزب الاتحاد الديمقراطي الذي يتبع عقيدة أوجلان نفسها، ويسعى لإقامة كيان انفصالي على غرار "كردستان العراق" ومن هنا يمكن فهم مغزى الزيارة المفاجئة لبافل طالباني، رئيس حزب الاتحاد الوطني الكردستاني إلى قيادة ما يُسمى "قوات سوريا الديموقراطية" في شمال شرقي سوريا. فالزيارة جرت برفقة قائد قوات التحالف الدولي، ماثيو مكفارلين، وهو ما يؤكد أن الزيارة هادفة ومخطط لها، والهدف منها هو توحيد الأكراد في سوريا والعراق تحت الراية الأميركية.

ونعود لقسد التي وضعت بيضها كله في سلة الأميركي وهو ما جعلها تجد نفسها أمام تكتل إقليمي دولي كبير يضم كلاً من روسيا وتركيا وإيران وسوريا في مقابل حماية أميركية قد تُنزع عنها في أي لحظة، والكل يتذكر إعلان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب أنه يريد الانسحاب من سوريا في عام 2019 حتى ضغطت عليه "الدولة العميقة" ليُبقي جنوده هناك لمواصلة نهب النفط السوري ويومها قال ترامب: "سنحتفظ بالنفط السوري ولن نسمح للحكومة السورية بالاستفادة منه" الأمر الذي كرره وزير دفاعه مارك اسبر، في حين اعتبر الجنرال المتقاعد باري ماكافري أنّ "جلب شركات نفطٍ أميركية لتحديث حقول النفط السورية سيحول هذه الشركات إلى قراصنة؟"، وهو الأمر الذي وافقه عليه الجنرال المتقاعد ريتشارك بلاك وبريت ماكغورك مبعوث التحالف الدولي السابق الذي قال إن "النفط مملوك للدولة السورية، ومن غير القانوني لشركة أميركية الذهاب والاستيلاء على هذه الأصول واستغلالها".

ومن هنا يمكن القول إن الولايات المتحدة ستجد نفسها محشورة في الزاوية من خلال تركيزها على ثلاثة أمور. الأول، استمرار احتلال أراضٍ من سوريا دون أي قرار شرعي من الأمم المتحدة أو المجتمع الدولي؛ الثاني، أنها تعمل على تقسيم سوريا وهو ما لا تقبله كل من روسيا وتركيا وإيران؛ الثالث، نهب النفط السوري وهو المخالف لكل الشرائع الدولية، وهو ما يجعلها تأخذ دور "قراصنة البحر الأحمر"!

إذاً، ما بعد لقاء وزيري الدفاع في كل من سوريا وتركيا لن يكون كما قبله، والخاسر الوحيد سيكون قسد التي تتوالى عليها الضربات المتتالية. فالرئيس التركي أردوغان أعلن في خطاب ألقاه الإثنين الماضي عقب ترؤسه اجتماعاً للحكومة في المجمع الرئاسي بأنقرة اعتزام بلاده الانتقال إلى "مرحلة جديدة في مكافحة الإرهاب"، تتمثل في "تدمير البنى التحتية والموارد التي تعتمد عليها المليشيات الكردية السورية، للقضاء بالكامل على التهديدات التي تستهدف تركيا من الأراضي السورية".

كلام أردوغان ليس وحده ما يهدد وجود "قسد" فالمظاهرات تتصاعد في المناطق التي تسيطر عليها الوحدات الكردية بقوة السلاح وبدعم أميركي واضح، وأيضا التفجيرات التي تستهدف قواتها كما حدث في انفجار الرقة، والأهم أن تركيا اتخذت من تفجير اسطنبول في الثالث عشر من تشرين الثاني/نوفمبر ذريعة لضرب "قسد" وإفشال مشروعها، علماً أن قسد خسرت كل من عفرين وتل أبيض ورأس العين، وقد تخسر عين العرب وتل رفعت ومنبج، لتُحشر في منطقة القامشلي باعتبار أنها أصبحت مرفوضة من المكون العربي الذي يتهمها بالعنصرية والشوفينية وبالنزعة الانفصالية.